الموسيقى حياة

فى الصمت قد تسمع صوت الموسيقى بل ربما تأتلق حواس المرء فكلنا نمتلك خمس حواس، لكن من الممكن أن تتقارب حاستان فترتبطان معًا بشكل ما، وتتأثران ببعضهما فقد ترى مثلاً لونًا ما أثناء استماعك إلى قطعة موسيقية من بتهوفن، ومن المشاهير الذين تمتعوا بتقارب الحواس الفنان العالمى فان جوخ، ومارلين مونرو.. هكذا تكلم الموسيقار طارق شرارة فى كتابه «عزف على أوراق زمن» ليقدم لنا أسرار تذوق الموسيقى من خلال سرده لحكاياته مع السينما والتأليف الموسيقى والأسفار، إنها تجربة حياة، استطاع فيها أن يقدم عاشق الموسيقى لقرائه الكثير عن عالمها وصمتها الثري! فقد حصل من قبل على جائزة دولية عن برنامج صوتى إذاعى يقدم «الصمت» وكان بعنوان «أماكن للصمت» وجائزة أخرى عن برنامج يستخدم المؤثرات الصوتية من دون حوار صوتى أثناء عمله بالبرنامج الأوروبى فى الإذاعة المصرية.

وقد برع شرارة فى مجال الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، ومن أهم الأفلام التى منحته فرصة التأليف الموسيقي: «الصعود إلى الهاوية»، و«الهارب»، و«الطاووس» من إخراج كمال الشيخ، كما أعد الموسيقى التصويرية لفيلم «الخيط الرفيع»، و«امبراطورية ميم»، وأهم ما فى تجربته هو التنوع الآسر فى توظيف الموسيقي.

ومن أهم برامجه فى الإذاعة المصرية: «الموسيقى حول العالم» الذى قدم من خلاله موسيقى من مختلف دول العالم، وبرنامج «نادى السينما الإذاعية»، وبرنامج «الموسيقى الكلاسيكية» الذى استمر أكثر من عشرين عامًا.

ومن خلال استخدام خلفيات موسيقية وتوظيف مناسب للمؤثرات الصوتية قدم فى السبعينيات تجربة رائدة وهى «الكتاب المسموع» لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة من المكفوفين، وقدم من خلاله قصصًا مسموعة لكبار الكتاب مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويحيى حقى،ومحمد عبدالحليم عبدالله.

ويكشف شرارة فى كتابه العديد من أسرار الرقابة على الأفلام السينمائية فقد عمل لمدة 22 عامًا بإدارة الرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة، ومما ذكره فى كتابه أن فيلم «ميرامار» عن رواية نجيب محفوظ لم يُعرض جماهيريًا إلا بعد أن شاهده أنور السادات رئيس مجلس الشعب حينذاك فى عرض خاص، وهو الذى أصدر قرارًا بعرض الفيلم مع حذف بسيط لا يُذكر.

ومن أطرف ما قاله شرارة فى كتابه أن الموسيقار عبدالوهاب كان عاشقًا لأفلام الرعب! وقد اكتشف ذلك عندما قابله فى الإذاعة، وكان عبدالوهاب يسجل إحدى أغنياته بينما كان شرارة يعد برنامجًا بعنوان «بيت الغموض» قدم فيه 25 تمثيلية رعب!

ومما كشف عنه أيضًا أن الفنانة «بهيجة حافظ» الرائدة السينمائية كانت لها مؤلفات موسيقية وكذلك الفنانة «لوردكاش» التى أهداها ريشة نسر لتعزف بها على العود، على الرغم من أن العزف بها كان قد انتهى من أيام عبده الحامولى والشيخ المنيلاوي.

الموسيقى حياة، تلك هى خلاصة رحلة شرارة الذى استطاع أن يُغرينا بأن نسمع فى الصمت لغة الموسيقى.