السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«الأفـورة».. أسـلـوب حـيـاة؟!

الحياة تختلف يومًا بعد يوم، قد يبدو الأمر طبيعيًا أننا نتغير لمواكبة التطور حولنا، ولكن للأسف لم يتشبث الجميع بتلك المبادئ والمعتقدات التى تربينا عليها، فالمجتمع المصرى سابقًا كان بسيطًا بطبعه، حتى تلك الأمثلة التى كنا نضرب بها كانت تشير إلى ذلك «لقمة هنية تكفى 100، مد لحافك على قد رجليك» وغيرها من الأمثلة التى كانت تشير إلى البساطة التى نفتقدها اليوم فى حياتنا، وأسلوب المعيشة.



جميعًا اليوم تحت مظلة «الأفورة» أى المبالغة فى كل شىء، فى الأحزان والشكوى، أصبحنا شكاءين بكاءين، فى الفرح، حتى فى نمط المعيشة، وكأن الحياة أصبحت ساحة للمزايدة، فإذا تزوجت فلانة فى قاعة بفندق ما، لا بد صديقتها أو قريبتها تزايد ويكون فرحها فى قاعة أكبر أو أفخم، إذا أحضرت الأولى مطربًا، تحضر الثانية مطربًا وراقصة، إذا كان الفرح بخروف واحد، الفرح الآخر لا بد أن يكون خروفين وديك رومى.

«الأفورة» وصلت التعليم، أصبحنا نزايد، ابن فلان فى مدرسة أمريكية قد لا يقوى الأب أصلًا على نطق اسم المدرسة لمجرد أن زميله أو أحد أفراد العائلة ابنه يدرس فى مدرسة ألمانية، وقس على ذلك كل شىء، فلان اشترى سيارة، إذن لا بد أن تكون أفضل منه بسيارة أفخم، فلان يستخدم «موبايل» فلا بد أن يستخدم ابنى «موبايل» أفضل، وحتى فى الهدايا التى نهادى بعضنا بها فى الأفراح أو فى حفلات المواليد كلنا أصبحنا نزايد على بعضنا البعض فى كل شىء حتى فى الشكوى، إذا ذهبت لأشتكى الأحوال مع أحد الأهل أو الأصدقاء لم يصبح هناك مستمع بل لا بد المستمع أن يحشر أنفه مزايدًا على أوجاعك وآلامك ليوضح أنه فى معاناة أكبر منك.

أصبح الأمر مريبًا حَدّ أن المزايدة وصلت سرادق العزاء، بداية من عدد قراء القرآن وشهرتهم، مرورًا بمساحة القاعة وما يتم توزيعه على الحضور من مصاحف أو سبح وأنواع المشروبات المقدمة وقد تجد على كل طاولة علبة سجائر مستوردة. 

الدكتورة سامية قدرى، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أشارت إلى أنه فى أواخر القرن العشرين زادت الثقافة الاستهلاكية، باستهلاك المشاعر، العادات، التقاليد وغيرها، مع رياح العولمة ونشر الثقافة الأمريكية، بسبب الإعلام والسوشيال ميديا وقنوات يوتيوب، وتحولنا إلى مجتمع استهلاكى بحت، كما دخلت علينا أنماط علاقات مختلفة بين البشر وتفكير مختلف.

وتابعت قدري: قديمًا كان المثل السائد عند الزواج «خدها زى أمك وأختك وإن طلعت حلوة ده من بختك»، أما اليوم اختلفت تمامًا معايير اختيار شريكة الحياة وأصبحت لها مقومات مختلفة تمامًا عن تلك التى كان يبحث عنها الشاب قديمًا، وارتفاع سقف الطموحات ما أدى إلى عدم استمرار الزيجات وارتفاع نسب طلاق الزواج حديث العهد ونسب الطلاق المفاجئ. 

