الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الإسلام كما أراده اللـه.. لا كمـا يـريـده «الشــيخ رمـــزى»!

الإسلام كما أراده اللـه.. لا كمـا يـريـده «الشــيخ رمـــزى»!

نحت جوزيف ناى الأستاذ بجامعة هارفارد مصطلح القوة الناعمة لأول مرة عام 1990. كان تعبير القوة الناعمة ذا دلالة.. وتأثير. أثبتت أحداث كثيرة، ووقائع مختلفة، السنوات العشرون الأخيرة على الأقل، أن القوة الناعمة هى السلاح الأنجز فى السياسة، وفى العلاقات الدولية.. وهى أيضًا السلاح الأكبر أثرًا فى الحروب الثقافية، وفى الصراع المفتعل بين الحضارات إذا جاز التعبير.



القوة الناعمة ليست فى الكلمة، ومعنى الفكرة، إنما تظل أعلى درجات ذلك النوع من الأسلحة الأحدث فى عالم أكثر حداثة، فى طريقة عرض الأفكار والمضامين، بسهولة وسلاسة، وصولًا إلى ذهنية مجتمعات.. لا تعرف الكثير.. وعقلية مشاهد، ربما لا يقترب من مصادر معلومات لابد منها.. لأسباب مختلفة.

 

غطت ثقافة الاستهلاك في السنوات العشرين الأخيرة على الوعى. طمست الثقافة «السمعية» على كثير من معاملات المعرفة، وتدنت فى أغلب المجتمعات، بحكم عوامل كثيرة، وتغيرات أكثر، قدرة الشارع على الفحص.. والنقض.. وفرز الأفكار.. للوقاية من فخاخ تفجير المجتمعات من الداخل.. بحججٍ واهية، تجلت فى النهاية فى شراك نصبتها شعارات التغيير المزيفة، فى الطريق لما سمى مجازًا بالربيع العربى. 

أيام وقى الله شرها، لكن لا أحد يعلم، على وجه اليقين، للآن كيف ملك بعضهم تلك القدرة على النصب البواح، وبدم بارد، على شعوب المنطقة، وضحك عليهم، وغرر بكثيرين، فأطلق على تلك الأيام وصف «الربيع»، مع أن الربيع أفضل الفصول، حسب المفترض، ورغم أن فترة الاعتدال.. أحسن الأجواء!

سهل اعتبار مصطلح «الربيع العربى» نفسه واحدًا من سوء استخدامات القوة الناعمة، واسوأ اختبار لملكات من صنعها، وصك مصطلحاتها، وسن قواعدها. 

ممكن اعتبار مصطلح الربيع العربى أيضًا قوة ناعمة مضادة، تعمدت صناعة أحداث الهدم، وغلفتها بورق سلوفان، وصدرتها لشعوب تم خداعها، بمصطلح أرادوا تمريره خلسة فى غفلة من شوارع، غمت عيونها شعارات أطلقها «ألعوبانات» سياسة، فكان ما حدث عكس التسمية.. وعكس الوصف الأصلى.

 لذلك بدأت موجات الربيع العربى أكثر حرًا من صيف ساخن، لو استمر، فالمؤكد أنه كان سيميت الزرع، ويجفف المياه، ويقضى على شعوب، ويحذف دولًا وحدودًا من على الخريطة.. ظلمًا وعدوانًا. 

لا حلول لمواجهة الفكرة.. إلا بفكرة. ولا مجال لضرب مراكز القوة الناعمة المضادة، إلا بقوة ناعمة ممنهجة مدروسة من الجانب الآخر، فى حروب وعى مستمرة، تتشابك فيها العلاقات، وفى عصور لم يعد فيها النصرة للرصاصة.. بقدر ما أصبحت الهيمنة فيها للكلمة.. وميزان القوة فيها للحجة.. والبيان. 

