الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كيـف يتعـامـل معـك الصنـايعيـة؟

اليوم استيقظت كعادتها الساعة الثانية ظهرا لتفاجأ بحوض المطبخ مسدودا تماما، فيبدأ يومها الجميل بتليفون للبواب تطلب منه السباك الذى اعتاد والدها التعامل معه وهو يعمل حارسا لعقار مجاور، «ألو، أزيك يا عم سامى، ابعتلى عم رضا لو سمحت».



ملاحظة: هذا العم السامى البعيد كل البعد عن اسمه دائما ما يذكرها بالأخلاق الدنيا، فهو لا يتحرك إلا إذا أخذ حقه مقدما، فعندما توفى «عم سيد» بوابها الذى كان يعاملها كابنة له وكانت تشعر بالأمان فى وجوده، عرض عليها عم سامى أن يغسل هو سيارتها، فوافقت.

كانت تعودت من عم سيد أنها تدفع له شهريا ويأخذ الفلوس بعد محايلات بل رجاء، أما العم غير سامى هذا توقف عن غسل السيارة تماما بعد أسبوع، وعندما سألته أجاب ببرود «حضرتك ماحسبتنيش»، فنظرت له بتعجب، «أحاسبك على إيه إحنا لسة مالحقناش ده هو أسبوع»!! 

نظر لها بطرف عينه «أنا حسابى بالأسبوع»، شعرت باشمئزاز من داخلها لكنها كالعادة كظمت غيظها وابتسمت «ما تقول يعنى يا عم سامى، أنا هعرف منين؟»،  وهى تخرج المحفظة «كام يا عم سامى؟»، «30جنيها»، نظرت له متفاجئة «كام؟»، «ده أنا كنت بدى عم سيد 50 جنيها فى الشهر وكان مستكترهم»، «عوج شفته كأنه شخص مصنوع من الصلصال «الله يرحم أيامه»

ابتلعت باقى الكلام بداخلها وأخرجت الثلاثين جنيها وهى مبتسمة «اتفضل»، وبعد أيام لاحظت أنه لا يمسح سيارتها جيدا، فى حين أنه يمسح باقى سيارات العمارة بإتقان، فنبهته مرة تلو الأخرى، إلى أن نفد صبرها «فى إيه يا عم سامى هو أنت مش بتعمل العربية كويس ليه؟»، ببرود شديد وهو جالس مكانه «أعمل إيه ما أنا بعملها والتراب بييجى عليها تانى»، فنظرت لباقى السيارات المصطفة بجانب سيارتها «هو التراب مركز مع عربيتى أنا بس؟»!!

ينظر لها بلا مبالاة «معرفش أنا بس ماسح عربية الدكتور رامى عشان نازل هو دلوقت وأن مابعرفش مواعيدك»، بحدة وبمحاولة يائسة لتدارى حنقها «أنا بنزل كل يوم فى نفس الميعاد يا عم سم.. قصدى سامى»

يعوج شفايفه كالعادة «إن شاء الله خير»!، يجعلها تشعر أنه طبيب معالج وليس بوابا مجبرا على مسح السيارة لأنها ببساطة تدفع المقابل، لكنه يعلم أنها لوحدها، فماذا بيدها فى النهاية، لا شيء..

ظل العم غير السامى مستمرا على مسح سيارتها كل ثلاثة أو أربعة أيام إلى أن قررت فى يوم أن تستبدله بآخر وقالت له لا تمسح السيارة مرة أخرى، واستغنت عن خدماته وفى اليوم التالى ذهبت لبواب آخر تطلب منه غسل سيارتها يوميا فوافق، ولكن بعد يومين اعتذر لها!

سألته لماذا؟، قال لها إن العم غير السامى تعارك معه وقال له إنه يتعدى على سياراته! وعندما وضحت للرجل أنها أنهت تعاملها  معه وأنه كاذب، آثر الرجل البعد عن المشاكل وأنه لا يريد أن يخسر بلدياته!

أخيرا عندما وافق بواب جديد بالشارع أن يمسح السيارة رغم أنف غير السامى، دخل له من باب آخر وسأله كم تعطيك فلقد طلب منها خمسين جنيها شهريا ووافقت، فقال له العم سامى أنها كانت تعطيه أسبوعيا خمسين جنيها وأنها تستغل سزاجته!!

