الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تفاصيل خاصة من حياة إرادة فولاذية مدربة باليه مائى على كرسى متحرك!

 لا يسعك وأنت تسمع غناءها عند دخولك القاعة فى دار الأوبرا المصرية، إلا أن تطير روحك لتلمس عنان السماء .. صوت قوى بعذوبة، سلس يتغلغل فى وجدانك ثم يُرجعك إلى أرض الواقع دوى التصفيق الحاد من الجمهور.



 

إنها نانسى عاطف، شابة فى منتصف الثلاثينيات من عمرها من فوق كرسيها المتحرك بسمارها المصرى المميَّز وملامحها الفرعونية الأصيلة تغنى من القلب إلى القلب بكل سعادة وأمل، مما أهّلها للحصول على المركز الأول فى مهرجان الموسيقى العربية . 

لدى «نانسى» عدة مواهب، فهى أول مدربة باليه مائى فى الشرق الأوسط من فوق الكرسى المتحرك، وقصتها خليط من الإحباطات والنجاحات، كل سطر من سطور حياتها فى حاجة للتأمُّل.

المرض والتحدى

بابتسامة رقيقة وبكل رضا وثقة فى نفسها، تحكى نانسى عاطف قصتها قائلة:  «طول عمرى رياضية أعشق الباليه المائى بعد الثانوية العامة اخترت كلية التربية الرياضية، وبعد الكلية اشتغلت مدربة باليه مائى فى نادى الزمالك ثم  اتخطبت وكنت  على أعتاب الجواز.

وفى يوم بعد انتهاء تمرينى شعرت بعجزى عن الوقوف اتصدمت وخفت وبكيت، ماما هدأتنى، خاصة أنى مشيت بعدها، ثم تكرر الموقف وأصبحت أقع  فى الشارع، لم أترك طبيبًا فى مصر لم أذهب له وللآن ليس عندى أى تشخيص دقيق أو علاج لحالتى، اتدمرت نفسيًا  تركت شغلى سنة قعدت مبخرجش من البيت ماما وقفت وقفة وقالت: «غصب عنك هجيبلك كرسى وهتنزلى».

من هنا التقطت والدة نانسى أطراف الحديث وقالت: «طول حياتها معروفة بالفراشة كان سكان العمارة مسمينها كده لأنها «مابتركبش الأسانسير، وتنزل طايرة زى الفراشة كل درجة خمس سلمات سوا».. لما اتخطبت جهزنا كل حاجة فى الشقة  وفجأة لقيتها مش قادرة تمشى بدأنا رحلة علاج كنت مصدومة بس مش قادرة أبين لها، أصبح أخواتها الأصغر بيشيلوها ويلبسوها ويسرحولها شعرها وكنت منهارة وأخفى مشاعرى، لجأنا لأكبر دكاترة فى مصر مخ وأعصاب كل واحد يكتب علاج أقوى مما قبله إلى أن وصلنا لدكتور قال:بنتك دى حالة منتهية فاضلها عضلة القلب وتنتهى، بنتك رايحة رايحة مش هتفرق احنا بنلعب قمار وبنغامر بالكورتيزون. نانسى كانت تنام متخشبة فى وضع الجنين لو فضلت يومين متتقلبش لازم أنا أقلبها، ذهبنا لدكتور ممتاز وقال دا التهاب الأعصاب الطرفية .. لكن «ميعملش كدا» طيب إيه الحل؟! قال «لا شىء أوقفوا الدوا»، كنت أبكى عندما أنزل للبحث عن كرسى لها بدل ما أشترى لها جهاز فرحها.

أقنعت نفسى وأقنعتها باستعمال الكرسى للخروج  بدأت معاها خطوة خطوة وبعدين التمرين فى نادى الزمالك كان من المفترض أن تتعرض رجلها للضمور كغيرها من نفس الحالة إلا أن نانسى تستطيع أن  تسند نفسها وتركب التاكسى  وتتقلب  على السرير، وأصبحت تساعد نفسها فى اللبس والذهاب للعمل   وتغيرت حياتها.. اليوم أرى فى عينيها لمعة مكانتش فى عينيها قبل حتى ما تقعد على الكرسى، نظرة الثقة والفخر والفرحة عندما تحصل على جائزة فى الغنا أو عندما يفوز  فريق من الفرق الرياضية للمؤسسة».

بداية التغيير

كشفت «نانسى»عن نقطة التحول الفاصلة فى حياتها، قائلة: «مرة كنت على الكرسى مع ماما رآنا شخص  فلف بسيارته وركن ونزل وقال  أنا دكتور فى مؤسسة تخدم مستخدمى الكراسى المتحركة ادخلى على موقع المؤسسة وشوفى ودخلت وشوفت وماكنتش متخيلة ناس مثلى على الكراسى بيلعبوا ويخرجوا ويتفسحوا قلت هما أحسن منى فى ايه؟! بعتلهم بخصوص كرسى يصمم حسب ظروف كل مريض بمواصفات طبية عالية الدقة وأنا فى المؤسسة قابلتنى رئيسة أمناء المؤسسة دردشت معى وأقنعتنى بعمل انترڤيو للعمل فى المؤسسة!».

