الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ضرائـب «صُنـع فى أمريكـا».. هـل تنجــــــح خطـة «بايدن» الاشتراكية؟  

بورصة وول ستريت
بورصة وول ستريت

«العالم يريد العدل لا الهيمنة»، «جهود بعض الدول التى تسعى إلى بناء حواجز والفصل، ستضر بالآخرين ولن تفيد أحدًا، الدولة الكبيرة يجب أن تبدو كذلك بإظهار أنها تتحمل المزيد من المسئوليات»..تجسد هذه التصريحات للرئيس الصينى «شى جين بينج» ببساطة فصول الحرب التى تجرى مؤخرًا على الساحة الدولية فى عودة للحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة.. فالتوترات الشديدة بين واشنطن وبكين فى التجارة والسياسة بعد أزمة فيروس كورونا، تُقسّم العالم حرفيًا، فى إشارة إلى عودة الحرب الباردة من جديد، حلفاء هنا وحلفاء هناك.



 

فى الولايات المتحدة الأمريكية، السؤال الآن هو : كيف سننتصر فى الحرب الباردة الثانية؟، فقادة الصين يرون الفرصة ويستغلونها، مع التعثر الذى أصاب الغرب نتيجة الفيروس.

الصراع الدائر اقتصادى من الدرجة الأولى بين أكبر قوتين فى العالم، لكنه معقد، فالأطراف لها مصالح متشابكة بشكل كبير، ولا يمكن لأحد فيها أن يستغنى عن الآخر، لكن الصين تسير فيه بمبدأ «المهارة الحقيقية هى أن تخضع عدوك دون قتال»، من الأنشطة البيئية، وصناعة التكنولوجيا، والنظام المالى، وحتى التجارة وسلاسل التوريد والتصنيع.

هذا ما تنبه له الرئيس الأمريكى «جو بايدن» سريعًا، فبعد مرور أقل من شهر فقط على توليه منصبه، تبنى أسلوب «ترامب» العنيف فى التعامل مع الصين، وأشعل التصريحات العدائية نحوها، رغم أن البيت الأبيض كان قد أعلن فى البداية أن الاستراتيجية ستكون بمنهج الصبر.  

لكن يبدو أن صبر إدارة «بايدن» نفد، بعد أن أكدت المؤشرات أن اقتصاد التنين الصينى حقق نموًا قياسيًا بنسبة تتعدى 18 % فى أول ثلاثة شهور من العام الحالى، وهو ما معناه أن ثانى أكبر اقتصاد فى العالم قد تعافى، فى حين أن الاقتصاد الأمريكى يحتاج إلى دفعة قوية.  

فالرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، كان قد استخدم سلاح فشل «ترامب» فى إدارة آثار كورونا على الاقتصاد وفقدان الملايين لوظائفها، فى معركته الانتخابية، لذلك فهو لن يقف مكتوف الأيدى فى السباق مع الصين، التى تقول التوقعات إن اقتصادها سيتجاوز الولايات المتحدة، ليصبح أكبر اقتصاد فى العالم عام 2028.

ولذا شهدت الـ 100 يوم الماضية من حكم «بايدن» سياسات مغايرة تمامًا على الصعيد الاقتصادى لترامب رجل الأعمال المنحاز للشركات؛ حيث يتبنى الرئيس الأمريكى الجديد سياسات اقتصادية منحازة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ويمكننا أن نقول إنه يميل إلى نظام «الرأسمالية الاجتماعية». 

وقال بايدن فى خطاب شهير ألقاه فى ولاية بنسلفانيا إن خطته هدفها اقتصاد عادل يمنح الفرص للجميع، لافتًا إلى أن الوقت حان لوضع حد لعصر رأسمالية المساهمين.  

 

بايدن يعزز من تفوق الصين على أمريكا
بايدن يعزز من تفوق الصين على أمريكا

 

ويعود سر هذه السياسة إلى تقرير صدر فى سبتمبر الماضى، أعده مركز كارنيجى المؤسسة الفكرية الدولية الأقدم فى الولايات المتحدة ومركز الأبحاث الأول فى العالم، وأشار إلى أن الطبقة المتوسطة فى أمريكا تكافح للحفاظ على مستوى معيشة جيد، وأن هذه الطبقة إحدى ركائز قوة الدولة الأمريكية، نتيجة لإنتاجيتها ومشاركتها السياسية والاقتصادية. 

