الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
محمد عودة يكشف أخطر حوارات الملكة نازلى!

محمد عودة يكشف أخطر حوارات الملكة نازلى!

نشرت مجلة «روزاليوسف» - صورة للملكة «نازلى» ووجهها مكشوف, وقامت قيامة الملك «فؤاد» وطلب من «توفيق نسيم» رئيس الديوان الملكى أن يطلب من «عبدالخالق ثروت باشا» رئيس الوزراء إغلاق مجلة «روزاليوسف» بتهمة العيب فى الذات الملكية!



وحقق مدير المطبوعات مع السيدة روزاليوسف فقالت إن الصورة منقولة عن مجلة فرنسية وزُعت فى مصر، واكتفى مدير المطبوعات بتوجيه توبيخ شديد اللهجة إلى السيدة «روزاليوسف»!

تذكرت هذه الحكاية التى رواها الأستاذ الكبير «مصطفى أمين» فى كتابه الرائع «من عشرة لعشرين» وأنا اقرأ كتاب أستاذنا نجم روزاليوسف محمد عودة «سبعة باشوات وصور أخرى» والمقدمة الرائعة التى كتبها للكتاب «د.يوسف إدريس» وقوله إن محمد عودة فى تناوله لشخصية الملكة نازلى جعلها تبدو كبطلة فى أسطورة شعبية وهى الذكية الأرستقراطية المتعجرفة»!

اختار الأستاذ «عودة» فى كتابه أن يقدم «نازلى» من خلال حوار مهم لها لم يكن مع صحيفة أو مجلة مصرية بطبيعة الحال بل كان لصحيفة أمريكية!

كتب الأستاذ «عودة» يقول: «فى فبراير سنة 1922 جاءت إلى مصر الصحفية والمؤلفة الأمريكية «جريس هوستون» واستطاعت بعد جهد كبير أن تقابل الملكة «نازلى» ملكة مصر فى ذلك الحين، وأدلت إليها الملكة بحديث أحدث ضجة بعد نشره، وكانت من آثاره أن الملكة «نازلى» لم تقابل صحفيًا بعده فكان أول وآخر حديث صحفى لها.

وينقل الأستاذ «عودة» عن الصحفية الأمريكية تفاصيل ما جرى فتقول:

«قيل لى فى السراى حينما طلبت المقابلة أن جلالتها تتمتع بحرية تامة وإنها تستقبل من تريد، ولكن إحدى صديقاتها أكدت لى أنها لاتخرج من السراى مطلقا وأنها أيضا لا تقابل إلا عددًا معينًا من السيدات فقط لا الآنسات!

 وأن هؤلاء يدرجن أسماءهن فى كشوف تعدها كبيرة الوصيفات مدام «قطاوي باشا» وتعرضه على الملك الذى يشطب منه كما يشاء ثم يعيده إليها.. ولقد تحققت بنفسى من هذا كله بل ووجدت أن مقابلة الملكة نازلى أصعب بكثير من مقابلة أية ملكة أخري، ووجدت أيضا أننى لن أصل إليها إلا بالطريقة التى تصل بها إلى أى شيء آخر: الواسطة!!

وكانت الواسطة التى لجأت إليها الصحفية الأمريكية هى «ليدى كونجريف» زوجة القائد البريطاني، وأخيرًا تحدد الموعد للقاء نازلى فى قصر عابدين، وكان فى استقبال الصحفية مدام «قطاوى» كبيرة الوصيفات التى تحدثت معها فى رقة ولباقة أخاذة عن طقوس ومراسيم مقابلة ملكات الشرق، وتكمل الصحفية:

وبينما كانت تتحدث كنت أجول ببصرى فى الروضة والفخامة والجو الخيالى المحيط بها، وسارت مدام قطاوى وسرنا وراءها إلى الملكة وكانت جلالتها واقفة فى غرفة فسيحة واسعة تحت صورة فخمة لحميها «الخديو إسماعيل» وقد ارتدت ثوبًا من القطيفة الخضراء الغامقة من صنع باريس وغطت أصابعها بمجموعة من الخواتم الماسية البراقة وتدلى من أذنيها قرط تعلق به ماسة فى حجم البندقة، وكان شعرها مقصوصًا وفق الموضة الباريسية، ولكنها وضعت فى مؤخرته مشطًا كبيرًا على الطريقة الإسبانية، كان لون بشرتها أبيض ناعمًا وشفتاها رقيقتين وعيناها مكحلتين على الطريقة الشرقية التى تضفى على عيون المصريات سحرًا، وبدت جلالتها بسيطة جذابة كماسة نادرة من التى كانت تتحلى بها.

ولم تكد عينى تقع على هذا الجمال الساحر الخلاب حتى أُخذت ولم أملك إلا أن أقول: إننى أدرك الآن يا صاحبة الجلالة لماذا يصر الملك أن يحجبك عن لقاء الناس والصحفيين!

وضحكت جلالتها ضحكة عالية مرحة رفعت على الفور الكلفة بيننا وقالت فى أسلوب رقيق: آه يا سيدتي، ولكن يجب ألا تقولى هذا للملك.. بل يجب أن تؤكدى له أننى أستطيع الخروج ومقابلة الناس فى أمان فهو غيور. غيور جدًا.. جدًا!

وضحكت وقلت لها: له حق وعلى كل حال فإن الرجال جميعا فى هذا سواء!

واستطردت جلالتها تقول وعلى شفتيها ابتسامتها المرحة: لا ليس إلى هذا الحد وبهذه المناسبة أخبرينى هل اخترعوا حقًا فى أمريكا تليفونا يرى فيه المتكلمون بعضهم بعضًا؟!

