الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حــول العالـــم فـــى 200 رقصــــة!

حــول العالـــم فـــى 200 رقصــــة!

فى عام 1963 صدرت الطبعة الأولى من كتاب الأستاذ «أنيس منصور» «حول العالم فى 200 يوم»، وحصل عنه على جائزة الدولة التشجيعية وكان ثمن الكتاب وقتها ستين قرشًا».



كان أنيس منصور قد نشر حلقات وموضوعات الكتاب قبلها فى صحف ومجلات أخبار اليوم، وكانت المقالات حديث  كل بيت فى مصر أو العالم العربى لما احتوته على عجائب وغرائب ومنها تحضير الأرواح!

 

استغرقت الرحلة بالضبط 228 يومًا وتكلفت تسعمائة جنيه فقط لا غير ووقتها انتشرت فى مصر موضة أو ظاهرة تحضير الأرواح بالسلة وقال «أنور السادات» لمصطفى أمين إنها من ألاعيب أخبار اليوم لكى تشغل الناس عن «الاتحاد القومى» - التنظيم السياسى الوحيد وقتها!

ويقول أنيس منصور: ويوم تقدمت من الرئيس جمال عبدالناصر أتسلم جائزة الدولة التشجيعية، سأل يوسف السباعى - سكرتير المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب وقتها - بعد أن صافحنى: هو ده الشيوعى؟!

فضحك يوسف السباعى وقال له: الثانى اسمه «عبدالعظيم أنيس» ده أنيس منصور المفصول.. هاها.

فقد كان الرئيس «عبدالناصر» قد فصلنى قبل ذلك من عملى رئيسا لتحرير «الجيل» ومدرسا للفلسفة فى آداب عين شمس!

ويضيف أنيس منصور: أرسلت إلى «مصطفى أمين» خطابا ردا على مقال كتبه عنه بمناسبة حصولى على جائزة الدولة التشجيعية عن كتابى «حول العالم فى 200 يوم»، انتهز مصطفى أمين هذه المناسبة ليسحب نصيبه من الجائزة، فهو الذی قدمنى للصحافة وهو الذى ألقى بى فى محيطها وكنت خائفًا، ولكنى أصبحت فى النهاية أحد أبطالها.

ومعنى مقاله أن الجائزة قد تسلمها هو من الرئيس «عبدالناصر» ولكن بيدى فأنا فقط أقوم بدور الوسيط، وسيلة انتقال، لم يكن المقال تكريمًا لى، ولكن تكريمًا له بمناسبة أننى أخذت الجائزة!

تمامًا كما يفوز أحد الرياضيين ببطولة كمال الأجسام فينتهز مكتب الصحة فى شبرا - مثلا - هذه المناسبة فيعلن أنه السبب! وينشر اسم الطبيب المولد والحكيمات وشهادات التطعيم ضد الجدرى وضد شلل الأطفال!

كان من الممكن - يقول أنيس منصور - ألا يكون هذا شعورى وشعور الآخرين لولا إصرار «مصطفى أمين» على أنه هو صاحب الفضل، وجاء فى مقال مصطفى أمين أننى «متردد مقدام» وأننى عبقرى لدرجة الغباوة!

ولم يعرف أحد إن كان يمدحنى أو يهجونى، ولكن من المؤكد أنه يمدح نفسه!

وأرسلت إليه خطابًا أقول فيه: اسمح لى أن أستعير أسلوبك فى الكتابة لأعرب عن مدى امتنانى لما كتبت: «بذكائى أشكرك، وبغبائى أكرر الشكر»!

وغضب مصطفى أمين وعلى أمين أيضا!

ويمضى أنيس منصور فى ذكرياته عن كتابه «حول العالم فى 200 يوم»، فيقول:

لقى هذا الكتاب جمهورًا متعطشًا لمعرفة الدنيا وانتشر فى كل مكان ونفدت طبعته الأولى بسرعة أدهشتنى، يسأل عنه الناس ويتحدثون عنه، ولكن الكتاب فاجأ الجميع بأنه اختفى فى حوالى ثلاثة شهور عشرة آلاف نسخة فى مائة يوم، وتلقفت هذا الكتاب أجهزة الإعلام كلها، الصحف تتحدث عنه وأشارت إلى المتعة التى يلقاها كل قارئ!

والإذاعة تناولته على شكل سلاسل، واقترح أستاذنا الكبير «محمد التابعى» أن يصوره التليفزيون فى حلقات!

ولا أعرف لماذا نشرت إحدى المجلات الفنية تقول إنهم فى الصين قرروا أن يجعلوا من كتاب حول العالم «أوبرا راقصة»!

وفجأة، قرأت أن مخرج التليفزيون «حسيب يوسف» قرر أن يجعل «حول العالم «مسلسلا» ولم يأخذ رأيى فى ذلك، وانتظرت حتى يجىء وجاء وتحاورنا ولم نتفق!!، لقد رأى «حسيب يوسف» أن أقوم بالبطولة مع «نجوى فؤاد» ولم أفهم فشرح لى: أنت طبعا الذى قمت بالرحلة حول العالم، فهى تجربة شخصية، أنت الوحيد الذى يستطيع أن يقول وأن يشرح وأن يجعل لكل شىء مذاقا مرحا!! وإيه رأيك نجعل «نجوى فؤاد» هى المصور الذى رافقك فى كل هذه الرحلة!!

