الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مهمة استعادة الوعى .. هكذا غيرت 30 يونيو فى وظيفة الدراما

عبر خمس سنوات فقط، استعادت الدراما المصرية واحدة من أهم وظائفها التى فقدتها عن قصد أو بإهمال لمدة ثلاثين عامًا وأكثر، وظيفة نشر الوعى بما جرى من أحداث معاصرة وإيصال الرسائل الصحيحة للجمهور المستهدف، والتأكيد على أن الأعمال «الوطنية» يمكن أن تلقى جماهيرية كبيرة لو أن صناعها امتلكوا مقومات النجاح، وتلقوا الدعم اللازم لإخراج مسلسلات وأفلام كبيرة التكلفة لكنها فى الوقت نفسه ممتدة التأثير خصوصًا فيما يتعلق بأجيال جديدة لم تعد تأخذ معلوماتها من الإعلام التقليدى أو الأفلام والمسلسلات القديمة وإنما تحتاج إلى دراما تخاطب عقولهم التى لم يعد هناك شر أكبر من تركها فارغة يملؤها آخرون بأفكار معادية للوطن وللهوية.



لا يمكن بأى حال من الأحوال الحديث عن التطور الذى شهدته الدراما المصرية، وهنا نقصد الأفلام والمسلسلات على حد سواء، دون أن نربط ذلك بنتائج ثورة 30 يونيو التى سطعت شمسها لتضىء جميع المجالات فى مصر، فأى ثورة حقيقية تقوم على أفكار ومبادئ واضحة ومحددة، لكن الأفكار نفسها لا تكفى، ما تحتاجه أى ثورة إرادة صلبة لتنفيذ أهدافها، وأن لا يكون هذا التنفيذ قاصرًا على مجالات بعينها، فكل المجالات تتكامل وفى قلبها ما نسميه «القوة الناعمة» التى ترتبط بصناعتى الإعلام والفن، الميديا والترفيه، الصحافة والدراما، فهما الوسيلتان الأساسيتان حاليًا للوصول إلى عقل وضمير الجمهور، وفى السطور المقبلة سنرصد كيف تحركت الدراما المصرية فى طريق ظل مهجورًا لعقود طويلة، تحرك بدأ كمحاولات فردية فى البداية قبل أن تقف الدولة كلها خلفه وتوفر له كل الدعم اللازم لنصل إلى رمضان 2021 ولدينا فى السباق ثلاثة من المسلسلات التى صنفها الكثيرون تحت عنوان «دراما الوعى»، تغيير حدث ليؤكد الفارق بين توجه الدولة وأهداف المنتجين الأفراد الذين ظلت الدراما بسببهم «تائهة» بدون بوصلة وبدون رغبة حقيقية فى إشباع متطلبات الجمهور. 

قبل السنوات الخمس، يتذكر معظم محررى الفن الذى بدأوا المشوار منذ منتصف الثمانينات تقريبًا، عنوان تحقيق كان يتكرر كل عام فى ذكرى حرب أكتوبر وظل كذلك لعقود طويلة حول أسباب إحجام التليفزيون المصرى ومنتجى السينما عن إنتاج أفلام ومسلسلات تتناول ما جرى فى حرب أكتوبر باعتبارها الحدث الأبرز فى تاريخ المصريين، وباعتبار الأفلام التى خرجت بعد الحرب مباشرة تناولت زوايا محدودة وما جرى أكبر من أن تلخصه عشرة أفلام وربما أقل، كانت إجابات المختصين فى تلك التحقيقات تتكرر أيضًا، ما بين إبداء الدهشة من خلال النقاد، وبين تفسير المسئولين والمنتجين موقفهم هذا بأن تلك الأعمال تحتاج لتكلفة عالية وتفرغ النجوم والأبطال، كما أنها قد لا تكون مربحة لأنها غير تجارية، وهى نظرة قاصرة بالتأكيد لأن استخدام الدراما فى حماية وعى الناس والحفاظ على هويتهم والتصدى للأكاذيب والشائعات هو أيضًا أمر لا يقدر بمال ولا يصح أبدًا ربط الأعمال التاريخية والوطنية بشباك التذاكر. 

