الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بداية حرب «المعادن الثمينة» فى أفغانستان!

قادة طالبان فى مفاوضات الدوحة
قادة طالبان فى مفاوضات الدوحة

مع سقوط أفغانستان فى قبضة حركة طالبان، عاد إلى الواجهة الإعلامية الدولية حوار سابق للرئيس عبدالفتاح السيسى مع شبكة «C.B.S» الأمريكية، تساءل فيه: لماذا لم تقم الولايات المتحدة بدحر الإرهابيين فى أفغانستان بعد 17 سنة من الحرب وإنفاق تريليون دولار «وقت الحوار فى 2019»؟



واستطاعت القاهرة، إعادة كامل الجالية المصرية فى أفغانستان فى عملية نوعية بعد أيام من الفوضى وانتشار العنف فى البلاد، فى أعقاب هروب الرئيس الأفغانى أشرف غنى وأسرته وكبار مساعديه للخارج، وعادت حركة طالبان إلى حكم أفغانستان بعد 20 عامًا من إطاحة الولايات المتحدة وحلفهائها بها وتصنيفها حركة إرهابية مسلحة فى 2001 بعد استضافتها تنظيم القاعدة الذى تبنى هجمات 11 سبتمبر 2001.

 

وما زالت عملية الانسحاب الأمريكى من أفغانستان فجأة محل جدل دولى وسط أسرار جديدة تتكشف، تفسر مواقف بعض الدول الكبرى فى الأحداث الأخيرة، فيما تعالت التحليلات عما أسماه خبراء بداية «حرب المعادن» فى أفغانستان.

وفى تقرير نشرته واشنطن بوست مؤخرًا قالت: إن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، اجتمع سرا مع زعيم طالبان، الملا برادار، فى كابول لمناقشة آليات وتداعيات الانسحاب الأمريكى من أفغانستان قبل الانسحاب الأمريكى.

واستمر الجدل حول سرعة سقوط أفغانستان بموجة انتقادات واسعة لإدارة بايدن، الذى حسب خبراء كان قراره بانسحاب القوات الأمريكية ضوءًا أخضر لطالبان للاستيلاء على 85 % من الأراضى الأفغانية.

2.2 تريليون دولار خسائر!

من جانبه، حاول الرئيس الأمريكى بايدن تبرير موقفه أمام وسائل الإعلام فى الولايات المتحدة التى تحدثت عن انخفاض شعبيته بعد قرار الانسحاب، قائلاً إن القوات الأمريكية قدمت كافة سُبل الدعم العسكرى والمادى للجيش الأفغانى، كما أنهم قاموا بتدريب وتسليح مئات الآلاف من الأفغان، منهم أكثر من 300 ألف جندى.

فيما قالت وكالات الأنباء الأفغانية إن هذا الرقم لا وجود له على أرض الواقع، وظهر فقط على الورق وفى مخيلة الإدارة الأمريكية، بما عُرِف بميزانية «الجنود الأشباح».

وبحسب تقديرات جامعة «براون» الأمريكية، فإن الولايات المتحدة أنفقت 2.2 تريليون دولار على الحرب من عام 2001 إلى2021، منها 933 مليارا أنفقها البنتاجون، وبلغت رعاية المحاربين القدامى فى هذه الحرب 296 مليار دولار، بينما وصل حجم الإمدادات الأساسية للحرب إلى 443 مليار دولار، فيما تكبدت وزارة الدفاع والخارجية الأمريكية الفوائد على الأموال التى اقترضتها لأجل تمويل الحرب، وبلغت 530 مليار دولار.

وأشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية أنفقت 83 مليار دولار على تدريب وتسليح الجيش الأفغانى، بينما عمد المسئولون إلى المبالغة فى أعداد الجنود وكتابة قوائم أسماء وهمية لنهب رواتبهم والمخصصات المالية لتسليحهم، وهو ما جعل التقرير يحمل تساؤلات كثيرة وجدلا فى الشارع الأمريكى مؤخرًا.

صفقة لصالح واشنطن

وفى إطار جدل ما زال مشتعلاً فى الشارع الأمريكى وفى أوساط المراقبين ذكرت وكالات أنباء أفغانية وفارسية «أريانا نيوز»، وخبر آزارى فارس، أنباء عما أسمته اتفاقات سرية بين الولايات المتحدة وطالبان بعدم متابعة قضايا جرائم الحرب الأمريكية فى أفغانستان، وإغلاق الملف أمام المحكمة الجنائية الدولية مقابل الانسحاب الأمريكى من أفغانستان.

وكشف العميل السابق بالمخابرات الأمريكية روبرت رايان الذى خدم فى أفغانستان لسنوات عديدة عن اتفاق المبعوث الأمريكى بكابول زلماى خليل زاده مع طالبان على إغلاق القضية بعد تعرض الولايات المتحدة لضغوط شديدة من المحكمة الجنائية الدولية، لذا كان تصعيد الحرب فى أفغانستان يصب فى مصلحة واشنطن، بهدف تشتيت انتباه المجتمع الدولى عن جرائمها فى البلاد.