قال أنيس له: المصور كان «أحمد يوسف» كبير مصورى أخبار اليوم وقد رافقنى عند نهاية الرحلة.. ثم إن نجوى فؤاد إذا ظهرت، فالمتفرج يتوقع أن ترقص!!

رد المخرج: نخليها ترقص!! وقال أنيس: أى تصور وترقص بالكاميرا.. وأنا بقى اللى أطبل لها!!

أجابه المخرج: «أيوه وماله!! بل أنا أريد منك شيئا أبعد وأعمق لم يكن فى الكتاب ولا فى الرحلة؟

وفوجئ أنيس منصور بالمخرج يقول له: أن تحب نجوى فؤاد بشرط أن توعدها بالزواج وتظل هى على هذا الأمل ثم تذهبان معا إلى كل الأماكن الجميلة فى الدنيا وهى على نار!!

ورفض أنيس منصور الفكرة واقترح أن يقوم بالدور صلاح ذو الفقار ونجوى فؤاد.. تقوم بدور المصور الصحفى،  بشرط أن يكون الرقص - إذا كان - عملا عابرا وليس الأصل، أى أن ترقص رقصات البلاد التى زارها!!

ويضيف الأستاذ أنيس منصور: وفوجئت بالأستاذ «كامل الشناوى» يرشح لى «زينات علوى» ولم أفلح فى إقناع «كامل الشناوى» أنه لا شأن لى بالممثلين، فهذا اختيار المخرج «حسيب يوسف» وكان من رأيه أنه من السهل إقناع المخرج باختيار «زينات علوى»، وكان من الصعب إقناع كامل الشناوى بعكس ذلك!».

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أصبح كتابه «حول العالم فى 200 يوم» حديث الوسط الفنى ويستطرد «أنيس منصور» قائلا:

«ونشرت الصحف أن كتاب «حول العالم فى 200 يوم» سوف يظهر على الشاشة الصغيرة بعنوان «حول العالم فى 200 رقصة» وقالوا «حول العالم فى رقصة على واحدة ونص» وقالوا رقصنى يا جدع حول العالم!

ولم أجد إلا حلا واحدا هو أن أذهب إلى رئيس التليفزيون وأعرض عليه حكاية المسلسل «فأنا لم أكتب مثل هذه المسخرة» ولا كانت تجربتى الطويلة الشاقة بهذه الهيافة، وصدر قرار بالعدول عن إعداد كتابى ليكون مسلسلا بأى شكل!!

وفوجئت بالمخرج الكبير «حسين الإمام» يقول لى: «أنا أُقدِّر أعمل المسلسل وأجعله راقصاً» !!

قال أنيس: الرقص ليس ضروريا!! وسأله حسين الإمام، أمال عاوز نجوى فؤاد ليه؟! أجابه أنيس: مش أنا.. ده المخرج!!».

وفوجئ أنيس منصور بحسن الإمام يقول له:

- طيب أقدر أستعين بنجوى فؤاد وترقص أحيانا وأخليها تحب وتتجوز أحد المخترعين فى اليابان، أو مهراجا هندى هو الذى أنفق على الرحلة!! أو أجيب أحد تجار المخدرات ويحب نجوى فؤاد وعن طريقها يهرب المخدرات وقبل دخوله مصر نحبسه فى إيطاليا!!

ورد أنيس على ما سمعه من حسن الإمام بقوله:

- جرى لك إيه يا حسن «دى مش قصة حياة نجوى فؤاد».. دى حياتى أنا.. وهى رحلة أدبية وكتابى حصل على جائزة الدولة فى أدب الرحلات وليس فى قلة الأدب؟!

وقال حسن الإمام متسائلا: يعنى إنت عاوز توفيق الحكيم يخرج لك المسلسل؟!

رد أنيس: توفيق الحكيم ولا العقاد.. وأنا أصدرت كتابا ممتعا، ولم أهز وسطى وإنما هززت قلمى والرقص كان بالقلم على الورق!!

عاد حسن الإمام ليقول: ما كل الأقلام كانت على الورق وأنا اللى خليتها ترقص!

رد أنيس قائلا: الذى أخرجته كان يقبل أن يكون فيه رقص.. وممكن أن يكون فى هذا المسلسل رقص ولكن ليس كله - ومجرد وجود «نجوى فؤاد» أو «كاريوكا» أو «زينات علوى» يجعل المتفرج يتوقع هزة أو هزتين للوسط على الأكثر وليس مائتى هزة فى ثلاثين يوما بواقع ست هزات فى كل حلقة!!

وأنهى أنيس منصور المناقشة بقوله: أنا عندى حل نهائى يرضينا جميعا، أنا غير موافق على هذا المسلسل برقص ومن غير رقص!

وفجأة كان د.طه حسين على الخط فى هذا المسلسل!! 

وللحكاية بقية!!