توفير الدعم اللوجيستي

احتاجت ثورة يونيو لأربع سنوات حتى يخرج العمل الأول للنور، جاء كتجربة «جس نبض» لكنه نال إعجاب الناس، وصنع أمير كرارة شعبيته الحقيقية من خلال شخصية «سليم الأنصارى» فى ثلاثية كلبش التى ظهر الجزء الأول منها عام 2017، وكان أهم ما يميز تلك التجربة هو تأكيد أن صناع أى عمل درامى يتكلم عن جهود رجال الجيش والشرطة لا يحتاجون فقط لمراجعة السيناريو والتأكيد من دقة التفاصيل الأمنية، وإنما الأهم توفير الدعم اللوجيستى الذى بدونه تتأثر مصداقية العمل فأى منتج مهما كانت حجم ميزانيته لن يقدم عملًا مرتبطًا بعمليات أمنية وعسكرية دون الحصول على دعم من ينفذونها على أرض الواقع، ولهذا اندثرت أعمال حاول أصحابها الاجتهاد لأنها خرجت بدون «الهيبة الفنية اللازمة» فلم يصدقها الجمهور.

بالتزامن مع انطلاق الموسم الأول من «كلبش» استقبلت دور السينما فيلم «الخلية» لأحمد عز، والشريط وإن غلب عليه الطابع التجارى الذى امتاز به مخرجه طارق العريان، لكنه جاء ليؤكد تعطش الجمهور لرؤية كواليس المداهمات الأمنية وكيف يتم الوصول للعناصر الإرهابية والتعاون بين قطاعات الشرطة وبعضها البعض، ولعل أهم ما يميز هذا الفيلم ويوجع القلب فى الوقت نفسه، ظهور الشهيد النقيب عمرو صلاح كضابط حقيقى بين زملاء بطل الفيلم أحمد عز، قبل استشهاده فعلًا فى عملية الواحات أكتوبر 2017. 

نقطة التحول الثانية

بعد فترة من الهدوء، جاءت نقطة تحول ثانية، من السينما أيضًا وعبر بطل «الخلية» نفسه، حيث قدم أحمد عز مع المخرج شريف عرفة فيلم «الممر» وفيما اعتمد الخلية على أحداث معاصرة، عاد «الممر» لما بعد هزيمة يونيو 1967، ليتأكد من جديد أن تاريخ المصريين وإن بدا كحلقات متتالية لكنها بالتأكيد متصلة ببعضها البعض، وأن العدو فى أغلب الأحيان واحد، وإن اختلفت وسائل الهجوم الذى تردعه القوات المصرية، حقق فيلم «الممر» نجاحًا هائلًا على شاشة السينما، وتضاعف عند عرضه تليفزيونيًا فى ذكرى نصر أكتوبر لعام 2019 ووصلت الرسالة مجددًا، الناس فى مصر يريدون المزيد فبدأت مرحلة جديدة فى رمضان من العام التالى مباشرة.

