الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«لا أمـراض وراثيـة بعـد اليـوم»

بهدف بناء جيل جديد خالٍ من الأمراض الوراثية أعلنت الدولة البدء بالمشروع القومى لدراسة الجينوم البشرى المرجعى للمصريين، فى إطار توجهات الدولة، وسعيها نحو تطوير القطاع البحثى، والاهتمام بأحدث العلوم التى عرفتها البشرية، واكتشاف الخصائص الوراثية للأمراض المختلفة؛ للوصول لحلول جذرية للأمراض الوراثية المنتشرة بين المواطنين والتى يتم توارثها من جيل إلى جيل، وتهدف الدولة من خلال مشروعها القومى الجديد لإعادة تركيب الأدوية بحيث تتوافق مع الجينات الوراثية للمصريين.



 

قال الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا: فى الآونة الأخيرة أثبتت الدراسات الحديثة اختلافًا فى الجينات المسببة لبعض الأمراض عند المصريين، عما هو معروف فى الدراسات على المرضى من جنسيات أخرى. مشيرًا إلى دخول مصر عصر الطب الشخصى والدقيق والعلاج الجينى. 

 وأشار «صقر» إلى أن تركيب أدوية المستقبل، ستكون أكثر تخصصًا؛ بناءً على التراكيب الجينية. لافتًا إلى أنه لن يكون هناك مفهوم الدواء الذى يصلح لجميع البشر، وعليه لن يستطيع الأطباء وصف العلاجات التى تعتمد على الطب الشخصى، من دون وجود قواعد بيانات مرجعية مؤمنة ومتاحة لجينوم المصريين، وكوادر طبية مدربة على أعلى مستوى لاستخدام هذه البيانات.

وأوضح «صقر» أن الدولة خصصت لبرنامج الجينوم ميزانية قدرها 2 مليار جنيه مصرى لاستهداف عينة مصرية من 100 ألف مواطن.

وقال: إن ما يميز هذه البرامج هو وجود عائد اقتصادى مرتفع، مستشهدًا بدورية «دم» العالمية عام 2013، التى أشارت «إلى أنه فى خلال عقد واحد من بدء مشروع الجينوم البشرى، بلغ العائد الاقتصادى له ما يتعدى تريليون دولار أمريكى، بعائد بلغ 175 دولار أمريكى لكل دولار تم إنفاقه فى هذا المشروع».

واستكمل «صقر»: من المتوقع تنوع عوائد البرنامج ما بين تحسين منظومة الصحة المصرية ورفع القدرة على تقديم الخدمات فى مجالات الرعاية الطبية، ووضع محددات جينية للتشخيص المبكر والتنبؤ بالأمراض المنتشرة بين المصريين، مما يؤدى لخفض تكلفة الرعاية الطبية وتنميتها، والقدرة على تطبيق العلاج الجينى فى الأمراض المستعصية داخل مصر، وتطبيق الوراثة الدوائية فى العلاج، وتطوير وتوطين الصناعات المرتبطة بالتكنولوجيا الحيوية؛ لتكون مقرًا لها فى إفريقيا، وخَلق فرص عمل فى مجالات جديدة.

ولفت «صقر» إلى اختيار مركز البحوث والطب التجديدى، التابع لوزارة الدفاع مقرًا للمشروع، بمشاركة علمية من الجامعات والمراكز البحثية المصرية، والمعهد القومى لأبحاث الأمراض المتوطنة والكبد، والمركز الوطنى للترصد والتحكم فى الأمراض بوزارة الصحة والسكان، بموجب اتفاقية تعاون.

وأشار إلى أن المركز سيصبح منارة لكل الباحثين، داخل مصر وخارجها، مما يسهم فى رفع قدرات الباحثين، وإتاحة الفرصة لدراسة العينات داخل مصر دون الحاجة للإفصاح عن أى بيانات تتعلق بالأمن القومى المصرى. تركيب الجينات

أضافت الدكتورة وجيدة أنور، أستاذ الصحة العامة والطب الوقائى بجامعة عين شمس: إن الإنسان يولد بتركيبة جينية محددة، وفى الوقت نفسه يتأثر بعوامل البيئة المحيطة به، وينتج عن هذا الخلط أمراض مختلفة، وهى ما تسمى «تفاعل الجينات مع البيئة».

