الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هــل تخلّــص بـايــدن مـن مـواريـث حـكـــم تـرامـب؟!

هل ينجح بايدن فى إنعاش الاقتصاد الأمريكى
هل ينجح بايدن فى إنعاش الاقتصاد الأمريكى

يهوى الأمريكيون اختراع التقاليع وتصديرها إلى العالم، لا فرق هنا بين السياسة والمشروبات الغازية، فكما صدروا إلى العالم الوجبات السريعة وهوس الأغذية المعلبة، فرضوا ذوقهم الغريب فى الملابس عبر ارتداء «الجينز» وصولا إلى تصدير التقاليع السياسية، ولعل أبرزها قصة المائة يوم الأولى فى حكم رؤسائهم.



يعود تقليد تقييم أداء الرئيس الأمريكى خلال أول 100 يوم له فى الحكم إلى أول ولاية للرئيس الأمريكى الأسبق تيودور روزفلت التى بدأت فى مارس 1933، وبعد أن ورث أكبر كارثة كساد اقتصادى فى تاريخ البلاد.

وللتدليل على حكمة وقيادة روزفلت فى أول 100 يوم له، فقد أفلح فى إقناع الكونجرس بإقرار 76 قانونا من بينها 15 قانونا تاريخيا بالفعل أدت إلى إحياء الاقتصاد الأمريكى وتشغيل الملايين فى خطط تنموية غيرت من نوعية حياة الملايين من المواطنين وخاصة فى الولايات الجنوبية الفقيرة.

ويفترض أن تكون فترة المائة يوم الأولى لأى رئيس هى «شهر العسل» التى يتمتع فيها بثقة وتأييد شعبى،  وترقب من جانب السياسيين، الأمر الذى يؤهله لتطبيق برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإقناع الكونجرس لإقرار مشاريع القوانين التى يقدمها لأعضائه. 

وهكذا تحولت تقليعة «المائة يوم الأولى» إلى فترة انهماك فى قراءة المشهد للتعرف على اتجاهات الرئيس وما إذا كانت لديه خريطة طريق واضحة للمستقبل.

كما أن معظم ساكنى البيت الأبيض باتوا يحرصون على عدم إضاعة الوقت من أجل إظهار حجم نجاح خلال تلك الفترة، ربما عملا بمقولة «الجواب يبان من عنوانه».

ورغم تعدد التحليلات التى تستحوذ على اهتمام المراقبين ووسائل الإعلام، ليس فقط فى الولايات المتحدة، ولكن فى كل أنحاء العالم بتقييم فترة المائة يوم الأولى للرؤساء الأمريكيين، فإن المائة يوم الأولى من حكم الرئيس الحالى جو بايدن تبدو مختلفة، ليس فيما يتعلق بطبيعة القرارات أو الأعباء التى حفلت بها، ولكن لأن شبح الرئيس الأسبق دونالد ترامب لا يزال مخيما على الأجواء، ويبدو أن وجود «الترامبية» سيبقى حاضرًافى السياسة الأمريكية لفترة لا بأس بها، وقد اتضح ذلك من خلال المقارنة المستمرة ما بين أداء الرئيسين ترامب وبايدن.

 

تضارب البيانات عن مدى رضاء الشارع الأمريكى عن بايدن
تضارب البيانات عن مدى رضاء الشارع الأمريكى عن بايدن

 

ظل الماضى

من يطالع العديد من التحليلات التى تحفل بها الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية حول تقييم المائة يوم الأولى لبايدن لا بد أن يلحظ ظل ترامب بين السطور، فما أنجزه بايدن لا يتحدد حجمه وقيمته إلا فى مرآة ما قدمه سلفه ترامب، وما اتخذه الرئيس الديمقراطى من توجهات غالبا ما توزن بوضعها فى الكفة المقابلة لما اتبعه سلفه الديمقراطي.

وهكذا بات من الصعب أن تجد اسم بايدن إلا مقترنا باسم ترامب، وربما فاق تكرار اسم ترامب بصورة ملحوظة ذكر بايدن، رغم أن الأخير هو الرئيس الحالى،  والأول رحل عن البيت الأبيض، وهو ما يكشف حجم وطبيعة الانشغال الأمريكى بترامب وإرثه السياسى.

فى المائة يوم الأولى من الحكم يبدأ الرئيس الأمريكى باختيار مسئولى إدارته، بجانب تعيين حوالى 4000 مسئول سياسيٍ فى جهات مختلفة، ويجب أن يحصل 1100 منهم على موافقة الكونجرس، الأمر الذى يجعل المهمة أكبر من مجرد تسمية الموظفين.

ويجب على الرئيس كذلك أن يقدم بعد الشهر الأول الموازنة الفيدرالية، وهى موازنة يقدم فيها الرئيس الخطوط العريضة للميزانية المالية للعام المالى،  والذى يبدأ من أكتوبر، وقد تصل إلى آلاف الصفحات.