وقال التقرير إن السياسات التجارية المرتبطة بالعولمة لم ترفع الأجور، ولم تخفف الضغط المتزايد على أسر الطبقة المتوسطة من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والإسكان والتعليم ورعاية الأطفال، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة، ودعم نمو اقتصادى أكثر شمولًا، وهو ما دفع «بايدن» إلى التأكيد على أهمية الطبقة الوسطى التى وصفها بالعمود الفقرى لأمريكا.

وينفذ الرئيس الأمريكى خطة اقتصادية من جزءين: الأول ما يعرف بقانون الإغاثة، وهو عبارة عن حزمة مساعدات تبلغ 1.9 تريليون دولار لمواجهة كورونا، تشمل توزيع اللقاحات، وإعانات مباشرة للأسر وللشركات المتضررة.  

والجزء الثانى حزمة للاستثمار فى البنية التحتية، من خلال تمويل بقيمة 2.4 تريليون دولار، من أجل إصلاح شامل للطرق والجسور، ومعروفة باسم «خطة الوظائف الأمريكية».  

الحزمة الجديدة التى لم يتم إقرارها حتى الآن، وصفها «بايدن» بأنها تحدث مرة كل جيل، حيث تخصص 620 مليار دولار للنقل، و580 مليار دولار للصناعة،  و400 مليار دولار لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة والمسنين، و180 مليار دولار للأبحاث، و650 مليار دولار لتحسين جودة الحياة فى المنازل، مع منح 1 % من الناتج المحلى سنويًا لتطوير هذه القطاعات.  

وتهدف أساسًا إلى حل المشكلات التى تواجه قطاع الإسكان، من خلال بناء وتطوير حوالى مليونى وحدة سكنية منخفضة التكلفة، وينفق واحد من كل ثلاثة أمريكيين 30% من دخله لسداد تكاليف الإسكان شهريًا.  

لكن الغريب فى هذه الخطة الاقتصادية أن إجماليها يصل إلى 4.3 تريليون دولار، مما يجعلها الإنفاق الحكومى الأكبر فى أمريكا، منذ ستينيات القرن الماضى، وهو أمر مثير للجدل فى دولة مثل الولايات المتحدة، والتى تمثل قلعة الرأسمالية فى العالم.   

هذا ما يفسر على غير العادة، لماذا ستلعب الحكومة الأمريكية الجديدة دورًا أكبر فى حياة مواطنيها وليس القطاع الخاص، فالإدارة الأمريكية ستبذل الغالى والرخيص لحماية قوتها العالمية.

وهو ما أكده حديث للرئيس الأمريكى مع أعضاء مجلس الشيوخ، حين حذر من تفوق الصين بقوة على أمريكا فى البنية التحتية، قائلًا: «إنهم يستثمرون مليارات الدولارات، ويتعاملون مع مجموعة من القضايا المتعلقة بالنقل والبيئة»، «لديهم مبادرة جديدة رئيسية كبيرة بشأن السكك الحديدية، وقطار يسير 225 ميلاً فى الساعة بسهولة».

وأضاف وهو مشهور بقدرته الخطابية وبأنه متحدث بارع : «إنهم سيذهبون كما تعلمون، إذا لم نتحرك، فسوف يأكلون غداءنا»، هذا إنذار شديد اللهجة أطلقه «بايدن» للتحرك بسرعة لإنقاذ اقتصاد بلاده، مقابل النمو الصينى المتزايد.

وتحتاج الحزمة الأخيرة إلى إقرار الكونجرس، ويعتمد تمويلها جزئيًا على عملية إصلاح ضريبى، يرفع من الضرائب على الشركات الكبرى.