وأوضحت أنه يوجد فى كل خلية بجسم الإنسان مادة نووية تسمى «الوراثة»، ويتم فصل هذه المادة وتصنيفها، كما يوجد عدد من الكروموسومات حاملات الجينات، والتى تتأثر بالعوامل البيئية من فيروسات أو إشعاع أو غيرها، ومن خلال دراسات الجينوم يتم تحديد مكان الجين وتتابع وظيفته داخل الإنسان، ومن الممكن أن يولد انقسام غير طبيعى فى الجين، وهو ما يسبب الأورام السرطانية، وتشوه الأجنة، وأنيميا البحر المتوسط، والكثير من الأمراض النادرة.

وأوضحت «أنور» أن الجينوم البشرى، هو دراسات تهدف لمعرفة وظائف الجينات، وتستخدم فى تدخلات كثيرة مثل علاج الأمراض الوراثية، من خلال تشخيص الأمراض المزمنة الحالية، والكشف عن أسبابها، وهل هى عوامل جينية أمْ هناك أسباب أخرى؟ وإجراء الاختبارات الوراثية للجين من أجل معالجة الاختلال باستخدام أدوية محددة تحدث تأثيرًا وتغييرًا على الجين، وهو ما يعرف بـ «العلاج الجينى».

وأضافت إن التميز الإكلينيكى يقوم على جمع وتحليل المعلومات الصحية للمرضى، لتحسين الصحة العامة؛ حيث يعنى بتشخيص المرضى من خلال تحليل سوائل الجسم، والأنسجة، والدم، وجمع هذه المعلومات الطبية، والاستفادة بها فى تحديد بروتوكولات العلاج على أسُس علمية سليمة، مثبتة على أرض الواقع لتقليل الأمراض، وقوائم الانتظار.

فيما أكدت د. هبة حسنى، استشارى أمراض الوراثة، أن أهمية دراسة علم الجينات، تنبع من كونها الأساس البحثى لأى أمراض بشرية على مستوى العالم، سواء أمراضًا عامة مثل الضغط، والسكر، والزهايمر، أو الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب، أو خلل فى الجينات، وينتج عنها أمراض العيوب الخلقية.

وأضافت إن الطب يعتمد فى الأساس على علم الوراثة، والأبحاث الجينية، وهى لا تقتصر على الجين البشرى فقط، فهناك علم دراسة الجينات الخاص بالميكروبات والفيروسات، وعلم دراسة جينات الحفريات، وهو أساس البحث العلمى لأى مشروع قومى أو طبى أو اقتصادى.

وأضافت: تأتى الأهمية الاقتصادية، من خلال اكتشاف حلول بديلة لأمراض محددة، تعمل على تقليل استيراد أدويتها، التى تكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات، وعلى سبيل المثال تم إعداد حل بديل ليسهم فى خفض نسبة أمراض الأنيميا، وهو تدعيم الدقيق بالحديد وحمض الفوليك، وكذلك أمراض ضغط الدم، فالمصريون يحملون جينات تساعد على ارتفاع ضغط الدم، ومن الممكن عمل مشروع اقتصادى قائم على المتابعة قبل حدوث تطورات المرض، والتى تكبّد الدولة والمواطن العلاج بمبالغ طائلة.

وقالت: حينما يتوافر لدينا المعلومات الكافية عن جينات الجنس المصرى، نستطيع حمايتهم من أدوية محددة يتم استيرادها، وقد لا تتناسب مع جينات الجنس المصرى؛ حيث يتم تصنيع الأدوية فى الدول الأوروبية، نتيجة الأبحاث التى تجرى على أجناسهم، وهذا من الممكن أن يسبب نتيجة عكسية عند المصريين؛ لاختلاف الجينات الوراثية، ويأتى تأثير العلاجات بشكل سلبى.

علم الأجناس

أوضحت د. هبة حسنى، أن لدينا تشابهًا بدرجة كبيرة جدًا فى الجنس البشرى للمصريين، بنسبة تصل إلى 99 % فى المادة الوراثية، ولكن يختلفون فى جزء بسيط، وهو ما يفسر اختلاف الأشكال، فيختلف العرب عن الأوروبيين عن الأفارقة والآسيويين، وهو يرجع للاختلاف الجينى أو المادة الوراثية التى تغير الملامح والأشكال، وأشارت إلى خطورة اتحاد العرق الجينى الواحد؛ حيث يتسبب فى كثير من المشاكل، ومنها خَلق جيل حامل للعديد من الأمراض الوراثية، غير قادر على العمل، وهو يمثل عائقًا اقتصاديًا كبيرًا لأى دولة.