وتبدو أول وجوه المقارنة بين المائة يوم الأولى فى عهدى ترامب وبايدن واضحة، فلم يواجه بايدن صعوبات تذكر فى التعامل مع الكونجرس وتمرير العديد من قراراته التحفيزية للاقتصاد الأمريكى المنهك بفعل تداعيات أزمة كورونا، كما لم تشهد تلك الفترة أى أزمات تذكر على عكس ما حفلت به الفترة المناظرة من حكم ترامب.

وربما كان هذا أحد أسباب اتجاه العديد من التحليلات السياسية إلى اعتبار أن المائة يوم الأولى من حكم بايدن كانت أكثر نجاحا، ففى مقال كتبه روبرت رايك فى صحيفة الجارديان البريطانية، بعنوان «المئة يوم الأولى لبايدن تشى بالكثير»، ذهب الكاتب إلى أن الفترة الأولى لجو بايدن كانت - بكل المقاييس- ناجحة بشكل كبير، ففيها تم تلقيح ملايين الأميريكيين ضد فيروس كورونا، والبدء بإنعاش الاقتصاد.

اللافت فى هذا التحليل أن كاتبه اعتبر أنه لو جاء انتخاب جو بايدن مباشرة بعد أوباما وليس ترامب، فإنه من غير المرجح أن بايدن كان سيبدو هو وخططه الطموحة جيدين بهذه الدرجة، واعتبر الكاتب أن تناقض بايدن مع سلفه ترامب ساعده كثيرا فى الظهور بشكل أفضل بكثير من سلفه، فعجز ميزانية ترامب الهائل ساعد فى جعل عجز ميزانية بايدن أمرا عاديا، والتخفيض الضريبى العملاق الذى منحه ترامب - بقيمة 1.9 تريليون دولار - للشركات الكبيرة والأثرياء، والذى لم يسر على محدودى الدخل، جعل مقترحات بايدن بزيادة الضرائب على الشركات والأثرياء لدفع تكاليف البنية التحتية والتعليم تبدو أكثر منطقية، بل وحققت له مزيدا من الشعبية.

بدايات مضطربة

المقارنات بين ترامب وبايدن استدعت استعادة ما قدمه الرئيس الجمهورى صاحب أكبر رصيد من الأزمات فى تاريخ البيت الأبيض، فقد وقع ترامب خلال أول 100 يوم ثلاثين قرارا تنفيذيا، معظمها كان إما غير قابل للتنفيذ أو تم تحديه وتعليقه قضائيا، على موافقة الكونجرس.

وقد حاول البيت الأبيض فى تلك الفترة تسويق الإنجازات الترامبية فيما توقف تنفيذ الكثير منها بدعوى أنها كانت تفوق عدد القرارات التى وقعها الرؤساء الأمريكيون خلال الفترة ذاتها، بمن فيهم الرئيس روزفلت.

لكن المتأمل والمتعمق فى تحليل حقيقة ما أنجزه ترامب سيصل إلى خلاصة أن بدايات ترامب كانت مضطربة لأكثر من سبب أبرزها شخصيته الصدامية وأسلوبه المتهور، واستخدامه غير المسبوق للتغريد على تويتر فى إيصال مواقفه ورسائله إلى أصدقائه وخصومه معا. 

كما وجد ترامب ومساعدوه أنفسهم فى مواجهة تحقيقات فيدرالية بالتدخل الروسى فى الانتخابات مع أحاديث عن احتمال ضلوع ناشطين فى حملته، أو المقربين منه فى تلك الفضيحة.

بقية القرارت التى اتخذها ترامب فى الفترة المبكرة من رئاسته لم تكن أكثر هدوءًا، فقد استهل المائة يوم الأولى بمنع دخول مواطنى سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، وإطلاق العمل فى مشروع بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، وتبلورت المؤشرات فى تلك الفترة عن الحرب التجارية التى أطلقها ترامب ضد الصين، إضافة إلى العديد من الأزمات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة فى آسيا وأوروبا.

فى المقابل مقارنة بأيام حكم ترامب الأولى بدت القرارت التى اتخذها بايدن وكأنها محاولة لمحو ميراث سلفه السياسى،  فور توليه مقاليد الحكم، اتخذ بايدن عدة قرارات عكس اتجاه ترامب، ومن بينها قرار إبقاء بلاده فى منظمة الصحة العالمية، بعدما سبق وأعلن ترامب انسحابه أعلن الرئيس الديمقراطى عودة بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ، التى انسحب منها ترامب، كما تراجع بايدن عن القرار الذى اتخذه ترامب بحرمان المواطنين من سبع دول عربية وإسلامية من دخول الأراضى الأمريكية.

