الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الشهر الكريم على طريقة «تيك أواى» ؟!

يدخل الكثير منا حالة من النوستالجيا مع قدوم رمضان الكريم .. حيث يزداد معها حنيننا لذكريات الطفولة ولمة الأهل والعائلة .. متمنين عودة الطقوس الرمضانية القديمة التى لاتزال عالقة بأذهاننا، محتفظين بها فى ذاكراتنا .



فمهما تعرضت لتغيرات زمنية، لايزال لها مذاقها وروحانياتها شديدة الاختلاف عن طقوس زمننا الآن.

هل هناك أحد من أجيال زمان لم يعش أجواء رمضان زمان؟!

هل هناك من لم يحضر شعائر تاهت وتلاشت وسط زحمة التكنولوجيا والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، والخروجات والسهرات حتى الفجر، خريطة الشهر الكريم بطقوس الآن أبعدت رمضان عن «لمة العيلة» وأفقدته أشياء كثيرة كنا نعتز بها فى حياتنا.. فالكثير من أجيال النهاردة يرون أن هذا الشهر لا يختلف عن باقى شهور السنة سوى فى الانقطاع عن الطعام لبضع ساعات، وهناك من أصبح يراه عبئا بسبب التفاخر والمغالاة فى شراء المأكولات الرمضانية: هنا نطرح السؤال ماذا يعرف الجيل الجديد عن رمضان زمان ؟!

 الزينة الورقية 

لا تعرف الأجيال الجديدة أنه زمان وفى الأسبوع الأخير من شهر شعبان، تتزين الشوارع بالزينة الورقية لاستقبال أجواء الشهر الكريم .. وكان الجيران يحرصون بأنفسهم على تعليق الزينة فى الشوارع وأمام البيوت .. بل يتصارعون على شراء مستلزماتها وتصميمها عن طريق قص الأوراق على شكل فوانيس وتلوينها ولصقها ببعضها البعض بالخيط والعجين وتعليقها بين الشرفات فى جو مليء بالألفة والمحبة .. وكان الأطفال يخرجون ليلة رؤية هلال رمضان أمام منازلهم بالفانوس .. وكان الفانوس « الشمعة» له صيت كبير وقتها .. يلعبون به ويتغنون بالأناشيد الرمضانية «رمضان جانا»«هاتوا الفوانيس» «حالو يا حالو» «وحوى يا وحوى» و«افرحوا يا بنات يلا وهيصوا»، وهم فى منتهى السعادة والفرحة العارمة. 

الحياة كانت بسيطة، رغم الصعوبات الاقتصادية وقتها، فإن الرضا واللمة كانا عاملين مهمين وأساسيين يدفعان للمة العيلة والجيران والأصدقاء وقتما كان قليل من العائلات يمتلكون «الراديو»، ويجلسون بجانبه بعد العشاء ليزفوا بشرة الإعلان عن غرة شهر الصيام.

«راديو صغير» تجتمع العائلة حوله للاستماع إلى مسلسلات الشرق الأوسط، مثل مسلسل فؤاد المهندس وشويكار «شنبو فى المصيدة» و«ألف ليلة وليلة»، فوازير نيللى وشريهان بينما الأطفال يتجمعون لمتابعة جدو عبده، ومسلسلات «بوجى وطمطم» و«بكار» و«عمو فؤاد».. ثم ابتهالات النقشبندى قبل أذان المغرب .

وأثناء الفطار كان الأهالى يتبادلون أطباق الطعام فى سيمفونية حب مليئة بالمودة والرحمة.. على صوت الشيخ محمد رفعت لحظة الإفطار .

وقتها كان التمر باللبن هو سيد الفطار والوجبة المفضلة .. وكانت الحلوى كالكنافة والقطائف ولقمة القاضى تصنع فى البيت وتوزع بين الأهل والأقارب .. كان التليفزيون وقتها منحصرا فى قناتين «الأولى والثانية»، والسهر لا يتعدى منتصف الليل.. أجمل ما فى تلك الفترة هى «اللمة» على مائدة واحدة .. سواء قبل الفطار أو بعده أو ساعة السحور .. وبالأخص لمة ما بعد صلاة العشاء والتراويح، لتبدأ بعدها رحلة السمر .

 فى رمضان زمان كانت عربة الفول فى الشارع لها النصيب الأكبر من الذكريات، حيث يظهر بائع الفول بعربته يجوب الشوارع بعد الإفطار ويلتف حولها الأطفال الصغار، ثم يبدأ التزاحم لشراء السحور وسط أجواء مليئة بالهدوء والراحة النفسية .. 

 أما بائع العرقسوس فكان يتغنى حول البيوت بعصائره «التمر هندى والسوبيا والخروب» وكان ظهوره مع هلال رمضان أبرز مظاهر الشهر الكريم .

 المسحراتى 

مسحراتى زمان كان أشبه «بالمنبه حاليا»، يجوب الشوارع ليلا حاملا طبلته الصغيرة يطرق عليها بقطعة من الجلد مرددًا: «اصحى يا نايم وحد الدايم» و«السحور يا عباد الله وحد الله».

وكثيرا ما يردد أسماء الأطفال والشباب فى حالة مبهجة ليحسهم على النهوض وتناول السحور .. وكانت العائلات الغنية زمان فى هذا الشهر الكريم تقيم السهرات فى منازلها .. يحضرها كبار الشيوخ لقراءة القرآن والابتهالات حتى السحور هذه العادات التى كبرنا عليها، للأسف لم نسمع عنها الآن، رغم افتقادنا الشديد لها .. فريتم الحياة السريعة والانفتاح التكنولوجى قتل غير كثيرًا من الطقوس، ليتحول رمضان هو الآخر إلى ما يشبه «التيك أواى» على طريقة الوجبات السريعة.