وأشارت إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون المصاب بالأمراض الوراثية قد ورثها عن أقاربه، لكن فى بعض الحالات من الممكن أن تكون طفرة تحدث بشكل مفاجئ للمولود، دون أى سجل وراثى يذكر، فزواج الأقارب له دور كبير فى انتشار مثل تلك الأمراض، وحتى الآن لم يتوصل العلم إلى سبب مؤكد وجذرى، حول حدوث هذه الأمراض الوراثية.

وشددت على أن مشروع «الجينوم المصرى» يعتبر بادرة أمل للعلماء المصريين، فى بحوث الوراثة لتخريج أطباء يكونون بمثابة نواة لعلاج الأمراض المتعلقة به، وللاهتمام ببحوث الجينوم، التى تحتاج وبشدة لتسليط البحث العلمى عليها، بجانب مراعاة مبدأ التخصص، فالطبيب يباشر الحالة من وجهة نظره دون اللجوء إلى استشارى أمراض وراثية، وهو أمر يعرقل علاج الحالات، فالمرضى يحتاجون إلى رعاية صحية متكاملة، وهو ما يوفر فى النهاية على المريض تكلفة فحوصات وأشعة وتحاليل ويوفر على الدولة أيضًا هدر طاقاتها.

وقالت د. دينا شكرى، رئيس قسم الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية طب قصر العينى: إنه تم إعداد مسودة قانون يضم مجموعة من اللوائح، لتنظيم العمل فى مجال البحث الطبى، والآن فى انتظار إعلان لائحته التنفيذية.

 وقالت: إن قانون البحوث الإكلينيكية تطرّق لكل الجوانب فى مجال البحث الطبى الإكلينيكى، وتتناول الواجبات والالتزامات المفروضة على الباحثين؛ وبخاصة الباحث الرئيسى، وهو المنوط بتنفيذ البروتوكول الذى تتم الموافقة عليه، بعد تقديمه للجان الأخلاقيات، وتناول القانون أيضًا دور راعى البحث إن وجد؛ حيث تختص شركات الأدوية بتسجيل المستحدثات فى هذا المجال، بعد أن يثبت فاعليتها.

وأشارت إلى أنه ليس بالضرورة الموافقة على جميع الأدوية التى يتم تقديمها للفحص، فالقليل منها ما يأخذ دورته كاملة للتيقن من فاعليتها، وخلوها من أى تأثيرات سلبية؛ لإقرار استخدامها وتداولها دون أى مخاطر. 

وذكرت أن الباب الأخير من القانون، يتناول العقوبات التى ستطبق على الباحثين غير الملتزمين به، أو حال تعرض المبحوثين لأى أضرار نتيجة الإهمال أو عدم الالتزام.

وقالت رئيس قسم الطب الشرعى لطب القاهرة: إنه عند وجود أى مستجدات فى مجال البحوث الإكلينيكية، أو تناول أنواع جديدة من الأدوية، لا بُد من تجربتها أولاً على الحيوانات، ثم ترقى للبحث على البشر، فهى نوع من التطعيمات، والمستلزمات الطبية الجديدة، التى لم يتم استخدامها على البشر، ولم تتم الموافقة عليها من الجهات المعنية مثل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، وتوازيها فى مصر الهيئة المصرية للدواء. 

وواصلت د. دينا شكرى: لا بُد من توخى الحذر فى مرحلة البحث العلمى، وهنا تكمن أهمية «الجينوم»؛ حيث يعلى من قيمة الخلية، التى بها الجينات الممثلة لكل وظائف الجسم، كما أنها أول ما يظهر بها أى خلل فى الجين، ومن خلال الخلية تتم معرفة هل لدى الشخص إمكانية لإصابته بالأمراض أمْ لا، ويتم فصل بعض الجينات لدى بعض الأشخاص الأكثر عرضة لعدد من الأمراض، ومنها الأمراض العصبية والأورام السرطانية، ويتم تطويرها للتخلص من الجينات المسببة لتلك الأمراض بأقل تكلفة، وذلك بعد معرفتها عبر الكود المرضى للشخص، ويكمن دور البحث العلمى هنا، فى توفير التكلفة الباهظة للعلاج؛ حيث يصل سعر قرص العلاج البيولوجى للأورام السرطانية، إلى 300 ألف جنيه. 

وأشارت إلى إمكانية تحديد أسباب الوفيات بسبب الأحماض النووية فى الجينات لدى المتوفين، وكذلك الاعتماد عليها حتى فى تحديد الحقب التاريخية للمومياوات الملكية لقدماء المصريين.