الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مشــوار سـمير غانـم.. مـن حلبـة الملاكمة إلـــى عـرش الكـوميـديا

مسعود.. قلة حبنا
مسعود.. قلة حبنا

«أرى أنه ينبغى على الفنان الكوميدى مواصلة العمل حتى آخر يوم فى حياته، ليس لأنه فى حاجة لكسب المال، ولكن لأن الوقوف أمام الجمهور ترفٌ بحد ذاته. ولا أعتقد أنى فقدت إحساسى الداخلى بالكوميديا أبدًا، لذلك أسعد لحظات حياتى عندما أرى القاعة ممتلئة عن آخرها بالجمهور الذى جاء إليّ خصيصًا، ولا أنسى أن بعضهم قال لى إننى سأدخل الجنة مباشرة لأنى نجحت فى إسعادهم فى تلك الليلة.. هذا التعليق لن أنساه لأنه ملأ قلبى بالحب والسعادة».



 

هكذا لخّص الفنان الراحل سمير غانم مشوار حياته، ومدى حبه للضحك والكوميديا بشكل عام فى حياته الشخصية والمهنية، لذلك لم يدخل فى جدال أو خلافات سياسية أو فكرية أو نزاعات فنية كما يفعل كل النجوم، بل اكتفى فقط بالطريق الأكثر لطفًا فى عبور الحياة، ألا وهو الضحك وإدخال السعادة لقلوب الجميع.. ويبدو أنه قد نجح فيه بامتياز.

مرحلة الطفولة

ولد سمير غانم فى 15 يناير 1937، بمحافظة الفيوم، لأب يعمل ضابط شرطة وأم ربة منزل، لكن كانت الأسرة كثيرة التنقل بين المحافظات بحكم مهنة الأب، فانتقل لمحافظات كثيرة منها بنى سويف والمنيا، إلى أن استقروا فى النهاية بالقاهرة.

والد سمير غانم كان صعيديًا، من محافظة أسيوط تحديدًا، وعند انتقاله إلى بنى سويف تولى رئاسة مكتب شئون العربان هناك، فكان المسئول عن حل الخلافات بين القبائل، لذلك حضر سمير فى صغره بعض جلسات الصلح بين القبائل مع والده. وكان الأب صارمًا للغاية فى تربية أبنائه، لكنه فى الوقت ذاته يحبهم ويهتم برعايتهم، أما الأم فكانت شديدة اللين مع أولادها، وبالتالى حدث توازن فى الأسرة فيما يتعلق بتربية الأبناء.

وعن ذلك قال سمير فى آخر لقاء تليفزيونى قبل رحيله: «أمى عملت توازن لأنها شالت العبء العاطفى والحنية كلها كانت فيها فمحسناش بنقص عاطفى، وبعدين أنا الكبير فكان ليا بريستيچ معين ومعزّة خاصة عندها.. وعمومًا مكنتش طفل شقى بس كان عندى طموح، حاسس إن جوايا حاجة عايزة تطلع ايه هى معرفش».

 

 

 

قصص الجامعة 

التحق سمير غانم بكلية الشرطة، ولو كان استمر فيها لأصبح لواء على المعاش الآن، كما كان يقول فى لقاءاته التليفزيونية. فقد قضى فيها عامين فقط، حيث رسب فى العام الأول، وفى الإعادة رسب مرة أخرى، فترك الكلية والتحق بكلية الحقوق، التى ما لبث أن تركها بعد عام واحد أيضًا، ليستقر فى النهاية على كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية.

ذكريات سمير غانم فى كلية الشرطة كانت تشبه حياته، طريفة وممتعة رغم ما فيها من تعقيدات، فقد كان الضابط المسئول عنهم هو الفنان صلاح ذو الفقار، كان برتبة رائد وقتها، وكان شديد الصرامة فى التعامل مع الطلاب، لدرجة أنهم أطلقوا عليه لقب «صلاح المرعب»، لكن مع سمير كان الأمر كوميديًا، فقد اختاره ذو الفقار ليشارك فى فريق الملاكمة، ففرح للغاية واعتبرها ثقة كبيرة فيه، لكن فى أول مباراة ضد أحد الفريق، لم يفعل سمير شيئًا سوى أنه أغمى عليه من أول ضربة، ولم يشعر بنفسه سوى فى المستشفى وعلى رأسه صلاح ذو الفقار، ليقول له ساخرًا بمجرد إفاقته: «أنت كافحت.. سيبك من الملاكمة واديها سباحة».