اقترح القانون الجديد للضرائب الذى تعده إدارة بايدن زيادة ضريبة الدخل على الشركات من 21 % حاليا إلى 28 %، وكانت نسبتها قبل ترامب 35 % وخفضها إلى 21 %، بجانب مضاعفة ضريبة الأرباح الرأسمالية على تداولات البورصة من 20 % إلى 39.6 %، وهو أعلى معدل لهذه الضريبة من القرن الماضى.

ووفقًا لبيانات البنك الفيدرالى ، يمتلك 1 % من الأمريكان أكثر من 50 % من أسهم الشركات والصناديق الاستثمارية، ويمتلك 9 % أكثر من ثلث الأسهم، وبذلك يستحوذ 10 % من الأمريكان على أكثر من 88 % من الأسهم، وبالتالى زيادة اتساع فجوة الثروة.

هذا بالإضافة إلى فرض حد أدنى موحد للضرائب بنسبة 21 % على إيرادات الشركات العالمية (الأجنبية) بدلًا من 10.5 % حاليًا، وتعد شركات مثل: «تسلا» و«آبل» و«مايكروسوفت» من أكبر المتأثرين بهذه الزيادات الضريبية.

يواجه «بايدن» معارضة شديدة فى تمرير هذه الحزمة من الإجراءات من خصومه الجمهوريين، ومن لوبى أصحاب الأعمال والشركات الذين يرونها تخلق حواجز أمام الاستثمار والنمو، وتمنح دولًا أخرى ميزات ضريبية أفضل من أمريكا. 

وأعلن الجمهوريون محاربة الخطة لأنهم يرونها «حصان طروادة» لزيادات ضريبية ضخمة، وسياسات يسارية تقضى على الوظائف، وتعيد ثقافة الكسل مع توزيع المساعدات على الأسر، وتضعف تنافسية الاقتصاد، وترفع معدلات التضخم، وتبطئ التعافى.

دافع «بايدن» عن خطته بالاستمرار فى التحذيرات من تحركات المارد الصينى، قائلاً: «هل تعتقدون أن الصين تنتظر قبل أن تستثمر فى البحث والتطوير؟.. هى لا تنتظر، هى تعول على أن الديمقراطية الأمريكية ستكون بطيئة ومنقسمة بشدة، بحيث لاتستطيع مجاراتها». 

من جانب آخر، انقسمت الآراء بين مستثمرى بورصة «وول ستريت» -، فرغم تراجع الأسهم، فور الإعلان عن مقترحات زيادات الضرائب، فإن بعض المستثمرين قالوا إنه لن يحدث تحول فى سلوكهم، وإنهم سيستمرون فى الاستثمار، فالبديل هو وضع الأموال تحت المرتبة، والمراتب لا تدفع على الإطلاق!  

فى المقابل، اقترح مستثمرون اللجوء إلى «البتكوين» العملة الرقمية كملاذ محتمل لمواجهة الضرائب الجامحة، وبعيدًا عن الأفراد، ظهرت دول الملاذات الضريبية الأوروبية كرابع المعترضين على الحزمة، بسبب ضريبة إيرادات الشركات العالمية، وذلك من خلال تحالف يضم أيرلندا ومالطا وقبرص ودول أخرى.  

  لكن يبدو أن «بايدن» مطمئن أنه سيتمكن من تمرير الحزمة الأخيرة بسهولة، مستندًا على نتائج استطلاعات الرأى، التى تقول إن غالبية الأمريكيين يدعمون مقترحاته الاقتصادية.

وأخيرًا يرى اقتصاديون، ومنهم بول كروجمان وهو أكاديمى أمريكى حائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد، أن الوقت مناسب لأن يبذل فريق «بايدن» كل ما فى وسعه لتنشيط الاقتصاد، وأن يكون جريئًا لا يهتم بالنظريات البائدة، فالإنفاق الحكومى مفيد جدًا، ويستطيع فعل الكثير لتحسين حياة الناس، وأنه لا قلق بشأن التضخم وارتفاع الأسعار.  

فهل يحرك الاقتصاد الأمريكى العالم مرة أخرى، ويستعيد نموه بحلول الصيف؟، وهل يساعد فى إخراج بقية الدول من حفرة كورونا؟، وهل ينتهى الوباء قريبًا؟