الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
جيهان والسادات: الحب من أول نظرة!

جيهــان تعتـرف: بعـد رحيـل الســادات شــعرت أنى تائهــة وعاجــزة

جيهان والسادات: الحب من أول نظرة!

لم يدهشنى أبدا ذلك التقدير والاحترام الذى حظيت به السيدة الفاضلة جيهان السادات من كل المصريين، وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى وكل مؤسسات الدولة بعد رحيلها منذ أسابيع.



وما أكثر السخافات التى طالت هذه السيدة العظيمة، لكنها لم ترد أو تهتم ولم يصدر عنها لفظ سيئ تجاه من يهاجمونها وفى كل حواراتها التليفزيونية كانت تخاطب المذيع أو المذيعة بكلمة حضرتك! وتستقبل الأسئلة المستفزة بابتسامة هادئة وواثقة وتتكلم باستضافة موضحة وشارحة!

أصدرت السيدة جيهان السادات كتابين مهمين هما «سيدة من مصر» عام 1987 والثانى «أملى فى السلام» عام 2009 وقد صدر الكتابان بالإنجليزية أولا ثم تمت الترجمة فيما بعد إلى اللغة العربية.

كتابها الثانى «أملى فى السلام» قصيدة عشق فى حب مصر والرئيس أنور السادات الذى أحبته وعشقته وتزوجته سنة 1949، وفى كتابها حكايات وتفصيلات إنسانية مدهشة.

تقول السيدة جيهان السادات: قبل زواجى من أنور انهمك أقربائى وجيرانى فى اختيار شبان ظنوا أنهم أكثر ملاءمة لى، أما أنا فقد رأيت أنى لا يمكن أن أتزوج بأى منهم، خامرنى فى البداية افتتان بأنور السادات، فقد كان بطلا عظيم الشأن، وكنت فتاة صغيرة أحلم بالزواج منه، قبل حتى أن تلتقى عيناى به - وحين التقينا بالفعل فى هذا اليوم المحتوم، وقعنا فى الحب من أول نظرة وإن كنت واثقة من رفض والدىّ! السادات بالنسبة لهما فقير ومطلّق وسياسى، وأكبر منى بسنوات عديدة، استولى عليه الانزعاج لرفضهما، وإن لم يندهش!!

كنت فتاة واقعية رغم أنها واقعة فى الحب لن تتحدى والديها مطلقا، أضمرت لهما كل الحب والاحترام، حتى إن الزواج بدون موافقتهما لم يخطر ببالى!

وفى النهاية لم تغير مرافعاتى الدامعة موقفهما منه ومن مستقبلنا بل قوة شخصية أنور وسلوكه الصادق، وعليه تزوجت من الرجل الذى اخترته، كان حب حياتى، شريكى الأبدى، ورغم أن والدىّ لم يلعبا دوريهما التقليدى فى العثور على زوج لى، من الصحيح أن الرغبة الملحة لإيجاد العريس المثالى للفتاة جزء من طبيعة كل الآباء المصريين وأنا من ضمنهم، لم أرغم أيًّا من أبنائى على الزواج من شخص معين، لكنى لعبت دورا لا يستهان به فى اختياراتهم.

وتقول أيضا: لقد كان زواجى بهذا الرجل نعمة وإن تملكنى القلق خاصة من أن يناله أى أذى، كثيرا ما كان يتكلم ويتصرف دون مراعاة سلامته الشخصية، وقد تجاهل فى الأغلب نصائحى بتحرى السلامة!

لم يكن هجوم 6 أكتوبر 1981 هو أول هجوم يستهدف حياة زوجى، وإن لم يمسسه الخوف من الهجمات أو يحثه على مراعاة المزيد من التدابير الوقائية كارتداء سترة ضد الرصاص، أو زيادة أفراد الطاقم المخصص لحراسته، لقد سلّم دائما بأن عمره بين يدى الله، وأنه لايوجد مخلوق يملك القوة على تغيير ما قضى الله به، كان على صواب، ولا شك، فجزء من الحياة هو الوعى بأننا ولدنا لنموت.

تقبلت تلك الفكرة غير أننى لم أمتنع عن الشعور بالقلق على أنور، مما يدعو للسخرية أنى لم أتخيل قط حياتى بدونه رغم تصورى لوقوع المأساة، لم أستطع العيش بعد وفاته إلا بنعمة الله.

••

وتشير السيدة جيهان السادات فى كتابها إلى أول خطاب كتبه لها السادات فى أعقاب زواجهما فتقول:

قريبا كنت أرتب محتويات دولابى، فلمحت فى نهاية ركن بأحد الأرفف فى مساحة لاتكاد تصلها يدى، صندوقا صغيرا متسخا يلفه شريط بال حائل.. حينما فتحته اكتشفت خطابات مخبوءة من «أنور» كان قد كتبها فى بداية زواجنا حين فرقت بيننا واجباته العسكرية، هاهو أول خطاب خطه فى أعقاب زواجنا.

مامى.. هانى.. جينى زوجتى وحبيبتى

أحييك وأقبلك،

إنها أول مرة أكتب إليك فيها بعد زواجنا وبعد أن حملت اسمى إلى الأبد، ولذلك تجديننى حائرًا.. ماذا أكتب.

