«أجدع ناس»
تسكن جمهورية مصر العربية الشقيقة فى الوجدان والعقل الفلسطيني، وتقع فيه بموقع كبير، ولها فيه مكانة عظيمة.
ويُدرك الشعب الفلسطينى وقيادته، أن فلسطين ومصر يجمعهما تاريخ مشترك، وثقافة ومعتقدات مشتركة. قاتل المصريون الاستعمار والاحتلال فى فلسطين وسالت دماؤهم الزكيّة على أرضها، وكذلك دافع الفلسطينيون ولايزالون، عن مصر بكل ما لديهم، ضد الأطماع والنوايا الخبيثة المُخبّأة.
لا شك أن الدبلوماسى الذى يخدم فى مصر، لديه حظّ وافر للتعرُّف على شعبها وكنوزها التاريخية والثقافية. وقد منحنى الله هذا الحظ؛ حيث إنى أمثل بلدى فلسطين فى الجامعة العربية، التى تستضيف مصر مقرها الدائم، منذ ما يزيد على خمسة أعوام ، وقد وقعت عائلتى (زوجتى دينا، وأولادى عمار ويارا وميرا، وأنا) فى حبّ مصر، مصر القديمة الجديدة، مصر الحاضرة التى لا تغيب.
كل من يسألنى عن مصر أقول له، إن فيها شعبًا عظيمًا يؤمن بقضايا أمته، ويدافع عنها. ويتميز الشعب المصرى بالثقافة المُعتقة المحفوظة، وبالإيمان العميق، وبالطيبة الجمة، وبخفة الدم، وبالصبر والتحمل والقدرة على التغلب على المحن والشدائد. وهناك ميزة فريدة فى الشعب المصري، وهى أنه ليس فقط يقبل الآخر، بل يُحبه أيضًا ويرحب فيه ويقويّه، لدرجة أنك تشعر وأنت فى مصر، كأنك فعلًا فى بلدك وفى بيتك وبين أهلك.
عندما يسألنى المصريون من أين أنا، أجيب بأنى من فلسطين، ولا يختلف رد الفعل فى كل مرة، الترحاب الشديد، والعُمق فى معرفة فلسطين وقضيتها ومعاناتها تحت الاحتلال الإسرائيلى العنصرى الغاشم، ويجيبك المصري: «أجدع ناس»، وبعضهم قال لى «هى دى الناس»، وبعضهم قال لى أتمنى أن أزور فلسطين وأدافع عنها، وبعضهم قال لى أن الشعب الفلسطينى يدافع عن الأمة العربية والإسلامية وأنهم يقدّرون ذلك. ينتابنى شعور جميل لم أحسه فى أى بلد آخر، وأنا أقول أنى فلسطينى فى مصر.
هناك صفات كثيرة تحملها مصر، من بينها: أم الدنيا، والشقيقة الكُبرى، وأرض النيل، وأرض الأهرامات، وبلاد الفراعنة، وعظيمة يا مصر. بصراحة قبل أن أعيش فى مصر، لم أكن أعلم ما هو المعنى الحقيقى لهذه الصفات، لكن عندما جربت العيش فى مصر، وتجولت فيها من جنوبها إلى أسوان والأقصر، إلى شمالها الإسكندرية، مرورًا بصعيد مصر والقاهرة الكُبرى وذهابًا إلى البحر الأحمر ومدنه السياحية، عرفت المعنى الحقيقى لـ «عظيمة يا مصر». مصر كانت ويجب أن تبقى دولة عُظمى مؤثرة فى العالم، لأنها عميدة العالم العربي، لأنها لاتزال تحتفظ بمُدن وآثار معابد وأهرامات، يصل عمرها إلى أكثر من 7000 سنة من الحضارة، وهذه ليست فقط ديانات وقصصًا وأساطير مرت على مصر، لكنها واقع تعيشه وتتجول فيه.
عشت مع جيران من مصر، وأكلت معهم «عيش وملح»، وعملت مع زملاء، سفراء ودبلوماسيين مصريين، ووجدت أن فلسطين تسكن قلوبهم وضمائرهم، ووجدتهم يعرفون معنى ظلم و همجية وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي. قال لى زملاء مصريون، أنهم تربوا وكبروا وتعلموا أن قضية فلسطين هى قضيتهم الأولى التى لا تحيد عنها البوصلة. وأنا مطمئن وأطمئن الشعب الفلسطينى بأن لكم سندًا حقيقيًا فى مصر يمكن الاعتماد عليه على المدى الاستراتيجى ، عاشت مصر وعاش شعبها العظيم.