الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بركاتــك يــا شـــــاذلى

الشيخ كفيف البصر حامى الحجاج وقاهـــر اللصوص

«فى حميثرة سوف ترى».. بهذه الكلمات أجاب «أبوالحسن الشاذلى»  على خادمه عندما قال له: «استصحب فأسًا وقُفة وحنوطًا»؛ حيث كان يتجه للحج، ولقى حتفه على «جبل حميثرة» بصحراء عيذاب، فى محافظة البحر الأحمر.



 

 «أبوالحسن الشاذلى» واحد من أشهَر مشايخ الصوفية، ينتهى نَسبه من جهة أمّه وأبيه إلى الرسول «ص»، ويقال إنه شقيق والدة الشيخ «إبراهيم الدسوقى»، وُلد عام 571 هـ بقبيلة الأخماس، وإليه تنتسب الطريقة الشاذلىة، تفقّه وتصوّف فى تونس، أطلق عليه مريدوه لقب «قُطب أقطاب التصوف»، وشارك فى الحروب ضد الصليبيين أثناء تواجده فى المنصورة وذهب إلى الإسكندرية ودمنهور ودرس فى مسجد «العطارين».

مما يُروَى عنه أنه فى أحد الأعوام عندما حان موسم الحج انشغلت مصر وجيشها بصد هجمات المعتدين، واعتذر السلطان لأهل مصر عن عدم استطاعته إرسال فرق من جيش مصر تحمى الحجيج ذهابًا وعودة، وأصدر الشيخ العز بن عبدالسلام فتوَى بأنه لا يجوز السفر فى عدم وجود الأمن والجيش، فما كان من الشيخ «أبوالحسن الشاذلى» وكان كفيف البصر إلا أن طلب أن يسافر مع البعثة ليحميها، وفى الطريق تربّص قُطاع الطرُق بقافلة الحجيج،  فكانوا كلما انطلقوا بخيلهم وأسلحتهم نحو القافلة يجدون سورًا عاليًا منصوبًا على القافلة فلا يستطيعون النفاذ منه فعلموا أن الأمر هو كرامة من الله لأحد أوليائه فى المحمل، فسألوا إذا ما كان بين الحجيج رجل صالح، فعرفوا أنه هو «أبوالحسن الشاذلى»، فنادوا من خلف الأسوار مذعنين بالتوبة، وذهب أبوالحسن بالحجيج واللصوص للحج وزيارة الرسول «ص» ورجع بهم إلى مصر، فلما دخل القاهرة استقبله الفقهاء ووزير مصر وقائد جيشها فرأوا المجرمين نُسّاكًا وعُبّادًا لله فوضع الشيخ العز بن عبدالسلام رأسه بين يديَى «أبوالحسن الشاذلى» باكيًا وقال له أنت شيخى يامولانا.

كان «أبوالحسن الشاذلى» يقيم فى الإسكندرية، ويحج كل عام وكانت آخر حجة له فى عام 1259؛ حيث خرج من الإسكندرية على حماره، وسلك طريقًا صعبًا حتى سال الدم من ظهره، وفاضت روحه وهو على جبل «حُميثرة» قبل وصوله إلى مكة بنحو ثلاث ساعات، وتتوافق ذكرى وفاته السنوية مع وقفة عيد الأضحى المبارك، ويحتفل بها الآلاف من مريديه ومحبيه فى قرية «حُميثرة» جنوب مدينة مَرسَى علم بمحافظة البحر الأحمر.

وذكر الرحّالة «ابن بطوطة» فى رحلته أن «الشاذلى» كان يحج كل عام، فلما كان فى آخر سنة خرج فيها، قال لخادمه قبل خروجهما: «استصحب فأسًا وقُفة وحنوطًا، فقال له: لماذا؟ قال: «فى حميثرة سوف ترى»، فلما بلغا حُميثرة اغتسل أبوالحسن الشاذلى، وصلى ركعتين، فقبضه الله فى آخر سجدة، ودُفن هناك عام 656هـ، وتم بناء ضريح له فى القرن التاسع عشر، وتم تجديده فى العصر الحديث، ثم بُنى مسجد كبير يحمل اسمه، فى منتصف القرية التى يقصدها الزوار.

