الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قليل من الشعر.. كثير من العشق

قليل من الشعر.. كثير من العشق

يقول الراهب الألمانى مارتن لوثر: «كل إنسان يصبح شاعرًا إذا لامس الحب قلبه»، وهذا يؤكد قدرة الشعر على التصوير والتعبير والإيحاء بالكلمات لكى تجسد علاقة الحب النبيلة، التى وضعت جذورها لدى العرب،حيث نجد أقوى قصص الحب فى التاريخ امرؤ القيس وليلى، وعنترة وعبلة،فكانا قيس وعنترة من أهم شعراء العرب فى عصر الجاهلية، وأشعارهما تخضع للدراسة والتنقيب والتحليل لما فيها من بلاغة واستعارة لوصف الحبيب والتأكيد على العلاقة الرومانسية التى ولدت فى تلك البيئة.



ومؤخرًا وقع بين يدى كتاب يحمل عنوانًا «قليل من الشعر.. كثير من العشق» للكاتب الصحفى المخضرم والعاشق للكلمة ومتذوقها الأستاذ محمد نجم بكل تاريخه الصحفى المشرف، ومحبته للشعر والشعراء جعلته متوقًا لتقديم كنز  شعري اختاره بعناية يعبر عن موروثنا الثقافى والذى يحمل بين جنباته تاريخًا أصيلًا لحياة العرب فى العصور القديمة،فجمع الكتاب ما بين اللغة السهلة والنظرة التاريخية والرؤية النقدية ذات الذائقة الجمالية التى أفاض علينا بها الكاتب برشاقة، وقسم الكتاب إلى جزءين الأول يحمل تسعة وعشرين اسمًا من عمالقة الشعراء منهم امرؤ القيس،الأخطل،المهلهل، أبونواس،البحترى،الحلا، المتنبى وغيرهم،أما الجزء الثانى فأسماه (مع العشاق) وصال وجال بنا الكاتب حول ثلاث عشرة شخصية جمعت أروع قصص الحب الخالدة وعبروا عنها بالقصيدة كأقدر وسيلة فنية للتعبير عن الأحاسيس الدفينة. فأشعار القدامى خلقت لغة شعرية من لغة الحياة اليومية بكل تفاصيلها الهامشية إلى رموز غنية الدلالة تكتنز رؤيته الشمولية، وفاعليته فى تأسيس تاريخية العصر. 

استمتعت بهذه الدراسات القيمة التى اختير أبطالها بعناية تنم عن رؤية لاكتساب عراقة الماضى بكل ما يحمله من قيمة ذات مذاق حضارى تعمل على تأجيج شعور المتلقى وولعه باللغة العربية وبحرها المتشعب الواسع بمرادفاتها ومعانيها وصورها البلاغية فى ولوج بين الشعر والشعراء،وقدرته لإعادة التوازن لعناصر الحياة التى اختل توازنها، ليتحقق التناسق والانسجام معبرة عن التجارب الذاتية للمبدع والتجارب الجماعية فى مجتمعه. فالشعر بوصفه تراكمًا معرفيًا يمثل المدونة التى تحيلنا على ثقافة وفلسفة العصر بما يختزنه من أبعاد نفسية وفكرية وإنسانية وتاريخية،لم يقلها الشاعر صراحة وإنما يقدمها فى شكل صور شعرية كثيفة الدلالات كانت تتشظى وتفيض بوهج من التوقعات والتخيلات التى تغرينا لنتماهى فى فضاء النص.

فعنه يقول هيجل أنه أكمل الفنون، والوعى الذى يبدعه وعى متفوق يمتلك القدرة لبناء رؤية شمولية للعالم، والشعر بهذا الفهم لا يمكن أن يكون كيانًا معرفيًا جامدًا، بل رؤية للعالم الجاهلى ابتعثتها الضرورة التاريخية لوجوده.

متعة حقيقية تحمل أسمى المعانى والقيم بين دفتى كتابه الرصين فتحية لوعيه واستنارته واختياراته التى فاضت من خزانته الفكرية والعقلية لإكساب مزيد من الجمال الروحى فى معية نجم القراءة والكتابة والصحافة والذوق الرفيع.