الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ورحل قائد معركة الوعى

ورحل قائد معركة الوعى

يعتقد كثيرون أن معركة الوعى أقل كثيرًا من معارك أخرى تخوضها الدولة المصرية فى مواجهة أعداء الوطن فى الداخل والخارج، ويقصرون الدور على العسكريين من رجالات الجيش والشرطة، وإن كان دورهم بطوليًا تشهد عليه صفحات التاريخ التى تُسطر يومًا بعد يوم،إلا أن هناك معارك أخرى تجابه من قبل بعض أطراف معنية بالقضية،قد يكون دورهم متواريًا،ولم يأخذ حقه من الاهتمام رغم أهميته القصوى،فلا يوجد دحض للإرهاب بالقوات العسكرية والأسلحة الصلبة وحدها؛ وإنما سلاح الوعى هو الأهم والأخطر دائمًا،لذا كان صاحب القلم النابض وحيد حامد أحد فرسان الكلمة حين امتطى جواده عابرًا المسافات خلال رحلة عطاء سطَّرت حروفًا من نور فى مواجهة الظلام والتطرف والإرهاب،ولم يقتصر عند هذا الحد وإنما ألقى بظلاله على بؤر فساد تستحق المحاسبة فكان بمثابة صوت العقل وروح الضمير.



مواقفه الإنسانية النبيلة،وأدواره الوطنية سابقة عصره فعاش مفكرًا وناقدًا لكل مستجدات الراهن، فيلسوفًا فى طرحه،زادًا وجدانيًا لأجيال رسخ فيها قيم الصدق،والمكاشفة،كما أعلن عن أصل الإبداع الذى نقش أبجدياته على مدار نصف قرن لم يترك عرش الكتابة،وإنما ظل مناضلًا جسورًا أدار معركته ببراعة واقتدار، وزينت أعماله تاريخ الدراما المصرية والعربية،ولن أبالغ بإقرارى أنه نسج خيوط الوعى حول جيل فقد الكثير من معايير الإدراك لمخططات أفسدت حياتنا السياسية وترتيباتها الاجتماعية التى حلت علينا؛ بل تنبأ ورسخ لأفكار حصَّنت الملايين من الشباب المغيب الذى قد تطاله أيادى العبث الخارجية أو أذنابهم المصريين،لكن بحكمته أوقع شباكه فشكل وجدان أمة قبل أن تدنو من الهاوية فدق نواقيس الخطر لحال وطن ومقدراته أوشكت على المثول فى براثن الفتن والظلامية فكادت تودى به لولا ضرباته الاستباقية للتعافى من الجهل فكان يوجه سلاحه الأشرس فى مجابهة هؤلاء لاعبًا دورًا غاية فى الأهمية للدفاع عن الأمن القومى.

وتؤكد لنا المحطة الأخيرة من حياة وحيد حامد بانتقاله من دنيانا الزائفة لدار الحق،أن المجتمع المصرى ينتقى الجيد من الرديء، وأن قرون الاستشعار لاتزال بخير،رغم تدنى المستوى الفنى والإبداعى على الساحة،لأن عملية التقييم أفرزت هذا الحب فى مشهد الوداع والذى استهله البطل ليس فى لحظة الفراق وإنما أثناء تكريمه بمهرجان السينما،فيعكس أهمية التكريم فى حياة الشخص قبل فوات الأوان،ثم مظاهرة الحب عبر وسائل التواصل الاجتماعى التى تنعى خسارتنا لقيمته الفنية والإنسانية،فبرحيله فقد العالم العربى بأكمله واحدًا من أهم المؤلفين وكُتّاب السيناريو تاركًا فراغًا لن يعوض،عزاؤنا أنه فى موقع أفضل يستحقه ولكن بكل تأكيد ليس هناك ما يضمد جرح فراقه الغائر. وتحية لجندى معلوم أشهر سلاحه فى مواقعة الأعداء فى معركة الوعى الشرسة.