الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كـلام عـن  معارضة «علــى مـا تفـرج»

كـلام عـن معارضة «علــى مـا تفـرج»

فى الإسماعيلية الأسبوع الماضى تكلم الرئيس السيسي عن المعارضة فى جملتين ليت الرئيس قال مزيدًا من الكلام. ليته زاد فأشفى غليل الشارع من نتوءات فى جسد الدولة خلال العشرين والثلاثين عامًا الأخيرة، ممن لبسوا هدوم المعارضة، ولبسوا ملابس المثقفين، وارتدوا بدلات النخبة.. ثم ظهر أنهم لا هم نخبة ولا يحزنون. 



للمعارضة مع المصريين آثام وخطايا، انتهت بأن حمل المحسوبون عليها الإخوان لكرسى الحكم من فيرومونت بعد 2011.. وبقناعات تامة فى التغيير! 

من قال إن الإدارة فى مصر تضيق بالمعارضة؟ هذا الكلام ليس منصفًا.. ولا  صحيحًا، لكن الصحيح أن التكتلات النخبوية المحسوبة على المعارضة، هى التي انغلقت على نفسها، بآراء هدامة، وحملات ممنهجة للهجوم لمجرد الهجوم، فحاولوا قلب الحقائق، وحاولوا اللعب بالمفردات، دون صدى حقيقى فى الشارع، ودون مشاريع حقيقية للطرح، ودون قدرات فعلية للمشاركة فى الإصلاح..  لذلك ليس من الإنصاف تسميتها معارضة من الأساس. 

لابد للمعارضة الحقيقية فى أى نظام سياسى من مشاريع قابلة للتحقيق على أرض الواقع. المعارضة مشاركة، ليست مغالبة. وفى النظم السياسية يبقى للمعارضة الحقيقية وجهات نظر مبنية على بيانات وقائمة على دراسات سهل نزولها على أرض الواقع.. وسهل إنجازها بعد إنزالها على الأرض للتطبيق. 

المعارضة ليست «كوميكسات»على فيس بوك، ولا هى شعارات عنترية، و «كلام مزوق» فى جلسات جماعية على مقاهى وسط البلد.. يتنابذون فيها بالألقاب.. ويمارسون فيها التلاعب بالكلام.. ويبتكرون فيها الشعارات المزيفة.. ويشككون فيها فى الدولة وفى  الإنجازات.. فيقلبون الحقائق.. ويدمنون التخرصات..  ودمتم. 

(1) 

كانت 2011 فتنة وقى الله شرها. 

لا شك أن فصائل ما يسمى بالمعارضة ورموزها كانوا الباب الأول الذي انفتح على مصراعيه لـ«غول» الفوضى. كان اختبارًا حقيقيًا لقدرة محسوبين على تيارات المعارضة على التعامل مع الواقع. 

لكن الذي حدث، أن لعبت التيارات المحسوبة على المعارضة بالشارع قبل أن تلعب بالدولة. 

قبل 2011 دعت فصائل ما يسمى بالمعارضة للتغيير.. لكن فجأة اكتشف المصريون أن ما دعت إليه أحزاب التغيير، كان يعنى وصول الإخوان للحكم.. بعد 2011! 

كان دليلاً وقتها على أن أغلب تيارات المحسوبين على المعارضة، لم يكونوا أكثر من تيارات نخبوية غائبة عن الواقع.. وعن الأرض (مع افتراض حسن النوايا). 

الثابت، وبالشواهد، والوقائع، والإثباتات أنه لم يكن لأغلب المحسوبين على المعارضة خلال السنوات العشرين الماضية أفكارحقيقية ممكن أن تصمد أمام اختبارات الواقع..  وملمات الزمن والسياسة. 

فلم تكن  النخبة المعارضة، تتقن إلا الكلام دون دراية، ولم تكن تحسن إلا اللغو دون تقديرات للنتائج . لذلك ساهمت تلك التيارات فى الإتيان بالإخوان بعد 2011.. وكانت هى التيارات نفسها التي خرجت بعدها مع المصريين إلى الشارع تطالب جيش مصر بحماية البلد من الإخوان!!

كان تناقضًا دالًا على أن بنية المعارضة تبعنا مشوهة. وكان تناقضًا يعنى أن المحسوبين على المعارضة  تبعنا (وبافتراض حسن النوايا مرة أخرى ) لا يتقنون إلا الأفكار الهلامية.. وكلام ابن عم حديث.

وكان يعنى أن أغلب المحسوبين على النخب السياسية تبعنا لا يعرفون إلا المغامرات، ونحت الشعارات، بينما الدول لا تقوم بالمغامرات.. ولا تبدأ الدول الطريق للمستقبل.. بالشعارات. 

كثيرًا ما تكون الشعارات الطريق إلى الهاوية، وغالبًا ما يكون الكلام المزوق بدايات الطريق لسكة اللى يروح ما يرجعش! 

لا جدال أن المحسوبين على المعارضة تبعنا بعافية . ولا جدال أن الهزات التي ألمت بالبلاد والعباد فى 2011 كان المحسوبون على المعارضة على ما تفرج أحد أهم أسبابها.. لذلك سرعان ما اكتشف الشارع..أنهم لا هم معارضة.. ولا يحزنون. 

