الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لوحدِك حتى فى الحب!

رغم كل ما خاضته، ورغم كل الألم ولد فى قلبها أمل عندما رأته، أحبته من أول نظرة، هى التى كانت تكفر بالحب وتسخر دائمًا وتسميه خدعة، كانت دائمًا تقول إنه لا يوجد ما يسمى بالحب، ما هو إلا نوع من الاحتياج. ويظهر شخص ما فى تلك الفترة فيأخذ المخ قرارًا بأن يحب هذا الشخص.. ولذلك عندما تذهب السكرة وتأتى الفكرة.. نتساءل: «معقولة ؟! هو ده الشخص اللى حبيته»؟! أو العكس.



لكنها أحبت بالفعل، بالطبع ظلت تكذب إحساسها وحاولت الهرب.. خاصة أن الشاب كان يصغرها بعدة سنوات.

لكنه لم يترك لها مساحة فى البداية للهروب، ولأنه كان يفهمها أكثر من نفسها، كان يعطيها دائمًا المساحة التى تحتاجها لكى تشعر بأمانها الخاص.. هذه المساحة التى تخاف دائمًا أن يقترب منها أى شخص حتى لا يؤذيها.

اقترب منها بهدوء، اهتم بها دون أن تشعر، فلم تحتج يومًا أن تطلب منه أى شىء، كان يراها.. نعم يراها وبوضوح.

كانت ترى نظرته لها فتشعر بفرحة افتقدتها من زمن، تتهلل أساريره كأنه وقع على كنز! كان ينظر لها بحب ولكن بإعجاب.. كان يحترم محاولاتها ومعافرتها مع الحياة.

كانت تتعجب كيف يحبها وهو يراها دائمًا تتعامل كالرجال، كيف رأى الجانب الذى تجاهد لتخفيه، كانت تفكر أحيانًا كثيرة، يا ترى ماذا يريد هذا الشاب الصغير، ولماذا هى؟

لذلك كانت تأخذ سيارتها أحيانا وتهرب للسكندرية.. تتحدث للبحر، صديقها الصدوق، فلطالما شكت له وبكت بين أحضانه، كانت إذا سافرت مع أصدقائها أو أقاربها، تدخل لأعماق البحر بعيدًا عنهم بعيدًا عن الأرض وعن الناس وتبكى ليغسلها البحر من أحزانها وتكمل الحياة مرة أخرى دون أن يشعر بها أحد.

أما هو.. فقد شعر بها ورغم ضيق ذات يده سافر وراءها، وظل منتظرها على شاطئ البحر حتى الصباح!

جاء ليطمئنها، أو حاول على الأقل، لم تفهم، ولكنها عادت معه، وكلما رغبت فى الهروب منه أو من الحياة كانت تهرب معه.. تسافر للإسكندرية معه، ويفترش رمل الشاطئ وينتظرها ويستقبلها بنفس الابتسامة، دون شكوى ولا انتظار لكلمة شكر.

كلما حاولت الهروب يبقيها بقوة حبه لها بدون ضغط، يكفى أن يأتى لها من القاهرة للإسكندرية فقط ليعطيها شريط محمد منير الجديد ليكون أول من يسمعها ما تحبه.

كانت تراه هى أيضًا وترى معافرته فى حياته وشقاءه ليحقق نفسه وكانت من أشد المعجبين به، ولكنها لم تتكلم، كانت تراه وترى تضحياته معها وما يتحمله فقط ليسعدها، لكنها أيضًا لم تتكلم، ظنت أنه سيكتفى بأن يفهم مشاعرها نحوه والحقيقة أنه كان مكتفيًا بذلك.. إلى أن بدأت أن تعرفه على أصدقائها وتحكى عنه.

لم تجد أى شخص تحكى له فى البداية، ربما خجلاً، وربما خوفًا، فى مرة من ضمن محاولات هروبها، تقرّب منها شخص فى نفس مكان عملها وحكت له وقالت له إنها هى أيضًا معجبة به، صمت، وابتسم ولم يتكلم، كل ما قاله وقتها: «أنت متأكدة أنك هتبقى مبسوطة معاه ؟!» فظلت تسرد له مميزات من الشرق ومن الغرب وهى ليست مقتنعة، لم يتركها ولم يغب عنها يومًا كان معها يعرف أنه مجرد وقت وسينتهى، وبالفعل انتهى الموضوع قبل بدايته، وكل ما قاله «أخيرًا.. أنا ماكنتش بنام!» وأيضًا.. لم ترد!

لم ترد رغم أن قلبها كاد أن يخرج من بين ضلوعها، فدائمًا كانت تشكك نفسها أنه لا يحبها ولا يحزنون وأنه مجرد يعتبرها قدوة له.. لا أكثر.

وفى كل مرة يفتح لها ستائر مشاعره لتراها واضحة وضوح شمس أغسطس إلا أنها كانت تغلق عينيها وكأنها أشعة الحب كادت تعميها.