فنزلت لتجد الرجل غاضب الوجه فسألته «مالك يا حامد؟»، فقال لها بقرويته «إنت ضحكتى عليا، وقلتيلى خمسين فى الشهر وأنت بتدى لسامى خمسين فى الأسبوع»!!

علمت على الفور باللعبة القذرة التى لعبها غير السامى، «يا حامد ده أولا بيكذب، ثانيا انت اللى طلبت ولا أنا اللى حددت؟»، بخجل الصعايدة يرد «لأ أنا اللى طلبت، بس برضك لازم تنبهينى مش تغفلينى»، أخذت نفسا عميقا لتبتلع كلامه وأسلوبه مبررة ذلك بأنه صعيدى لم تلوثه المدينة بعد ويتحدث بطبيعته «طيب يا حامد أنا هديك 30 جنيها زى ما عم سم كان بياخد، مرضى؟»، بابتسامة يحاول جاهدا أن يداريها، «طيب زى بعضه».

هذه هى النبذة التى كنت أحاول أن أوضح بها شخصية هذا العم سامى، الذى طلبته تليفونيا تطلب منه أن ينادى عم رضا السباك فرد ببرود «لما يعدى قدامى هخليه يطلع، بس هيطلع وإنت لوحدك؟!، «لا هبعت أجيب أمى من تربتها  تاخد إذن ساعة عشان تقف معايا وترجع بس أنت خليه ييجى بسرعة عشان مانعطلهاش «يصمت لحظات فأغلق الهاتف فى انتظار عم رضا!!

ظلت تنتظر رضا السباك حتى العاشرة ليلا ولم يأت، فعلمت أن العم سامى لم يبلغه، فنزلت بنفسها وذهبت إلى عمارته، فرأته يجلس ويدخن سيجارته شارد الذهن، ترددت للحظات إذ إنها أحست بأنه شخص يشبهه وليس هو، لكن عندما اقتربت منه تأكدت أن هذا التغيير ما هو إلا علامات الزمن، وتساءلت.. هل طبع الزمن علاماته عليها كما فعل بعم رضا؟!

«مساء الخير يا عم رضا»، ينظر لها الرجل متحققا ويضيق عيناه كأنه يتذكر أو يستوضح ملامحها، «وعليكم السلام ورحمة الله»، تقترب منه مبتسمة كونه يرد السلام بطريقته بغض النظر عما قالته «إنت مش فاكرنى ولا إيه؟»، «لأ إزاى فاكر حضرتك»، «عم سامى ماقالكش إنى عايزاك عشان عندى البلاعة مسدودة»، يصمت لحظات «لا والله يا دكتورة ما قالى حاجة، مع إنه كان لسة بيشرب الشاى معايا.. تلاقيه سهى عليه ولا حاجة».

فكرت فى هذه اللحظة فى شيئين لا ثالث لهما، إما أن تبتلع غضبها كالعادة وتبتسم وتكمل حديثها وكأن شيئا لم يكن وإما أن تذهب للرجل وتسأله لماذا لم يبلغ عم رضا بأن بالوعة منزلها مسدودة كما بلغته.. 

«والله لسة شارب معاه الشاي!!، طيب ثوانى ورجعالك يا عم رضا «وذهبت متأهبة للعم سامى وهو يراقبها فى توجس «هو أنت ليه ما قلتش لعم رضا إنى عايزاه؟»، ببروده المعهود «لا ما أنا ماشفتوش النهاردة»، رفعت حاجباها استغرابا من سهولة أدائه فى الكذب،» والله!! مش لسة شارب معاه الشاى دلوقت ؟!!»

صمت لحظات ثم قال «طيب وهو ينفع يطلع عندك دلوقت ؟»، فقدت أعصابها تماما ولأول مرة تصرخ بوجهه «وأنت مالك، أنت اللى يتقالك تعمله، أنت اللى هتقرر أعمل إيه وإمتى؟؟ أنت أتجننت؟» 

قام الرجل واقفا يتلفت حوله وكأنه يريد أن يتأكد  أن أحدا لم يره وهى تصرخ به، حتى وجدا ساكنا من سكان العمارة خارجا من الباب ينظر لهما بعينين متسائلتين، فأخذته الشجاعة «ماتزعقليش وماتعليش صوتك عليا»، «أنا أعلى صوتى عليك وعلى اللى يتشددلك، أصل فيه ناس الأدب ماينفعش معاهم وإنت منهم»

تدخل الساكن محاولا تهدئتها «خلاص معلش ماتزعقيش وأهدى»، كان عم سامى يهمس بكلام حاولت جاهدة أن تسمعه دون جدوى ثم اقترب عم رضا فوجدت سامى ينهره» هو أنت كنت لازم تقول لها أنى شربت معاك الشاى»!!