وتواجه القوات الأمريكية فى أفغانستان اتهامات فى جرائم حرب بحق الأفغان مثل تشويه جثث المدنيين والتقاط صور تذكارية مع الجثث، وإنشاء سجون سرية ومهاجمة حفلات الزفاف، واستخدام أساليب استجواب غير إنسانية مثل الغرق الاصطناعى والتعذيب بالكهرباء.

تداعيات العودة

تصاعدت تداعيات سقوط كابول وعودة طالبان على المستوى الداخلى فى الولايات المتحدة مع احتمالية تحول البلاد إلى ساحة حرب أهلية وصراعات دولية، بالإضافة إلى انهيار الأوضاع الأمنية وتصاعد الهجمات على شعب الهزارة غرب كابول، فضلاً عن تراجع حقوق المرأة الأفغانية ومكتسباتها، ولجوء المواطنين إلى الهروب بطائرات الإجلاء الأمريكية بمطار كابول فى مشهد تدافع مأساوى.

وعلى المستوى الإقليمى من المؤكد أن تؤدى عودة طالبان إلى نهوض الحركات المتطرفة واكتسابها مزيداً من القوة والنفوذ، خاصة تنظيم القاعدة، والحركات الموالية لطالبان.

وعلى المستوى الدولى، توالت ردود الفعل، فأعلنت بريطانيا عن مخاوفها من عودة طالبان مع احتمالات أن يكون هذا البلد مصدرا للإرهاب مرة أخرى.

وفى ألمانيا، أعلنت المستشارة أنجيلا ميركل، تجميد المساعدات إلى أفغانستان، مشيرة إلى أن بلادها ستبحث مع الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى «الناتو» كيفية التعامل مع طالبان، وأكدت ميركل أنها لا تخجل من عقد محادثات مع طالبان لحماية ما تحقق فى أفغانستان خلال الـ 20 سنة الماضية.

وكانت الصين من أولى الدول التى أعلنت دعم حكومة طالبان الجديدة، وأبدت استعدادها لإقامة «علاقات دبلوماسية ودية»، والمشاركة فى إعادة إعمار أفغانستان، فيما طالب وزير الخارجية الفرنسى، جان إيف لودريان، طالبان بالتقيد بخمسة شروط للحصول على اعتراف المجتمع الدولى، أولها عدم تحويل أفغانستان إلى ملاذ للإرهاب، والسماح بخروج الأفغان الخائفين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الأراضى الأفغانية، واحترام الحقوق، ولا سيما حقوق المرأة، وتشكيل حكومة انتقالية.

من جانبه، أقر الاتحاد الأوروبى بأن سقوط أفغانستان فى قبضة طالبان يُعد غير متناسق مع المبالغ المالية التى استثمرها الغرب بهذا البلد فى العقدين الماضيين.

وأعرب المفوض السامى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، عن قلقه إزاء أوضاع النساء والفتيات.

ويشمل الصراع فى أفغانستان أبعادًا عديدة، أهمها البعد الاقتصادى والذى ينطوى على كم هائل من الثروات المعدنية وتشبع الأرض الأفغانية بالمعادن النفيسة.

وتقدر المعادن الثمينة فى باطن الأراضى الأفغانية بحوالى 3 تريليونات دولار، لذا سميت الحرب بهذا البلد «حرب المعادن النادرة»، ووصف الكتاب والعلماء أفغانستان بأنه «بلد يعوم فوق مخزون هائل من الليثيوم لم يتم استغلاله بعد».

وكشف تقرير أمريكى بمعهد الدراسات الجيولوجية عن أن أفغانستان تختزن كميات هائلة من النحاس والليثيوم والأتربة النادرة إلى جانب مناجم البوكسيت والحديد.

 وكل هذه المعادن ارتفعت أسعارها إلى مستوى تاريخى هذا العام فى الأسواق العالمية ليتجاوز 10 آلاف دولار للطن، لاستخدامها فى توليد الطاقة النظيفة والاستغناء عن الوقود وحماية المناخ، ونقل وتخزين الكهرباء.

وتُعرف أراضى أفغانستان بغناها بمناجم الأحجار الكريمة مثل اللازورد والزمرد والياقوت والتورمالين وكذلك بمسحوق التلك أو الرخام، كما أنها تنتج الفحم والمعادن التقليدية مثل الحديد. 

وبررت صحف أمريكية بأن دعم بلدان كبرى مثل الصين لفصائل طالبان يستهدف تسهيل وصولها إلى منجم أينك العملاق للنحاس، فمنذ عام 2015 تحاول بكين التفاوض مع الحكومة السابقة لإدخال تعديلات تسمح بالاستغلال الفعلى للمعادن إلا أن أمريكا كانت تعيق هذا الاتفاق.