الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قتلة مهاجرى المراكب

قتلة مهاجرى المراكب

الـ11 روحًا التى أزهقتها خيالات مريضة وأوهام بائسة وعقود من التجريف والتغييب وغرس مفهوم قلة الحيلة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. حلم «الهجرة غير الشرعية» سيظل يداعب الملايين ممن يحلمون بقارب ورحلة موت واحتمال نجاة على الشاطئ الآخر للمتوسط. 



العيل بييجى برزقه. وحين يأتى العيل، والثانى والثالث والرابع والخامس ولا يأتى رزقهم، تبدأ أحلام الرزق تتجه صوب «توك توك» أو صنعة وبلاها تعليم. وإن تعذر ذلك، فالأعين مصوّبة على هذا السمسار المنقذ الذى يضمن تسفير الابن الأكبر على متن مركب لعلها تصل وجهتها فى إيطاليا. وهناك، سيجد حتمًا أبواب الرزق مفتوحة على مصاريعها، والملايين تنتظر من يجنيها، والثراء سابق التجهيز دون جهد أو كلل أو قلة قيمة. وإن لم تصل المركب فغرق الابن الكبير، فلا بأس، فهناك من يليه فى الترتيب. نرسل الثانى وبعده الثالث، وهلم جرّا. ولِمَ لا؟ فقصص النجاح الساحق التى حققها قريب أبو أحمد وابن خال أبو سليمان وابن عم زوجة أبو مصطفى تتحدث عن نفسها. بيوت وأبراج مبنية على الأرض الزراعية التى فقدت قيمتها أمام الدولار واليورو وحلم التليفزيون الـ52 بوصة والغسالة الفول أوتوماتيك. وكلما زاد عدد العيال، زادت فرص تحقيق الحلم وصب الخرسانة وإنتاج المزيد من العيال لصب الزيد من الخرسانة وهلم جرّا. 

قيمة العيال كبيرة جدًا. وكما قالت الست فيروز «الله يخلى العيال». لكن العيال فى الأساس مسئولية. وإذا كان رجال الدين على مدار عقود أفتوا لملايين البشر بأن تنظيم الأسرة حرام، وأن التفكير والتدبير للأسرة قبل تكوينها وتوسيعها تدخُّل فى إرادة العلى القدير، وأن أعداء الإسلام هم من يدعون إلى الأسرة الصغيرة خوفًا من تكاثر المسلمين وتحول هذا التكاثر العددى إلى قوة ضاربة فى ربوع الأرض، فما عليهم سوى أن ينظروا حولهم لا لغرض تنظيم الأسرة لا سمح الله، ولكن ليروا بأنفسهم ويحكموا عقولهم ويصدقوا عيونهم التى سترى مكاننا ومكانتنا بين الدول من حيث العلم والبحث والدواء والابتكار والتقدم وفائدة البشرية. فجزء من قيمة الإنسان يكمن فى مدى فائدته للبشرية. 

الفقر، وهو بالمناسبة من أكثر المنظومات التى يتم توريثها، لم يقتل هؤلاء الشباب وغيرهم مئات وربما آلاف والعداد لا يزال يعد. القاتل ليس السمسار هو الحلقة الأخيرة فى جريمة القتل. القاتل هو الذى أبقى على الوعى مظلمًا مدفونًا خائفًا من التفكير. القاتل هو الذى سكت على توريث الجهل. وهو الذى يمعن فى نشر أكذوبة أن العيل ييجى برزقه، ولا يصارح أهله بأن العيل بييجى بمصاريفه ومسئولياته التربوية والأخلاقية قبل أن يكون رأس مال إضافى لصب الخرسانة. رحم الله الشباب الذين ظهروا فى فيديو وهم يهللون ويرقصون ومستبشرون بالمستقبل العريض والربح الوفير قبل دقائق من غرقهم. هم غرقوا، وانتهى أمرهم، لكن الدور والباقى علينا.