أول البشائر

بعد ثلاثة أعوام من المحاولات المنفردة، دخل إنتاج دراما الوعى فى مسار بدا مخططًا للمرة الأولى، وخرجت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بأول بشائر هذه الخطة، الجزء الأول من مسلسل «الاختيار» الذى يعد نقطة تحول جديدة استمرت آثارها عامين متتاليين ومرشحة للمزيد من التقدم حتى يظهر عمل وطنى جديد يتحرك بهذا القطار فى اتجاه مختلف، الاختيار، الذى تناول قصة استشهاد البطل أحمد منسى، والذى قدم لأول مرة شخصية الضابط المنشق الذى انضم للتكفيريين ضد أبناء بلده وجيشه، هو العمل الذى أكد التأثير الإيجابى لثورة 30 يونيو على مسار الدراما المصرية، لا مانع من تقديم الكوميديا والتراجيديا بكل أنواعها، لا مانع من الأعمال الاجتماعية والصعيدية والتشويقية وحتى الخيال العلمى، لكن لابد أن تكون لدراما الوعى نصيب، لكن المفاجأة أن هذا النوع من الدراما نجح فى أن يضم لاحقًا العديد من الأنماط الدرامية الأخرى، فلم نعد نشاهد فقط عمليات عسكرية وأمنية، بل الشق الاجتماعى موجود، ودور المرأة واضح، والكوميديا التى لا تغطى على الحدث الأساسى حاضرة، أما التشويق فهل هناك أكثر تشويقًا من أن يتابع الجمهور خصوصًا الشباب منهم كيف كيف كان رجال الجيش والشرطة يسقطون أعداء الوطن الحقيقيين فى سيناء تارة وفى باقى أنحاء مصر تارة أخرى؟ 

مع نهاية الحلقة الأخيرة من مسلسل الاختيار، بدا أن الخطة مستمرة والقصة لن تنتهى، وأن ما شاهده الناس من مسلسلات وأفلام لم يكن من نوعية «ذر الرماد فى العيون» أو أداء الواجب حتى تتوقف الانتقادات لامتناع الدراما عن أداء واجبها المعنوى والتوعوى، خصوصًا مع زيادة الحرب الإعلامية على مصر والمصريين، مجرد ظهور عبارة «انتظرونا فى الاختيار 2» طمأن المهتمين بهذه القضية بأن ما بدأ لن ينتهى سريعًا، وأنها ليست موضة والسلام، ليدخل شهر رمضان 2021 ليس بالجزء الثانى من الاختيار فقط وإنما بثلاثية متكاملة تحدثنا عنها هنا فى صباح الخير خلال عرضها لأول مرة، والمقصود طبعًا «القاهرة كابول» الذى تناول تنظيم القاعدة وكيف انتحل بعض أفراده صفة رجال الأحزاب والسياسة بسبب الفوضى التى أعقبت ثورة يناير 2011، و مسلسل «هجمة مرتدة» الذى تناول قصة حقيقية من ملف المخابرات وأصبح أول مسلسل مخابراتى يقدم قضية معاصرة مرتبطة بتدريب الشباب على فعل الفوضى المجتمعية من جهة، ونقل المرتزقة من العراق وسوريا إلى باقى أنحاء الوطن العربى من جهة أخرى، ومعهما بالتأكيد «الاختيار 2» تحت شعار «رجال الظل» الذى سار فى خط مواز لما قدمه أمير كرارة فى العام السابق، ورأينا كريم عبدالعزيز ومن معه يقدمون بطولات رجال الأمن الوطنى التى حدثت بين عامى 2013 و2020 ليعيش المصريون «دراميًا» أحداثًا شاهدوها فى نشرات الأخبار لكن دون تفاصيل لم يعرفوها إلا من خلال المسلسل وفي الوقت نفسه دون أن يقع العمل فى فخ المباشرة والخطابية فتضاعفت جماهيرية «الاختيار» وتحول لبراند درامى مستقل.

انتهى «الاختيار 2» بالاعلان عن «الاختيار3»، وانتهت حلقات «هجمة مرتدة» بالإعلان عن جزء ثان، ويترقب الكثيرون عرض فيلم «السرب» عن عملية استعادة حق شهداء مصر فى ليبيا، لتدخل الدراما المصرية، عامًا سادسًا وجديدًا من مهمة استعادة الوعى التى بدأتها ثورة يونيو على مستوى السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات الأخرى، وجاءت الدراما لتكمل الصورة وتؤكد أن امتلاك القدرة والقوة هو خط الدفاع الأول عن مصر وشعبها.