فى كلية الشرطة بدأت الهوايات الفنية، فقد كان سمير ورفاقه يجتمعون للسَمَر والضحك وتقليد الضباط، وبسبب هذا التقليد كان يتم حبسهم يومى الخميس والجمعة من كل أسبوع، وكان هذا بالأصل رغبتهم، فلم يكن معهم أموال يعودون بها فى الإجازة أو ينفقون على أنفسهم بالخارج، فكانوا يفعلون أى شيء يتسبب بحبسهم ويقضون الإجازة فى الضحك والتقليد..

أما فى كلية الزراعة، فكانت أول خطوة لسمير غانم تجاه التمثيل كهواية وليس كمهنة، فقد كانت الكلية تضم وقتها جيلا رائدًا من الشباب الذين دخلوا المجال الفنى ولمعوا فيه لاحقا مثل عادل إمام وصلاح السعدنى. ومن خلال أسابيع شباب الجامعات التقى سمير بجورج سيدهم الذى كان يدرس وقتها فى كلية زراعة عين شمس، ثم الضيف أحمد الذى كان يدرس فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان ذلك كله فى إطار المنافسة فى أسابيع الشباب، ثم كوّن سمير بعدها أول ثلاثى فى الإسكندرية وأطلق عليه اسم «إخوان غانم»، وضم الثلاثى إلى جانبه كلا من الفنان وحيد سيف وعادل ناصف الذى أصبح طبيبًا شهيرا فى علم الحشرات بالخارج.

ثلاثى أضواء المسرح

انتقل سمير غانم للتمثيل مع جورج سيدهم وعادل ناصف، ولكن عندما اختار ناصف السفر، كان عليهما البحث عن شريك ثالث، فكان الضيف أحمد الذى وافق وبدأت رحلة الثلاثى التى وصلوا فيها للجمهور بالصدفة، فقد توجهوا للتلفزيون لمقابلة مخرج المنوعات الشهير محمد سالم، الذى كان يعمل على برنامج جديد وقتها ويحتاج لوجوه جديدة، وبالفعل قدموا أمامه اسكتش بعنوان «دكتور الحقنى» فلم يقتنع بهم، ثم التقى بهم مرة أخرى لاحقا، وتذكر الاسكتش الذى قدموه فطلب منهم إعادته أمامه، لكن لم يكن معهم طبلة، وبالصدفة وجدوا شخصًا يحمل طبلة فى أحد ممرات التلفزيون، فأحضروه وقدموا الاسكتش فأعجب المخرج بهم وظهروا فى التلفزيون، ومن هنا كانت بداية ثلاثى أضواء المسرح، كما أطلق عليهم محمد سالم.

بعد نجاح سينمائى ومسرحى ضخم للثلاثى، توفى الضيف أحمد بشكل مفاجئ، وتقدم إليهم المئات ممن يشبهونه للحصول على فرصة الانضمام للفريق، لكن رفض سمير وجورج، لليقين بأن أحداً لن يكون مثل الضيف أحمد أبداً. لكنهما احتفظا باسم الفرقة رغم أنهما لم يعودا «ثلاثي» مجددا، وقدّما بعدها مسرحيات ناجحة مثل «المتزوجون» و«أهلا يا دكتور»، ثم انفصل الثنائى إلى أن مرض جورج سيدهم، لكن رغم ذلك لم تنقطع علاقة الصداقة بينهما حتى رحيله.