 

الرئيس يتفقد مشروعات العاصمة الإدارية
الرئيس يتفقد مشروعات العاصمة الإدارية

 

(2) 

لا تصنع الأنظمة السياسة معارضتها، إنما تفرض المعارضة نفسها على الأرض بموجبات العمل السياسى الحقيقى، والأصداء فى الشارع . 

الأصل فى بنية المعارضة الحقيقية أنها تكتلات حزبية منظمة البنيان، تبقى على يسار الإدارة ببدائل مدروسة للمشكلات، وبحلول علمية قابلة للتحقيق للعبور من الأزمات على أرض الواقع. 

لكن الواضح، أننا لدينا خللا فى بنيوية المعارضة بالمفهوم الصحيح للمصطلح على الأرض. 

مثال: فترات ما قبل 2011 تحجج محسوبون على المعارضة بكبت الرأى، ومصادرة الحريات. تحجج بموزهم وقتها بالأسوار العالية المرفوعة تضييقًا على الأحزاب السياسية.. وتحركاتها. 

بعد 2011 جرت فى النهر مياه كثيرة، فى فرص ذهبية  متاحة للظهور، والتفاعل، وتطبيق السياسات وطرح الرؤى  لو كان للمعارضة إياها برامج حقيقية، ولو كان لدى الرموز إياها أفكار واقعية وحلول.. للعبور لبر الأمان . 

لم يتحقق لا هذا ولا ذاك. لم يلمس الشارع إلا استمرار الكلام المزوق، والشعارات الملفوفة فى أكياس بلاستيك ملونة. 

الفترة من 2011 - 2014 كانت دليلاً واضحًا على غياب المفهوم الحقيقى للمعارضة، فى أوساط المحسوبين على المعارضة. 

فقد تأسست الأحزاب بالعشرات، وتشكلت الهيئات العليا للأحزاب بالمئات، وتداخلت الكيانات الحزبية، وعقدوا الاندماجات والائتلافات.. فى عملية واسعة من ضجيج بلا طحين.. ثم جاءوا بالإخوان! 

منذ ستينات القرن الماضى، وأغلب تيارات المعارضة محسوبة على اليسار، بأيديولوجية مختلفة ومخالفة لأيديولوجيات فصائل الإسلام السياسى باتجاهاتهم وتنوعاتهم. 

لكن المفاجأة أنه فى عام 2012 إن كانت النتيجة هى تحالف المحسوبين على  اليسار.. مع الإخوان!

تحليل مضمون تحالف من هذا النوع له أكثر من دلالة، أولها كم الهشاشة التي تتصف بها بنيوية  تيارات محسوبة على المعارضة، وتخرصات نخبة وضعت نفسها أعلى سلالم العملية السياسية، بلا رؤية، وبلا قدرة على طرح بدائل، وبلا حتى قدرة على تمييز نفسها عن باقى الأيديولوجيات المحيطة! 

(3) 

لما خرج ما يسمى بنخب المعارضة فى 2011 مطالبين بالتغيير، اتضح فيما بعد أنه لم يكن لديهم رؤية حقيقية واضحة عن معنى التغيير. 

ولما تحالفت أغلب قوى المعارضة (المحسوبين على اليسار) وقتها مع الإخوان، بدا أنه (بافتراض حسن النوايا مرة ثالثة )  لم يكن لديهم أدنى فكرة حقيقية أو واقعية عن معنى التحالف مع الإخوان! 

أكثر ما عهدناه من رموز المعارضة، منذ 2011 للآن، هو العداء الشديد  لفكرة الدولة، مع إن الأصل أن أول منطلقات  المعارضة الوطنية هى الحفاظ على الدولة، وتثبيت دعائمها، وترسيخ قدراتها على التنمية والاستقرار. 

من قال إن المعارضة يعنى السير وجوبًا وراء هوجات التشكيك، ودعم محاولات تشويه المنجزات، وإدمان الضرب تحت الحزام بالشائعات والتخرصات.. وغمز ولمز فى الفاضى؟ 

من قال إن المعارضة هى  الكلام للكلام ؟ من قال إن المعارضة مرادف للوع بأحاديث التنظر فى السياسة، والمكابرة فى غض الطرف عن قفزات البلد على مسار التنمية والبناء.. واستعادة المكان والمكانة؟ 

من قال إن المعارضة  مجرد  بوستات على فيس بوك، بكلام قبيح، وقلة أدب؟  أو أن المعارضة يعنى  بث أجزاء من أحاديث الهلفوت معتز مطر، أو أى هلفوت آخر؟ من قال إن المعارضة تعنى  مشاركة يومية لمقاطع من برامج على قنوات ممولة على توتير؟ 

فى إدارة الدول هناك فروق جوهرية بين موجبات «المعارضة»،  وبين أساليب «المكايدة». 

لا تبنى الدول بالكلام الفارغ.. ولا بمكايدات مدعى الفهم. لا تقوم وتسترد الدول عافيتها بأحاديث مدمنى الكلام الهلامى عن المفروض والمطلوب والضرورى. 

يبنى عبدالفتاح السيسي مصر بالفعل والعمل.. تحقق مصر الدولة قفزات على مسارات واسعة، بمساحات عبور غير مسبوقة.. بينما هناك من لا يعرفون إلا ركوب التريند على مواقع التواصل بكلام فارغ.