الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
تجديد الخطاب الحسى

تجديد الخطاب الحسى

هل تفعل الخير لأنك إنسان يُفترض أنك تحمل قلبًا ينبض بمشاعر، وعقلاً يتعاطف مع غيره من بنى البشر؟ أم لأنك موعود بمقابل ربانى وعائد لوديعة الخير يتجاوز 18 فى المائة شهريًا فقط؟ هل تزور المريض لأنك تحبه وتدعمه وتود أن ترفع من حالته المعنوية وتؤازر أفراد أسرته، أم لأنك تبحث عن آلاف الملائكة ليستغفروا لك وييسروا عملية وصولك إلى الجنة ونعيمها فقط؟ هل تتكبد عناء التوجه للصلاة فى المسجد لأنك تبحث عن أجواء روحانية تشارك فيها آخرين التضرع إلى الله ولتؤدى ركنًا من الأركان، أم بحثًا عن إحراز أكبر عدد ممكن من النقاط تتحقق من خلال الخطوات لتشيد قصورًا لنفسك فى الجنة وتمحو الذنوب التى اقترفتها فى حياتك فقط؟ هل تتصدق على من يستحق الصدقة لأنك تضع نفسك وأبناءك مكان المحتاج وتتأذى مشاعرك حين تأكل وغيرك جوعان وتضحك وغيرك بائس وتنام ملء جفنيك وغيرك تمنعه الهموم من النوم أم لتجمع المزيد من النقاط لبطاقة الثواب بحثًا بالضرورة عن مقابل فى الدنيا والآخرة لعملك الطيب فقط؟ هل مفهومك عن الجنة يقتصر فقط على حور العين بالغات البهاء شديدات «البياض» واسعات الأعين، بالإضافة إلى الخمر وأطيب الطعام وغيرها من ممتعات مفهوم الدنيا فقط أم أنك تهفو وتشتاق للجنة حيث الراحة النفسية والصفاء الذهنى والسمو الروحى والنقاء الروحانى؟ قبل فرض الرقابة على محتوى خطبة يوم الجمعة حتى لا يحيد أحدهم فيجنح إلى خطاب كراهية هنا أو نبرة تهديد ووعيد هناك، هل أعطيت نفسك فرصة تفكر قبل أن تردد «آمين» على فقرة الدعاء على «اليهود والنصارى» والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى لنهزمهم ونسبى نساءهم ونأخذ حلالهم غنائم لنا عن وضع الهندوس والبوذيين والسيخ والطاويين والكوفوشيسيين واليانيين والزوتشيين والزرداتشيين والجاينيين ومتبعى الديانات الشعبية الصينية والأفريقية التقليدية وأعدادهم تقدر بملايين كثيرة؟ هل فكرت لحظة أنه فى حال استجاب الله سبحانه وتعالى وهزمت وسبيت واغتنمت غنائم أتباع الديانتين السماويتين الأخريين ستجد نفسك وحدك فى مواجهة مئات الأديان الأخرى التى لم يخبرك بها مردد الدعاء وعلى الأرجح لا يعرفها من الأصل؟



غاية القول هو أن تطهير الخطاب الدينى ليس عملية كيميائية تضاف فيها مواد من شأنها إزالة ما لحق بالدين من شوائب. كما أنها ليست قرارًا يتم اتخاذه، وإجراءات يتم سنها، ولجان تراقب وأخرى تتأكد من التنفيذ. تطهير الخطاب يحتاج تحرر العقل من ضيق الأفق وعبودية واستحكام إغلاق دائرة الاجتهاد.

تطهير الخطاب يحتاج قليلًا من التفكير الشخصى وكثيرًا من الاختيار الفردى. هل أحب اعتناق نسخة مادية بحتة من الدين لا أقوم فيها بعمل إلا بمقابل، ولا أخطو خطوة إلا بنقاط تضاف إلى رصيدى فقط، أم أضيف لحاجاتى المادية البشرية زاوية روحانية تغلب كفة الإنسان الذى يخطئ أحيانًا، لكن فطرته تخبره أن التقويم عليه حق، وأن تحقيق معادلة بين كل ما هو حسى مادى وكل ما هو روحانى معنوى واجب من واجبات الإنسانية.