قرية عامرة

ومما يُروَى عن الشاذلى أنه دعا ربه بأن يُدفن فى أرض لم تر معصية ولم يمسَسْها عاصٍ .. فمات فى أرض «حميثرة»؛ حيث دُفن فيها عام 656 هـ.

ومنذ ذلك الوقت حتى الآن تشهد تلك الأرض إقبالًا كبيرًا من جموع الطرُق الصوفية من أنحاء العالم، وتحولت الأرض من صحراء إلى قرية عامرة، بعد دفن «أبوالحسن الشاذلى»، فى أرضها؛ حيث أقيم مسجد مرفق به الضريح الخاص بالشيخ، وأصبح ذلك الضريح قبلة المريدين، الذين يعتبرونه حجة صغرى، لغسل الذنوب وتنقية النفس.

ويبدأ الاحتفال بـ«مولد أبوالحسن الشاذلى» فى 1 من ذى الحجة من كل عام، وينتهى مع أول أيام عيد الأضحى المبارك، ولذلك الاحتفال أجواء خاصة بالطرُق الصوفية. 

فعلى جبل حميثرة يجلس المريدون للدعاء، يطوفون مقام شيخهم المدفون فى القرية، التى حملت اسمه «أبوالحسن الشاذلى»  ويعتبرون السعى والترحال إليه طقسًا من طقوسهم ومعتقداتهم. 

وعلى مدار 9 قرون يحج المتصوفة بالتزامن مع حج البيت الحرام؛ حيث تجد الآلاف من الصوفية يخرجون من مختلف المحافظات لقطع عشرات الأميال إلى «أبوالحسن الشاذلى»، كل منهم لديه دعوة يريد من الله الاستجابة لها من فوق جبل حميثرة بالتزامن مع حجاج جبل عرفات فى مكة المكرمة.

وعلى الطريق الجبلى تسمع الهتافات «شاذلى يا أبوالحسن»، إحنا زوار أبوالحسن».

7 مرّات للحمل!

وطبقًا لطقوس الاحتفال فإن صعود الجبل يأتى عقب زيارة ضريح الشاذلى. فتجد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال جميعهم يصعدون الجبل عبر ثلاثة ممرات غير ممهدة ويستغرق الصعود فوق حميثرة من10 إلى 20 دقيقة. 

فوق حميثرة تجد خلوة الشاذلى التى يعلوها نُصب من عمود حديدى وتحت النصب تجمعات لعشرات السيدات يلتقطن الحصى الصغير فى زجاجات وأكياس؛ حيث يعتقد البعص أن للشيخ كرامة للسيدات اللاتى لا ينجبن بشرط المرور فوقه 7 مرّات داخل مسكن المعيشة، فيما يعتبر البعض أن حصى الجبل له قدرة على الشفاء، ومن طقوس الجبل جمع الصخور ليقوموا بترتيبها فوق بعضها البعض على شكل هرمى للدعاء للحج بمكة المكرمة أو زيارة الشاذلى العام المقبل.

يختم زوار أبوالحسن الشاذلى، احتفالاتهم مع ليلة وقفة حجاج البيت الحرام بجبل عرفات، بطقس معروف للصوفية باسم «كسوة الشيخ»، وهى مسيرة يقودها أهل قرية الشاذلى من قبيلة العبابدة يقومون بالدوران حول جبل حميثرة ومعروف لدى العبابدة بـ «موكب المحمل»، ثم يدخلون الضريح لتغيير كسوة المقام الخضراء بواحدة مثلها، ثم يمزقون القديمة ويحتشدون حولهم للفوز بقطعة مبروكة منها بحسب معتقداتهم!