الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
خانة المؤجلات المنفجرة

خانة المؤجلات المنفجرة

بين الحين والآخر تنفجر فى وجوهنا قنبلة أو لغم يدهشنا ويصدمنا وكأننا لم نكن على دراية بأنه يطلق صافرات الإنذار والتحذير، بل يدق على أبواب بيوتنا ليخبرنا أنه على وشك أن ينفجر قبلها بسنوات.



 أغانى المهرجانات و«نمبر وان» والمعانى التى تحملها كلمات العديد من الأعمال والتى تزعج البعض وتصيب البعض الآخر بالقرف أو الغضب نتاج طبيعى جداً لظروف حياتية وتعليمية وثقافية تعيشها فئة عريضة من المصريين. الأعمال الدرامية التى يتخصص بعضنا فى التنديد بها والمطالبة بحجبها ومحاسبة أبطالها بسبب مشاهد البلطجة والعربدة فى مواسم المشاهدة مثل رمضان والتى تلقى شعبية جارفة هى أيضاً تعكس جانباً غير قليل من واقع، إن لم يكن معاشاً فهو واقع نوعية الذوق السائد لدى قطاع عريض من المشاهدين.

 المحتوى الدينى العنيف الذى يغلب عليه الصراخ والتهديد والوعيد وعذاب القبر واعتبار المرأة رجساً من عمل الشيطان وغير المسلم عدواً يجب قتاله ما زال يلقى شعبية جارفة بين قطاعات من المصريين يجدون الإثارة العنيفة جاذبة لهم، إن لم يكن على شاشات التليفزيون فعبر «يو تيوب» وغيرها من المنصات العنكبوتية. 

الطريقة شبه الوحيدة التى يحتفى بها صاحب المحل هى الاستعانة بأكبر عدد ممكن من الميكرفونات التى تبث إما قرآناً كريماً لا يجوز الاعتراض على صوته العالى وإلا نُعِت المعترض بالكفر وعداء الدين، أو أغنيات كريهة ولا يجوز الاعتراض وإلا وُصِم المعترض بأنه كئيب ولا يريد الخير لغيره. كذلك الحال فى الأفراح وأعياد الميلاد وليالى الملاح. وقائمة تفاصيل حياتنا اليومية طويلة جداً. بصق فى الشارع، سير عكسى نهاراً جهاراً، تفوه بشتائم وسباب وعبارات جنسية، اتهامات بالجهل والخيانة لمجرد اختلاف فيسبوكى فى الرؤى أو تغريدة تويترية عابرة. كل هذا مصحوب – وعلى الأرجح نتيجة مباشرة- لقلة المعرفة ومخاصمة الثقافة وشبه انعدام كلى للقدرة على التعلم وليس التعليم.

 التعلم هو المهارات والخبرات التى تغذى قدرتنا على الفهم والتحليل والنقد، وليس النقد الطاغى على منصات التواصل الاجتماعى المرتكز على «ولا حاجة». الـ«ولا حاجة» صارت منظومة وأسلوب حياة. والأسباب أعيتنا لفرط السرد والتذكير، حيث تجريف للعقول على مدار عقود تارة بسبب موت النظام السياسى للرئيس الأسبق مبارك إكلينيكياً، مع ترك الأبواب مفتوحة تماماً أمام تجار الدين.

 واليوم حين يعبر البعض عن صدمته أو مفاجأته بأن يتخذ التعصب الكروى منحى مقيتاً، حيث شتائم ومعارك وتنمر وأعمال دنيئة وفرصة لتحقيق المكاسب والشهرة ولتذهب المصلحة العامة للجحيم، فإننى بدورى أُفاجأ وأُصدَم لصدمته. أليست هذه نتائج محسومة لما نحن عليه؟! وأليس هذا معبراً صادقاً عن أخلاق الشارع وسلوكه؟ والعلاج لا يكمن فى مبادرة لنبذ التعصب وحملة لنشر وعى التسامح على شاكلة الشيخ والقس اللذين ظلا يقبلان بعضها البعض فى المؤتمرات. العلاج يكمن فى استعادة الهوية المصرية والثقافة والرياضة والعلم والتعليم والتعلم وتنفيذ القانون «بحق وحقيقى» والفصل الكامل بين القوات الدينية والقوات السياسية والاقتصادية والرياضية والأمنية والثقافية ويبقى القوس مفتوحاً. خانة المؤجلات تنفجر فى وجوهنا.