بعد أيام وافقوا وأصبح عملى يوميًا من 9-5   وكانت النقلة.

أول مرة أنزل لوحدى بعد الإصابة، فتحت باب الشقة ونزلت ووقف تاكسى  وركبت التاكسى دون أن أدرى كيف! أول ما وصلت وقعدت على الكرسى فى عملى الجديد قلت «أشهد أن لا إله إلا الله».

أمام الرئيس

بدأت نانسى من مؤسسة الحسن التى عملت بها كمسئولة عن مشروع «الفنون والرياضة» وأنشأت فرق سباحة ورفع الأثقال والكاراتيه وألعاب قوى محققين أكثر من حوالى 250 ميدالية متنوعة، وأخدنا كأس مصر فى رفع الأثقال، وأعضاء من المؤسسة التحقوا بمنتخب تنس الطاولة، وانضمت إحدى العضوات لمنتخب الكاراتيه للمشاركة فى بطولة العالم.

وتابعت: ثم فكرت أعمل فريق للغناء أختى صبا أستاذها عنده فرقة موسيقية فأخذت تليفونه وكلمته ورحب بالفكرة، وكانت فكرتى أن الفرقة لا تقتصر على مستخدمى الكراسى المتحركة فقط، حضرت البروڤات مع الشباب والمايسترو، ومع أنى خجولة شاءت الصدفة أن أدندن  أمام  المايسترو فقال: سمعينى كده وأعجب بصوتى وبعد ما كنت بحضر البروفات كمسئولة أصبحت معهم فى الفريق.

شاركنا بعد خمسة شهور من التمرين فى حفلة فى ساقية الصاوى وتغلبت على خجلى أمام الجمهور «ماكنتش أتخيل إنى أغنى قدام الناس وأكون بالسعادة دى ماكنتش أعرف أنى أملك موهبة مميزة اكتشفتها بعد كل العمر دا», ودخلت فى 2019 مسابقة المواهب الذهبية ودى كانت أول مسابقة أشارك فيها وأخذت المركز الثالث، وعلمنا فى المؤسسة باختبارات لحفلة قادرون باختلاف بحضور الرئيس السيسى ونجحت فى الاختبار ويوم الحفلة  «ركبى كانت  بتخبط فى بعض» بغنى قدام رئيس الجمهورية! حسيت بالفخر وسيادة الرئيس السيسى بيصقف لى وبيحيينى..».

أسرة من ذهب

نانسى ليست هى بطلة قصتها الوحيدة، فلولا والدتها لم تكن لتستعيد توازنها وتكتشف نفسها من جديد كذلك أخوات نانسى أدهم وصبا الأخت الصغرى خريجة كلية طب أسنان.

 تقول صبا: «نانسى كانت أمنا الثانية فكان الموضوع صعب لما تعبت؛ كنت متعودة أشوفها نشيطة وفجأة وجدتها مش عارفة تعمل حاجة لنفسها إلى أن وضعت ماما حدا لكل  هذا وقالت لازم ترجع شغلها ونجيب لها كرسى.

تواجه «نانسى» يوميًا عددًا من التحديات منذ استيقاظها من النوم، إلى عودتها من العمل لبيتها، أول هذه التحديات هى الكراسى المتحركة نفسها، فكل كراسى المستشفيات تسبب إعاقات، إضافة إلى المعاناة التى يعانى منها الجالس على الكرسى من تشوهات فى الضهر والعمود الفقرى.

من بين الصعوبات أيضًا طلبها يوميًا من سائقى التاكسى، مساعدتها فى وضع «الكرسى المتحرك» فى السيارة أثناء الذهاب للعمل.

وتوضح «نانسى» أن الدخل المادى لذوى الهمم ومن مثلها ربما لا  يسمح بركوب تاكسيات  وأن الحل فى المترو موضحة أنه: «للأسف المترو به كم مهول من السلالم  وكذلك القطار عندما سافرت مع أصدقائى وزملائى من مستخدمى الكراسى «اتشالنا» للركوب صحيح الناس متعاونة وتساعدنا بدون حتى أن نطلب لكن ليه «نتشال»؟!

وتحكى مرة وقعت على ضهرى فى الشارع أنا ضحكت على نفسى وأخذتها بهزار ممكن حد غيرى يبكى من هذا الموقف.

وتضيف نانسى: مشكلة أخرى فى بعض من أقابلهم بالشارع أجد الحسرة فى عيونهم والمصمصة على شفاههم مرة واحدة كبيرة سناً قالت: «يا عينى يا بنتى» ربنا ما يحكم علينا»! وكأن مستخدم الكرسى عاجز محتاج إنسان معه كظله ليقوم بكل شىء له! نفسى الناس تفهم أن فيه ناس على كراسى متحركة عايشة حياتها وأيضاً قد تكون أُسرهم هى التى تعتمد عليهم». 

 تقول «نانسى»: «الكرسى خلانى أكتشف حاجات عن نفسى مكنتش عارفاها مكنتش هعملها وأنا ماشية على رجلى».