الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
احترام الآخر والمرأة نموذجًا

احترام الآخر والمرأة نموذجًا

قبل سنوات قليلة، فُجِعت لسماعى شيخًا جليلًا فى إذاعة القرآن الكريم يتحدّث عن سماحة الدين وحثه على سعة الصدر وقبول الآخر والاختلاف، ما دفعه إلى ضرب أمثلة من الواقع المُعاش، ومنها أن الدين يعلمنا أن نقبل الآخر سواء كان أجنبيًا أو منتميًا لدين آخر وكذلك المرأة. وبعد الصدمة تأتى الفائدة. وهل هناك فائدة أكبر من فهم للمَشهد وتحليل لما يجرى وجرى فى مصرنا الحبيبة على مدار 50 سنة هى عمر التدين الجديد الذى ظهر ونما وترعرع حتى صار متوطنًا؟!



اعتبار المسيحى أو اليهودى أو غيرهما «آخر» فى مجتمع ما هو ضربٌ لصميم مفهوم الأوطان. فما بالك باعتبار جنس المرأة برمته «آخر»؟! ورغم غرابة الفكرة؛ فإنها تشرح ما وصل إليه حال المرأة المصرية. فعلى الرغم من الجهود الرسمية، ويأتى على رأسها ما يبذله الرئيس السيسى لدعم المرأة فعلًا قبل أن يكون قولًا، فإن وضع المرأة فى المجتمع على مدار نصف قرن أصبح عجيبًا غريبًا مؤسفًا.

اتضح أن الشيخ كان على صواب بتصنيفه المرأة «آخر». واسمحوا لى، لكن التعبير عمّا تخوضه المرأة المصرية فى تفاصيل حياتها اليومية لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يحكيه بالنيابة عنها رجل. فكونها تأكل وتشرب وتنام لا يعنى أنها عال العال. وتلقيها تعليمًا وصحة ومواد تموينية على بطاقة التموين شأنها شأن الرجل ليست مؤشرات على أنها مواطن كامل الأهلية، على الأقل فى العُرف الشعبى. العُرف الشعبى صار يصنف المرأة صنفين لا ثالث لهما. وهو تصنيف لا علاقة له بوضعها الاقتصادى والاجتماعى، بقدر ما يرتكز على وضعها الأخلاقى والإيمانى، فهناك المرأة الملتزمة بمقاييس الأيزو فى ملابسها، وتحديدًا على رأسها بغض النظر عن بقية الجسم، وهى امرأة يقبل المجتمع إلى حد ما وجودها فى الفضاء العام بغض النظر كذلك عن تصرفاتها. أمّا المرأة غير الملتزمة بهذا «الأيزو» فهى إمّا مقبولة على مضض أو يبذل المجتمع جهدًا فى إبلاغها عبر رسائل مباشرة وغير مباشرة إنها غريبة عجيبة هجينة. وللعلم والإحاطة، المسألة هنا لا تتعلق بنظرة الرجال فقط إلى المرأة، بل النساء كذلك اللاتى سلمن بأن المرأة المصرية ينبغى أن تكون نماذج مستنسخة من الدُّمية «فُلة»، وكل ما عداها من «دُمَى» فهو غريب ومريب.

وعلى مَن يرتاب فيما أقول أن يتابع ردود فعل مستخدمى التواصل الاجتماعى مثلًا على الرياضيات المصريات فى الأوليمبياد. عملية الفرز الشعبى تُخضعهن للاختبار الأخلاقى والإيمانى المرتكز على ماذا يرتدين أو لا يرتدين. أمّا ماذا يحققن أو لا يحققن؛ فالأمر لا يعنى الغالبية، وهذا مثال ضمن آلاف الأمثلة.

تواجد المرأة فى الشارع وليس الكومباوند تحوّل على مدار نصف قرن إلى مسألة تخضع للنقاش وقضية قابلة للفصال وموضوع تحكمه آراء «الرجال» وقناعاتهم الشخصية ومواقفهم الدينية الشخصية أو المستوردة من ثقافات نبذت ما صدّرته لنا، وتمسكنا نحن بتلابيبه. قانون الشارع يفرض نفسه بكل سطوة وثقة وصلف على قانون الدولة فيما يختص بالنساء. ومداواتها بالتى كانت هى الداء لن تسفر إلا عن مزيد من تصنيف المرأة المصرية تصنيفات غير مكتوبة، لكن يجرى حفرها وجنى ثمارها كل يوم.