وقلت لها: لا أدرى ولكن لماذا؟!

واستغرقت جلالتها فى الضحك ثم قالت: جاءنى الملك منذ بضعة أيام قلقًا مهمومًا وقال لى: لقد اخترعوا فى أمريكا تليفونًا يرى فيه المتكلمون بعضهم بعضًا وأنه سيعمم فى العالم قريبًا.. وهذه المسألة تشغله إذ لا يدرى هل يسمح بإدخاله فى القصر أم يرفع التليفونات كلها من هنا.. تصورى أنه غيور إلى درجة لا تطاق!

وقلت لها: كان يجب أن تتفقا قبل الزواج على حدود الغيرة وقيودها كما نفعل عندنا فى أمريكا!

وضحكت جلالتها ضحكة مرحة صافية على طريقتها وقالت: يبدو يا سيدتى أنك مازلت تجهلين تقاليد الشرق مع ما قيل لى عن إلمامك الشامل بأحواله.. وقد قيل لى وأنا فى الثامنة عشرة إن عليّ أن أستعد لأتزوج السلطان ولما عارضت وكان العريس يكبرنى بسنوات عديدة تعجبوا وقيل: كيف ترفض «بنت من الشعب» يد السلطان؟!

وأخذت جلالتها تضحك فى صفاء، بينما سبحت أنا أفكر فيما عرفته من قصة هذا الزواج وكيف قضت أسابيع فى البكاء والصراخ قائلة: إنها لاتريد أن تفنى شبابها مع رجل فى سن أبيها وأنها لا تريد أن تعيش إلى جوار رجل لايعيش فى قلب أحد قط من رعاياه، ثم كيف تغلب نظام الأسرة ووجدت هى أن زواجها أصبح لا مفر منه، حتى لقد أقيم الزواج بلا احتفال ولا صخب كما هى العادة، ولم يشهده سوى أسرة العروسين من الرجال ثم سيدتين فقط أحداهما مدام «قطاوى»!

وتنتقل الصحفية الأمريكية فى حوارها إلى جانب آخر فتسأل الملكة «نازلى»:

- كيف تقضين وقتك هنا.. وما هى هوايتك المفضلة؟! فقالت: لى هوايتان إحداهما أمارسها والأخرى لا أستطيع تحقيقها وهى السفر!! وأنت لا تتصورين كم أحب السفر وقد طلبت من الملك مرارا أن يصحبنى معه فى أسفاره ومع ذلك فليس عندى أمل فى أن يوافق لا لشيء إلا لغيرته الفظيعة، أنا فى شوق شديد لرؤية أوروبا مرة ثانية، إذ لم أسافر إليها منذ كنت فى الثالثة عشرة من عمري، ولقد سافرت يومئذ مع الأسرة وهى أسرة كبيرة العدد إذ لى شقيقتان وعدة أخوة ولذا لم أستطع أن أفهم أو أستمتع بالكثير مما رأيت، ولم أكن أيضًا أجيد لغة أجنبية، فأنا لم أتعلم الإنجليزية إلا فى السادسة عشرة ولكننى أتكلم الفرنسية بطلاقة وقد تعلمت الإيطالية أيضًا فضلاً عن العربية طبعا.

واستطردت جلالتها قائلة: ولكن ما أريد أن آراه حقًا هو العالم الجديد.. أمريكا لابد أنها بلاد رائعة عظيمة وأنا أحلم برؤيتها كثيرًا.. فأنا لا أحب أن أظل هنا طوال الوقت لأسافر إلى الإسكندرية وأنا أفضل أوروبا ولكن الملك غيور.. غيور جدًا!

وسكتت قليلًا ثم قالت: إن هذا حمق وغباء فظيع!

وأردت أن أدير دفة الحديث إلى موضوع آخر فقلت لها: وما هى الهواية الثانية؟

فأجابت: القراءة وأنا أقرأ كثيرًا وإن كان من الصعب أن أحصل على كتاب جيد !

وسألتها هل أبعث إليها بكتاب أمريكى جديد عن المرأة؟! فقالت: إننى أجد صعوبة بالذات فى الحصول على كتاب إنجليزى جيد.. ولذا سأكون مسرورة وسعيدة أن اقرأ مع ابنى «فاروق» هل تصدقين أنه بدأ يتعلم الإنجليزية ويتكلمها الآن وعمره لا يزيد على سنتين! إنه ذكى.. ذكى بشكل يجعلنى أخاف عليه أن ينقلب ذكاؤه إلى الضد!

ولما سألتها عن (الطريق) الذى أبعث عنه بالكتاب قالت: ارسليه إلى مدام قطاوى طبعا ليمر على رقابة الملك قبل أن يصل إلى يدى.

وتصل الصحفية الأمريكية لنهاية حوارها مع الملكة «نازلى» قائلة:

ودخل الخدم يحملون القهوة والفطائر حينما انتهينا من تناولها وقفت الملكة إشارة بنهاية الزيارة ووقفنا وسلمنا مودعين، وتركت «نازلى» ملكة مصر الجميلة محوطة بالأزهار النادرة وتحرسها روح الخديوى.. وفى آخر الردهة استدرت مرة أخرى لأنظر إليها.. كانت لاتزال واقفة فلوحت إليها بيدى على طريقتنا الأمريكية وتناست جلالتها التقاليد وأخذت تلوح لى بيدها البضة الجميلة ذات الماسات البراقة.. إنها هى الأخرى ماسة نادرة فى صندوق فاخر ولكنه صندوق معتم مظلم».

كتاب أستاذنا «محمد عودة» كنز تاريخى يستحق القراءة أكثر من مرة!