حاولت أن تحكى لأعز أصدقائها والغريبة أنها لم تعرها أى اهتمام.. وكأنها هى الأخرى لا تصدق أن هذه الفتاة التى تعرفها وتعرف أفكارها، فهى الساخرة من أى قصة حب، الزاهدة فى مشاعرها فكيف لها أن تقع فيما كانت دائمًا وأبدًا تحذر منه؟!

بدأت تعرفه على أصدقائها، كانت تشعر بالفخر، رغم صغر سنه عنهم، أصبحوا يسألونه عن مشاكلهم، يطلبون مقابلته، بدأوا يلفتون انتباهها أكثر لما يرونه من حب تجاهها، وكيف يقف تلقائيًا فور حضرها وكيف يخاف عليها ويسعى لراحتها.

ثم بدأت التساؤلات.. هل هذا شخص طبيعى، إذن لماذا لا يتقدم رسميًا طالما أن بداخله كل هذا الحب؟!

هى كانت تعلم أنه لا يزال يكوّن نفسه، بل متأكدة من ذلك، ليس كما يفعل باقى الشباب ويجعلون من فقرهم عذرًا للهروب من مسئولية الزواج.

لكنها بعد عدة سنوات.. ومع ضغط من حولها وخاصة أنها تتجه للثلاثين ووسط ذهول الجميع لماذا لا تتكلمين؟ لماذا لا تتحدثين بصراحة؟!

هى.. فى هذا الوقت.. لم تفكر فى الزواج.. كانت سعيدة، كانت راضية، تصحو على صوته وتنام على أمل رؤيته فى الصباح.. لم تفتقد يومًا كلام الحب والهيام، كان فعل واحد من أفعاله أو نظرة تشجيع أو إعجاب كفيلة بوضعها فى حالة نشوى ربما لم تختبرها امرأة سواها.

لكن «الزن على الودان.. أمر من السحر»، جلس الكل يخيفها، بل يرعبها من الغد ومن كونه أصغر منها، ومن المؤكد لن يفكر بها بعد أن تبلغ الثلاثين عامًا!، كانت قد نسيت معه هذا الإحساس، نسيت كيف كانت لا تشعر بالأمان، نسيت أن ظهرها مكشوف لأى ضربة.. نسيت أنها «لوحدها».

فبدأت تتغير معه، وتشكك به وتبتعد وتهرب مرة أخرى، بدأت تسخر من علاقتهما فى وجهه، كررتها كثيرًا، أنت مجرد صديق، أنت أخى الصغير!

كان يصمت وكانت تعرف ما يداريه صمته، وكانت تدعو ربها أن يتفهم كعادته ما بداخلها ولا يعطى بالاً لما يصدر منها ومن القنابل المدوية التى تلقيها فى وجهه.

حاولت أن تسلخ نفسها منه، كانت تتألم، لكن تدارى ذلك كعادتها بالسخرية والضحك، كان يحاول وهى تصد!

فبدأ أول هجوم له.. سألها: لماذا تعيشين لوحدك؟ كان السؤال بمثابة  رصاصة اخترقت قلبها.. لم يتكلما، قبلُ، فى هذا الموضوع، لم يسألها.. لم يحكم عليها كالآخرين.

ولكن ربما تدهور علاقتهما جعلته يفكر.. هل تحبنى فعلاً؟.. هل تستحق تلك المخلوقة ما أفعله من أجلها؟! أم أنها مجرد شخص مستهتر يعيش اللحظة بلحظتها؟!

كل ما قالته «وانت مالك»؟! نظر لها وكأنها غريبة عنه، تركته وذهبت، استسلمت لدموعها ولكنه اتصل بها، اطمأن عليها.. «أنا آسف.. مش عارف زعلتى ليه.. بس ماكانش قصدى أى حاجة» هدأت فورًا سامحته بمجرد أن رأت اسمه على شاشة الموبايل، بل هى اشتاقت إليه بمجرد أن أدارت وجهها عنه، لكنها لم تقل له ذلك ردت: «حصل خير».. فقال: «أعدى أخدك نشرب عصير» ابتسمت، ثم ردت باقتضاب «مابشربش عصير» رد ضاحكًا: «عارف» فضحكت وسمع صوت ضحكتها فاطمأن وقال لها: غدا أراكِ.. وبعد أن أغلقت الهاتف، بدأت شياطين المرأة تدور فى رأسها.. لماذا تراجع أن يراها الآن، ربما ذهب ليقابل أخرى، ولماذا سألنى عن سبب استقلالى؟

هل يجد لنفسه عذرًا ليبتعد؟ وأخذت الأفكار والشكوك تأخذها وتحيط برأسها وكأنها فى دوامة!

ظلت هكذا ككرة «البينج بونج» تسقط تارة فى أرض الشك وتارة أخرى تسقط فى أرض الحب والأمان، حتى ضُربت الضربة القاضية وخرجت خارج الطاولة تمامًا.

وجاءتها الضربة من أقرب صديقة لها.. ولكنها ظلت تبتسم وقلبها يبكى وتقول: كله هيعدى.. كله هيعدى.