إن من البيان لسحرًا. والبيان كلمة، والكلمة فكرة، وتصوير الكلمة بالفكرة فن، والفنون جسور تركب عليها الأفكار، نفاذًا إلى مجتمعات فى حاجة إلى وعى، وفى حاجة أيضًا إلى ضربة قبضة منبهة من مؤامرات تحاك بأكثر من طريقة، وحروب تُدَبّر تحت الترابيزات، لتضرب تحت الحزام من منصات على مواقع التواصل أو من بؤر شائعات يطلقها مجهولون فى الشارع.. وبين الناس من على تويتر!

 قوة الثقافة وقدرة الفنون، اثنان من أهم معاملات ووسائل القوة الناعمة للكشف والبيان، حيث الكلمة أقوى من الرصاصة، وحيث الفكرة أكثر قدرة، فى العصور الحديثة على مواجهة ديناميت المؤامرات.. وأكثر فعالية فى اصطياد الصواريخ أرض – أرض فى الأجواء.

(1) 

على مواقع التواصل الاجتماعى، صك بعضهم مصطلحًا جديدًا وصفوا به مسلسلات (هجمة مرتدة، الاختيار، القاهرة كابول) بثلاثية رمضان 2021. 

ليس هذا تقليلًا من باقى أعمال، ولا خسفًا بباقى التجارب، لكن الواقع أنه (وحسب وصف الثلاثية) وضع رواد مواقع التواصل الأعمال الثلاثة على رأس مرحلة جديدة فتح فيها الفن المصرى بالقوة الناعمة آفاقًا أوسع، بأساليب أكثر إبهارًا، وتكنيكات كتابة وعناصر أداء فاقت التفوق، فى مواجهة تداعيات مستمرة للآن لما سمى مجازًا بالربيع العربى.. بزواياه المختلفة والمعقدة. 

الرأى صحيح.. والتسمية على مواقع التواصل فى محلها، فالأعمال الثلاثة، كانت ثلاثة رؤوس مثلث، ضربت كل زاوية من زواياه، ركنًا من أركان متلازمة الربيع العربى فى مقتل. 

عندما تضرب الوقائع فى مقاتلها، تسقط الروايات، وتعيد الذهنية الجمعية ترتيب الأحداث.. لتتكشف الحقائق.. فتسقط ما تبقى من أقنعة من على الوجوه.

ويأتى مسلسل القاهرة كابول (من زاويته تشريحًا للتطرف وأفكاره) ليغوص فى معاملات الاضطرابات الفكرية العقيدية بما لها من جذور ممتدة، ولما لأبطاله (خصوصًا الشيخ رمزى الذى لعب دوره الفنان طارق لطفى) من طبيعية فيروسية فكرية، تكشف إلى أى مدى يمكن أن يؤدى إليه فهم مغلوط للعقيدة.. وما يمكن أن يصل به خلل فى فهم العلوم الشرعية بأصحابها، هذا فى حالة ما إذا استبعدنا رغبات المتاجرة، ودوافع التربح.. ودوافع التكسب بمظاهر الإيمان. 

أكبر الدروس فى خلفيات مسلسل «القاهرة كابول»، هو الإشارة إلى قدر حاجة مجتمعاتنا الماسة لخطوات حقيقية سريعة وجريئة وواضحة فيما يتعلق بتجديد حقيقى وفورى لخطاب الدين. 

التجديد الفعلى والحقيقى لخطاب الدين، للآن، يظل أهم عامل من عوامل كشف الغمة، وهو الطريق الوحيد، للآن مرة أخرى، لإشعال مزيدٍ من أعواد سميكة من خشب السرو.. كى تُخرج من الجحور مزيدًا من الثعابين.

فى الهند مثل دارج يقول: «إن دفع الثعابين للخروج من جحورها.. أهم التدابير فى الطريق لاصطيادها».

 

 

 

(2) 

أغلق مسلسل «القاهرة كابول»، آخر سلسلة فى دائرة أحداث ما سمى مجازًا بالربيع العربى، التى بدأها «الاختيار 2» مع «هجمة مرتدة». 

كشف «القاهرة كابول» عن محتوى عقيدى متطرف، لخصه كاتب السيناريو فى شخصية الشيخ رمزى.