ثلاثى أضواء المسرح أخيرا أجتمعوا من جديد
ثلاثى أضواء المسرح أخيرا أجتمعوا من جديد

 

 

شخصية فطوطة

بعد 7 سنوات من الفوازير الناجحة مع الفنانة نيللى، أراد المخرج فهمى عبد الحميد تغيير اللون والانفصال عن نيللى، ليختار سمير غانم لتقديم الفوازير، من خلال شخصية فطوطة التى أصبحت أكثر شخصية كوميدية لجيل الثمانينيات والتسعينيات، والتى رغم نجاحها الكبير وحبه الشديد لها، إلا إنها أرهقت سمير غانم نفسيًا، وتحديدًا من الجمهور فى الشارع، لأنهم كانوا حين يرونه بالصدفة ينادونه بـ»فطوطة»، فكان يشعر بأنه طفل وليس فنانًا كبيرًا، لكن كان يتقبل الأمر لأنه يدرى أنه بسبب حبهم للشخصية.

شكل وصوت وطريقة فطوطة لم تكن كذلك منذ البداية، فقد فكّر المؤلف عبد الرحمن شوقى فى أن تكون الشخصية لرجل صغير اسمه «فطوطة» ليكون الاسم متشابها مع «ابن بطوطة» صاحب الرحلات الشهير، باعتبار الشخصية التى يقدمها سمير تتجول مع «سمورة» فى كل دول العالم. وتم تصوير حلقة لكن تم حذفها لأنه لم يعجبهم الأمر ولم يكن شكل وطريقة الشخصية مناسبة.

بعدها اختار سمير غانم الشكل الكوميدى للشخصية، ليكون رجلا قصيرا و«شعره منكوش»، لديه شارب أسود ويرتدى بدلة خضراء واسعة، وربطة عنق كبيرة جدا، فضلا عن الحذاء الأصفر الكبير الذى تغوص فيه قدمها. أما اختيار الصوت فجاء بالصدفة، حين كان سمير يسجل أغنية فى الاستوديو، وبالصدفة كان إلى جوار مهندس الصوت الذى جعل الشريط يدور بشكل أسرع ليفعل شيئًا ما، لكن سمير لاحظ الصوت فطلب منه إعادته مرة أخرى وأعجبته الطريقة، فقام بتجريبه من خلال النطق بصوت عالٍ وبطىء فى الوقت ذاته، وعند تسريع الشريط وجدوا أن الصوت كوميدى وملائم للشخصية، ومن هنا تم الاستقرار على طريقة الكلام بهذا الشكل.

لذلك كانت عملية التصوير معقدة ومرهقة، فقد كانوا يسلطون على سمير غانم كميات مفرطة من الإضاءة حتى يتمكنوا من تقليص حجمه لاحقاً فى مرحلة التحرير. كما كان عليه أن يتحدث بنبرة صوت عالية، وأن يغنى ببطء شديد ليتمكن فنيو الصوت من تحويله إلى ذلك الصوت المميز الذى كنا نسمعه على شاشة التلفزيون. وبعد هذه الجهود الكبيرة، انتشرت الشخصية وحققت نجاحات لافتة فى الكثير من الدول العربية، وليس مصر فحسب.

المسرحيات

قدم سمير غانم عبر مشواره الفنى العديد من المسرحيات الناجحة، أبرزها مسرحية «موسيقى فى الحى الشرقى»، فى نهاية السبعينيات. ومع بداية الثمانينيات قدم مع الفنان الراحل جورج سيدهم، أهم المسرحيات فى تاريخهما المشترك الفنى، وهما «مسرحية المتزوجون»، و»فخ السعادة الزوجية»، و»أهلاً يا دكتور» عام 1981، التى تعرف من خلالها على الفنانة دلال عبد العزيز، وتم الزواج بينهما وأنجبا منها ابنتيه «دنيا وإيمى».

الحياة الشخصية

تُعد قصة حب وزواج الفنان سمير غانم من الفنانة دلال عبدالعزيز، حالة فريدة بين الزيجات الفنية. 

كشف سمير غانم فى لقاء سابق قبل رحيله، أنه فى بداية الأمر كان متخوفا من الزواج من دلال عبد العزيز، نظرا إلى فارق العمر بينهما الذى يصل إلى 24 عاما، لكنها كانت تحبه وهو أيضًا، فضلا عن وقوفها إلى جانبه ودعمه أثناء محنة مرض شقيقه، مما جعله يتغلب على مخاوفه وتم الزواج بينهما، ثم تغيرت حياته تماما بعد ولادة ابنتيه دنيا وإيمى، وعرف من خلالهما معنى الالتزام كزوج وأب.