هل أقول لك إننى أحبك يا زوجتى الحبيبة؟! إذا قلت ذلك فإنه لا يكفى للتعبير عن حقيقة الرباط السامى العميق الذى جمع بين قلبينا قبل أن يرى أحدنا الآخر، ثم لم يلبث أن ألف بين روحينا فتزوجنا وامتزجت نفوسنا من قبل قراننا بزمان طويل.

إننى أكتب إليك يا حبى وأملى وملهمتى وكلى نشوة وسعادة.. وسأظل ما حييت أحمد الله القوى الجميل على ما منحنى، وأدعوه أن يحفظك لى أبدًا حنوًا وإخلاصًا وطهرًا وقوة فى الخلق والدين، وخفة فى النفس وروعة وعمقًا فى العاطفة والمشاعر.

لماذا لا تكتبين لى يا «هانى» وأنت تعلمين مقدار تعلقى وحنينى بك وإليك، أنا أخبارى هنا مملة، لو كتبتها إليك فلا شىء غير العمل والعمل الشاق المضنى كما تعلمين، ولكننى أريد أن تكتبى لى عن صحتك وعن يومك كاملاً وعن صدى زواجنا عند الجميع.. وعن.. وعن.

اكتبى لى يا «هانى» عن كل شىء لأعيش معك لحظة بلحظة.

ختامًا تقبلى حبى وقلبى ودعواتى لك بالقوة والتوفيق.

زوجك أنور السادات «6/6/1949».

وتعلق السيدة جيهان السادات قائلة:

«بعد أن تأملت مجددًا رسالته المنمقة وسمعت كلماته الجميلة بكيت لأنى فطنت مجددًا إلى أنى كنت أدخل فى نعمة أسبغها الله علينا».

••

وتتحدث السيدة جيهان السادات عن محطات مهمة وفارقة فى حياتها فتقول:

«فى عيد ميلادى الأربعين، قبلت طالبة فى جامعة القاهرة التى حصلت منها لاحقًا على درجتى البكالوريوس والماجستير فى الأدب المقارن، أذاع التليفزيون المصرى مناقشة رسالتى للماجستير على الهواء مباشرة لمدة ثلاث ساعات، ورغم أنها كانت تجربة مؤلمة، فقد تمنيت أن أظهر للنساء المصريات اللاتى تأخرت أحلامهن فى التعلم أن العودة للدراسة ممكنة، كما أردت أن يكون واضحًا تمامًا أننى حصلت على الماجستير ولم تعط لى لأنى زوجة الرئيس، وبمجرد انتهائى من الماجستير التحقت ببرنامج الدكتوراه فى جامعة القاهرة، كنت أحاول أن أقول إننى عملت بجد لخلق هويتى.

فجأة أصبحت أرملة واضطررت أن أواجه الحياة وحدى التى اختبرتنى بأكثر مما كنت أتخيل ولطالما شعرت بالفجيعة والخوف، مات أنور ومات معه جزء منى، مع أننى كنت ميالة بالطبيعة إلى إبقاء نفسى مشغولة، فإن الانغماس فى العمل لم يكن خيارًا، فتحت الضغوط والادعاءات الكاذبة التى انطلقت ضد عائلتى بعد اغتيال أنور رجانى أبنائى أن أترك أغلب مشاريعى المدنية، إذ لم يتحملوا فكرة تعرضى للضغط والاتهامات الكاذبة.

شعرت أننى تائهة وبلا فائدة، أنهكنى الحزن، بل كاد يسيطر علىّ معرفتى أننى بمثل ما فقدت أنور فإننى لا أستطيع الحياة كأرملة رئيس مصر الراحل، يجب أن أجد طريقة تساعدنى على التحول من كونى شريكًا أو نصف الفريق إلى أن أكون بمفردى!

وابتداء من عام 1985 بدأت السيدة جيهان السادات التدريس فى جامعة كارولينا الجنوبية واستمر ذلك لأكثر من عشرين عامًا، وتقول:

«خلال الأسابيع الأولى بعد وصولى اشتقت إلى المنزل الذی تركته ورائى وحلمت بالمشى فى حديقتى أو على شاطئ النيل، اشتقت لأبنائى، فكل تلك الآلاف من الأميال التى تفصلنا كنت أشعر بها ألمًا مستمرًا فى قلبى.

سعدت جدًا بالاستغراق فى العمل، قبل خلودى إلى النوم كل ليلة كنت أقول لنفسى بمجرد أن يطلع الصباح سأحزم حقائبى وأعود إلى القاهرة، لكن التفكير فى أنور منعنى من فعل ذلك، لأنه شجعنى دائما أن أفكر فى نفسى، وأن أعبر عن أفكارى، وأن أكون مستقلة، لم يحاول أن يحجبنى أو أن يخذلنى كما كان يفعل الكثيرون من الرجال العرب من أبناء جيله، كنت أعلم أنه كان فخورًا بى، ذكرياتى عن حياتنا معا ساعدتنى على الاستمرار.

رحم الله الرئيس السادات والسيدة الفاضلة جيهان.