ظهر الشيخ رمزى، خليطًا بين شخصيات شيطانية، ربما تبدأ من أبو الأعلى المودوى فى الهند، وتنتهى عند أسامة بن لادن فى أفغانستان.. وأيمن الظواهرى فى القاهرة. 

ضربت شخصية الشيخ رمزى فكرة سائدة غير صحيحة عادة ما ترجع الانحراف العقيدى الدينى لدى أصحابها لأسباب اقتصادية، وعوامل عوز مادي. هذا ليس صحيحًا، خصوصًا أن خلفية الشيخ رمزى الاجتماعية، كانت مشابهة لأغلب رموز التطرف.. فلا عوز مالي.. ولا بيئة متواضعة.. ولا أزمات كبت فى التنشئة. 

أغلب أقطاب التطرف، من مدارس السلفية الجهادية، وحتى «صياع» أنصار بيت المقدس، أغلبهم من خلفيات اجتماعية مستورة، على المستوى المادى، إن لم تكن أعلى درجات السلم الاجتماعى بما يزيد على الستر.

أيمن الظواهرى سليل العائلة الأشهر فى الطب فى مصر مثالً، وأسامة بن لادن، ابن واحدة من أكبر وأشهر العائلات فى المملكة العربية السعودية.. وربما العائلة ذات الصيت والمكانة فى الخليج العربى كله مثالً آخر. 

لا أحد يعرف للآن بالتحديد، وعلى وجه التفصيل، ميكانيكية الجدلية التى تشبه الارتجاج العقلى الذى ينحرف فجأة بأصحابه، فيدفع إلى خلل واضح يتطور إلى حد تهويمات، تصنع تأويلات مغايرة للنص الدينى، تبعد به عن مقاصده، وتبتكر مفاهيم خرافية، مخالفة لمقاصد النص.. وبعيدة كل البعد عن الغرض من التنزيل. 

وتبقى الأزمة، واللغز، مع استبعاد رغبات المتاجرة، أو حيل السياسة مرة أخرى، فى إصرار رموز التطرف على تأويلات مختلفة للنص، وصولًا إلى نتائج تبدو مترابطة مع المقدمات.. مع أنه فى الواقع، يظهر جليًا أن الرابط فاسد.. ويبدو بوضوح أن الاستدلال هو الآخر أشد فسادًا. 

أسس فساد الاستدلال بمقاصد النص الدينى، لدى الشيخ رمزى، صيغة حمراء بلون الدم لإسلام جديد، ومستحدث، وغريب، أظهرت أحداث المسلسل إلى أى مدى اختلف عن الإسلام الذى أنزله الله.. وإلى أى مدى شط هذا الدين عن الإسلام كما أراده الله سبحانه وتعالى لعباده.

مارس الشيخ رمزى فى «القاهرة كابول»، إسلامًا رجعيًا، أصر فيه على الوقوف فى مواجهة الفيزياء الزمنية والاجتماعية، للتعامل مع مجتمعات حديثة، وعصور حديثة، وثقافات هى الأخرى حديثة، بمعادلات زمنية سابقة، وثقافات منتهية، وسوابق تاريخية كثيرٌ منها مشكوك فيها، وكثيرٌ منها ملعوب فى أحداثها.. فى الطريق لاستعادة ما يسمى بالخلافة الإسلامية أكبر الخطايا.. وأشد الآثام.. وجوهر العلل. 

مرة أخرى، لا أحد يعلم على وجه اليقين، من أين أتى أقطاب السلفية الدينية بتلك القدرة والإصرار على التعامل مع دين تقدمى.. بأفكار قديمة بشغف شديد، وإيمان أشد، رغم أن تلك المعادلة لم تتوقف عن وضعهم باستمرار فى مواجهات دائمة مع مجتمعاتهم.

لا أحد يعلم على وجه اليقين، مرة ثالثة، تفاصيل الميكانيكية العقلية المفترضة التى يمر بها هؤلاء، والتى تضعهم فى النهاية فى مواجهة فكرة الوطن باسم الدين، وفى مواجهة مع الإنسانية.. باسم تعاليم الكتب المقدسة؟