وأكدت أن العولمة كانت سبب المبالغة والمزايدة والإضراب عن كل ما كنا نفعله سابقًا، الأكل البسيط التقليدى أصبحنا نهجره مثل العدس، البصارة، الطعمية والفول، وأصبح نمط الأكل السريع هو السائد فى حياتنا ونتوجه إليه بسبب سهولة الحصول عليه فى كل مكان وأى وقت، حتى إذا كانت تكلفته فوق مقدرتنا المادية، وأصبح العالم يداعب غرائز البشر كل يوم على السوشيال ميديا فالمعروض كثير جدًا من أنواع الأكل، الملابس، السلع وغيرها، وبالطبع مهما كانت مستوياتنا المادية فكرة مداعبة الغرائز لدى البشر تجعلنا نتخطى فكرة الدخل المحدد، ونبدأ بالإسراف بشكل كبير حتى اضطررنا إلى القروض، جمعيات أو السلف كل حسب مستواه الاجتماعى،الاقتصادى والثقافى.

وأوضحت، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أننا تحت طائلة نمط التقليد الأعمى معتقدين أن ذلك هو السبيل لنحسن، فلا بد أن نمسك أحدث موبايل ونركب أحدث سيارة، ونجعل أبناءنا يدرسون فى أغلى المدارس لمجرد أن اسم المدرسة أصبح كعلامة تجارية، ناهيك عن شراء الملابس من أرقى العلامات التجارية وإقامة الأفراح والاحتفالات فى أغلى القاعات، وللأسف من لا يملك المال أو السلف للتباهى والمزايدة ولا يستطيع الاستهلاك والشراء بنفس قدر غيره فيلجأ للكذب لأن الكلام ليس عليه ضريبة أو أموال مدفوعة، فمن لا يملك قدرة الشراء يملك قدرة الكلام فأصبح حتى كلامنا به مزايدات حتى وإن لم تكن حقيقية لزوم الوجاهة الاجتماعية، سبب المبالغة والتعامل مع الأفورة كأسلوب حياة هو زيادة الثقافة الاستهلاكية. 

الدكتور شيرين شوقى، أستاذة علم النفس واستشارى أسرى، أوضحت أن فرض الواقع ونمطية المجتمع فى الاستهلاك جعل سلوكيًا كل الأفراد يطمحون للأفضل ويركضون وراء المظهر الاجتماعى وتحسين تلك الأوضاع حتى وإن لم يكن بمقدورهم ماديًا يسعون لتحقيق ذلك بالديون والقروض وأضعف الإيمان بالجمعيات.

شوقى اعتبرت أن المبالغة والمزايدة فى الشكوى تأتى من الحكمة القديمة التى تقول إن الشكوى بـ100 رقوة، أى أن الشكوى تحميك من الحسد وقدرتها على حمايتك من الحسد أكبر من مفعول الرقية الشرعية. 

أستاذة علم النفس، قالت إن الأشخاص الذين يزايدون عليك فى الشكوى إذا تقدمت إليهم بشكوتك، لهم 3 تصنيفات نفسية، بعضهم يشكى ويزايد عليك لمجرد أنه يحصن نفسه من الحسد، فإذا كان بك سوء وتشكى همك فيريد أن يوصلك رسالة أن أوضاعى أسوأ منك، فإذا اشتكيت من مرض يزايد عليك بأمراض وأوجاع قد لا تكن فيه، وإذا اشتكيت لضيق الحال يزايد عليك وهكذا يظل يزايد عليك فى الشكوى حتى لا يعطى لك أى فرصة أن تطلب مساعدته أو تحسده على النعمة التى فى يده وهذا الأسلوب أصبح متبعًا لدى كثير من الأشخاص، أصبحنا لا نسمع بعضنا البعض، ولا نجد ذاك الشخص الذى يهون علينا مشاكلنا. 

وهناك نوع آخر يشكو لأن لديه حقًا مشكلة حقيقية، ولكنه أضعف من أن يستطيع حلها بمفرده، فيود استشارة شخص ما لحل تلك المشكلة، أما النوع الأخير هم الشكاءون البكاءون الذين دائمًا لا ينظرون إلا لسلبيات الحياة ويعظمونها فلا تخلو جلسه معهم إلا بكم من الشكاوى، فأصبحنا نبالغ فى الشكوى، وأصبحت كل التجمعات مع الأهل أو الأصدقاء بها شكاوى وكأننا فى مزاد من المتضرر أكثر؟.