فتركت الساكن ونظرت إليه «عايزه يكذب زيك؟، أنت مش مكسوف من نفسك عيب على شيبتك»

نظر لها سامى بمنتهى التعالى «أنى مش هرد على واحدة ست» وجلس واتكأ على دكته، وهنا نظرت إليه بغيظ وأحست بالنار تغلى فى رأسها «الست دى أرجل منك يا جبان يا كداب يا عبد القرش «فجأة وجدت الكثير من الناس حولها لا تعرف متى أتوا ولا متى تجمعوا، الكل يقف ليتفرج ويتهامسون فيما بينهم، والبلكونات مفتوحة والسكان ينظرون منها، فجأة أحست أنها شاشة سينما والكل يجلس ليشاهد ويستمتع، صالة وبلكون ولوج، فلم يحاول أحد التدخل إلا الساكن الذى نصحها بتوطية صوتها!! 

رغم أنها من يومين كانت هناك مشادة بين ساكن وبواب لأنه سمح لساكن آخر أن يركن مكانه وجاء أحد سكان نفس العمارة عندما تجرأ البواب ورد على الشاب قائلا «وأنا مالى هو أنا هحرس الأماكن كمان؟!!» ورغم أن البواب كان على حق إلا أن الساكن ضرب البواب وهدده بقطع عيشه وتدخل الكل لفض المشكلة!!

فى تلك اللحظة نظرت لعم رضا بعصبية تسأله «هتطلع معايا تسلك الزفت ولا لأ» فرد عم رضا فورا «هسلك الزفت» وصعدت معه وتركته يعمل وكانت تشعر بغليان فى رأسها، فلم تتعود أن تنهر رجلا أكبر منها، ولم تتخيل يوما أن تقف لتتعارك فى الشارع أمام الناس، شعرت بشيء يتغير بداخلها جعلها تخاف، خرج عم رضا بعد ربع ساعة  «خلاص يا دكتورة كله تمام، ووالنبى ما تزعلى نفسك هو نسى أكيد «هزت رأسها دون كلام، «خلصت يعنى اتسلكت ؟» أيوة بقت تمام بس لازم بقى أعمل لك صرف لوحدك»، نظرت له مستفسرة «ليه»،  «عشان المشكلة من الناس اللى فوق وكل شوية هتتسد»، «هيتكلف كام يعنى؟»

أغمض عين وبدأ يحرك أصابعه كأنه يعد شيئا ما «500 جنيه»، «مش كتير؟»، «لا خالص أسألى برة»

فكرت لحظات وقالت لنفسها «ولا برة ولا جوة»، هزت رأسها موافقة «ماشى خلاص يا عم رضا تعالى بكرة واعمله»، ضحك عم رضا بخجل «طيب أدينى الفلوس عشان أشترى المواسير والذى منه»، «فأخرجت ثلاثمائة جنيه فأخذها فورا وقال لها «وحساب النهاردة»، «آه صحيح..كام؟»، «50 جنيها»، دون أن تفكر دفعته. 

هم بالخروج ثم قال لها «بس الـ500 جنيه دول غير المصنعية»، نظرت له بشك «لا يا عم رضا هو كدة بالمصنعية كويس «فظل يحلف بكل الأيمانات حتى وصل للطلاق ثلاثة.. «كام يعنى؟» 200 جنيه «ماشى ياعم رضا » «باستسلام» مرت ثلاثة أسابيع ولم يأت العم رضا حتى بعد أن سألت وعلمت أنه ضاعف لها ثمن كل الأشياء ظلت تنتظره.. وفى النهاية جاء معللا لها أنه اضطر للسفر للبلد لأن والدته مرضت وطلبته، فما كان منها إلا سؤاله بتلقائية «هو أنت مامتك لسة عايشة؟!» فرد «الحمد لله» هزت رأسها وتركته يعمل وهى تتمتم «يا بختك يا عم رضا».