ومن أبرز القرارات التى اتخذها بايدن خلال أول 30 يومًا من حكمه، قراره بوقف بناء الجدار الحدودى مع المكسيك، والذى كان ترامب يحارب لإنشائه، كما أصدر بايدن قرارًا بفتح قنوات الهجرة القانونية وتشكيل فريق عمل لمحاولة جمع شمل ما يقرب من 700 طفل كانوا منفصلين عن عائلاتهم، بسبب سياسات ترامب، التى فصلت ما لا يقل عن 5500 طفل عن عائلاتهم بين عامى 2017 و2018.

السياسة الخارجية 

منذ توليه الرئاسة ويحاول بايدن أن يتبنى سياسة خارجية تعيد ترميم التصدعات التى تسببت فيها قرارات سلفه ترامب، لا سيما العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، والملاحظ أن قرارات بايدن على المستوى الدولى تبدو أقل خفوتا مقارنة بطغيان الشأن المحلى على أجندة المائة يوم الأولى.

ويرى بعض المراقبين أن حركة بايدن فى السياسة الخارجية خلال المائة يوم الأولى حافلة بالتناقضات، فالرجل وعد خلال الحملة الانتخابية بدعم المعسكر الغربى لكنه الواقع فإنه اتخذ قراراً منفرداً بالانسحاب من أفغانستان وأخبر به الحلفاء، ومنهم من يرون أن الخروج المتعجل من أفغانستان سوف يكون مهددا للأمن الدولى. 

وفى الوقت الذى ركز فيه بايدن على العودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى،  فإنه دخل فى مناورات مع الشركاء الروس والصينيين فى مفاوضات. وبينما يقدم التنازلات لرفع العقوبات عن طهران، فإنه رفع فى الوقت نفسه صفة الجماعة الإرهابية عن الحوثيين الذين يقومون بمهاجمة المدنيين.

هذا التضارب خلق خللاً كبيراً فى علاقات واشنطن ليس فقط مع حلفائها، وإنما أيضًا مع الدول القريبة تاريخيًا من الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط والتى لديها أسباب كثيرة للقلق من السلوك الإيراني. 

ورغم قرار بايدن استئناف المساعدات الأمريكية المقدمة للفلسطينيين عبر وكالة «الأونروا»، إلا أن مواقف إدارته لا تبدو مبشرة فيما يتعلق بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لإبداء مزيد من الجدية فى تحريك عملية السلام، وفشلت الإدارة الأمريكية فى الضغط على إسرائيل للسماح بإجراء الانتخابات الفلسطينية فى القدس.

كما تبدو مواقف إدارة بايدن من مشكلات مزمنة على الساحة الدولية أقل وضوحا، فلا يوجد توجه حقيقى للتدخل من أجل إنهاء الأزمات فى سوريا أو ليبيا أو اليمن.

كما سعت إدارة بايدن إلى استعادة أساليب قديمة فى إدارة سياستها الخارجية، ومنها اعتبار حقوق الإنسان محور سياستها الخارجية، حيث انتقدت بانتظام روسيا والصين، وفرضت عقوبات على ميانمار، ونشرت تقريرًا مثيرا للجدل حول المسئولية عن مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجي.

بورصة المقارنات

المقارنة بين أداء بايدن وترامب لم تقتصر فقط على دراسة القرارات التى تم اتخاذها خلال الفترة الأولى لحكم كل منهما، بل امتدت إلى دراسة مدى رضا الأمريكيين عن أداء الرئيسين خلال تلك الفترة، ففى استطلاع للرأى أجراه موقع «بوليتيكو» بالتشارك مع مؤسسة «مورنينج كونسلت»، تفوق بايدن على ترامب، بـ12 نقطة فى مدى رضا المواطنين عن أداء المئة يوم الأولى له رئيسا، وقد حصل بايدن على رضا ما لا يقل عن 60 فى المائة من المشاركين، وكان ترامب قد حصل على 48 بالمائة فى الاستطلاع ذاته، فى أبريل 2017.

بل امتد الأمر إلى حد مقارنة أداء الرئيسين، ليس على المستوى السياسى،  بل على مستوى النشاط عبر منصات التواصل الاجتماعى،  وهنا ربما حظى ترامب ببعض التفوق، على الأقل من حيث الكم، وإن كان نشاطه الإلكترونى قد جر عليه الكثير من الانتقادات، وهو ما حاول بايدن أن يتفاداه، فأشارت مجلة نيوزويك الأمريكية، إلى أن بايدن اتخذ نهجا أكثر تحفظا إزاء التواصل مع الأمريكيين، مقارنة بما فعله ترامب، فجاءت تغريداته على تويتر أقل بنسبة 25 %. حيث قام ترامب بالتغريد حوالى ألف مرة فى أول 100 يوم له فى المنصب، وفقا لما ذكره موقع Wayback Machine بينما نشر بايدن حوالى 770 تغريدة، وفى حين اعتمد ترامب بشدة على حسابه الشخصى، اختار بايدن إرسال الجزء الأكبر من تغريداته من الحساب الرسمى للرئيس الأمريكى.