الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
نوستالجيا طقوس العودة

نوستالجيا طقوس العودة

لم يكن سعيد سليمان حائراً بين الوسائط الفنية أو أفكاره الإبداعية حين انطلق بعرضه الأخير «طقوس العودة» مستنهضاً مخزونه الإبداعى وفقاً لنوستالجيا الحنين إلى الماضى، حيث معايشته الحقيقية فى البيئة المصرية وما تمتلكه من مخزون ثقافى شعبى ملهم للمبدعين، استطاع قولبته فى إطار حداثى برؤية عصرية متطورة، كما فى ياسين وبهية وعرس الدم. وطقوس العودة تحفيز جديد للفلكلور مستلهماً أشكالا تعبيرية وأدائية مختلفة نابعة من تلك البيئة العميقة بذكرياتها وأحداثها فنسترجع ظروفنا الاجتماعية والسياسية وسيطرة أصحاب المال والسلطة على الضعفاء فى إسقاط سياسى بديع مستتر فى عمق الأحداث التى تدور فى إطار اجتماعى عاطفى ليقص لنا كيف تحطم قلبى المغنواتى حسن وبنت الحسب والنسب نعيمة على أنقاض العادات والتقاليد البالية.



لقد رسم المخرج إبداعاً فريداً مستلهمًا من صعيد مصر، فأثارت خياله الإبداعى لحل خلاف أزلى لصالح المرأة المصرية، لمعالجة ما تعيشه تحت وطأة الإحباطات لعادات وتقاليد تقيد حريتها وتوئد مشاعرها فتغتال أحلامها فى مهدها الصغير، بلا شفقة أو رحمة لينقضى أجل المحب العاشق بما يحمله قلبه من شهامة ومروءة الرجل الصعيدى، ولاعتبارات سطوة المال ونفوذ الحاكم بأمره من الولى يرضخ الجميع وتفشل محاولات هرب نعيمة وتظل أسيرة تلك الأفكار البالية وسجينة منظومة الأعراف الرجعية المهمشة للمرأة باعتبارها كائنًا تابعًا، لا يحق لها أن تتحلى بمشاعر الحب الصادقة، وكأنها أوقعت جرماً لرفضها الزواج من ابن عمها، ليظل القمع القابع تحت أعتاب التقاليد محطماً للقيم الإنسانية التى فطرنا عليها كبشر.

جسدت نجلاء يونس دور نعيمة بإبداع حقيقى لتجربتها الأولى لتفصح عن مقدرة مخرج يمتلك أدواته، جمعت البطلة بين التمثيل والغناء بمهارة، ارتدت رداء الصعيد بالجوهر قبل المظهر فكدنا نغوص فى أجوائه سمعياً وبصرياً، حيث شكلت اللوحة السمعية جانباً أصيلاً فى هذا العمل الذى تدفقت الموسيقى بين جنباته منذ لحظاته الأولى، فدفعت بنا دفعاً نحو الولوج لعالم الموسيقى والغناء الذى تربع على قمة العرض، أيضاً ماهر محمود أبدع فى أدائه جامعاً بين الغناء والأداء التمثيلى المعبر. أما أشعار مسعود شومان فجاءت عبارة عن ترجمة لمزيج من الأحاسيس الفياضة والمشاعر النبيلة والرسالات السامية راصدة لسلبيات مجتمع ذكورى مهيمن معلنة عن آمال وفطرة حب عذرى يقود دواخل البشر، رافضاً للسلطة القمعية القاهرة متحدياً كل التقاليد والأعراف مفصحة عن الحب الذى جمع قلبى العاشقين «العيون خاينة وجبانة»، «خلقت طليقاً كطيف النسيم»، «وكل مغرم وعاشق بيغنى على ليلاه»، «حسن لازم يرجع زى الشمس أما بترجع من غيبتها».

وجاءت السينوغرافيا المسرحية متمايزة بديكور بسيط يعتمد على فنون تراثنا الشعبى الأراجوز وصندوق الدنيا ووظف الديكور بأسلوب بديع زمانياً ومكانياً، بإضاءة خافتة تشعرك بأجواء الريف الصعيدى، وحركة الأبطال خلال المساحة الضيقة لقاعة العرض دون أن تشعر بمحدوديتها، حيث التوظيف الأمثل لجميع العناصر حتى للعازفين الذين شاركهم المخرج كعازف إيقاع، بجانب الربابة ودورها فى تأصيل البعد المكانى جغرافياً، وعن مشاركة الفنان أحمد الحجار فأضفت قيمة للعرض مكتملاً.