الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الوادى الجديد.. يناديكم

كثيرًا ما أردد عن قناعة بأهمية أن نسافر داخل بلدنا مصر قبل أن نخرج للسياحة خارجها، وكنت أعتقد أننى سافرت مصر من شرقها لغربها ولم ألتفت أننى نسيت جزءًا غاليًا من أرض مصر لم أزره هو محافظة الوادى الجديد التى تضم ثلاث واحات هى: (الخارجة، الداخلة، الفرافرة) وهى خمسة مراكز إدارية هى مركز الخارجة (وهى عاصمة المحافظة)، مركز الداخلة، مركز الفرافرة، مركز باريس، ومركز بلاط.



 

ثمانى ساعات بالأتوبيس المكيف مع الوقوف فى استراحتين هى المدة اللازمة للوصول من القاهرة إلى الأرض البكر المليئة بالطاقة الإيجابية، النخل، مياه الآبار، الوجوه الطيبة، الفن والفنانين هذه هى الواحات الخارجة عاصمة الوادى الجديد، التى دعتنى لزيارتها ابنة الوادى، وسفيرة الواحات سميرة شوقى التى تعشق أرض أجدادها وتدعو عُشَّاق السياحة لزيارة أرض بلادها البديعة.

أرض الفنانين

حين تطأ قدماك أرض الوادى ستشعر هيبةً ورهبةً ونقاءً وصفاءً ورغبةً قويةً فى الإبداع، وربما هذا ما يفسر انتشار الفن والفنانين، فمنذ الجولة الأولى لا بُد أن تلاحظ جداريات بالرسم البديع منتشرة فى أغلب شواع مدينة الخارجة،  رسومات تعكس النخل والبشر والأبواب والبيوت القديمة بألوان بيئية بديعة، فقد لاحظ سيادة محافظ الوادى الجديد اللواء محمد سالمان الزملوط أن جدار بعض البيوت الريفية والزرايب تظهر بشكل غير لائق فى الطريق المؤدى من المطار إلى وسط البلد فكانت فكرته الرائعة برسم هذه الجداريات بلوحات فنية رسمها الفنان عيد جانب الذى يوقع جدارياته بعيد فنان الواحة، وهو فنان تلقائى بديع يعمل نهارًا كمدير لمدرسة ابتدائية، أما الرسم فهو هوايته التى ينميها ويجمل بها البيوت ومصانع البلح وجداريات المدينة الجميلة.

- الرائع أيضًا أن اللواء الزملوط اهتم بعمل ممشى فى كل حى ليتمكن الجميع من ممارسة رياضة المشى وركوب الدراجات أيضًا.

أثناء سيرى بالقرب بالشارع الرئيسى الذى يضم مبنى المحافظة ومكتب هيئة تنشيط السياحة لفت نظرى محل يفتح ذراعيه ومكتوب عليه «ركن السياحة والآثار»، وبمجرد أن وطأت قدماى حتى وجدتنى أمام جاليرى بسيط يضم لوحات لفنان عظيم هو الفنان معوض نافع، لا يقل موهبة وفنًا عن عمالقة الفن التشكيلى العظام أمثال بيكار ومحمود سعيد، وهو قابع فى صومعته يرسم لوحاته بصبر وتأنٍ ينقل أدق تفاصيل حياة بلده وتاريخه ويرسم أفراح وليلة الحنة ولوحات بديعة لفنان ذى طراز رفيع المستوى، وعرفت أنه أقام معارض فنية جماعية بالقاهرة وشهد له كبار الفنانين منهم المبدع بيكار، لكنه لم يستطع أن يغادر أرض الوادى الهادئ إلى زحام القاهرة الطاحنة.

موسم الحصاد 

سافرت فى وقت لم يكن هو موسم حصاد البلح، لكننى استمتعت بالنخل الممتد على مدى البصر، تستطيع أن تمشى فى البلد بمنتهى الراحة فهو نظيف ورخيص السعر، فالتاكسى من مكان لمكان بعشرة جنيهات فقط، وأسعار الأوتيلات معتدلة وكانت إقامتى فى بيت الشباب الذى كان فى غاية النظافة ومنتهى الود من العاملين به، أما السعر للسرير فهو أربعون جنيهًا للغرفة فى الدور الأرضى وخمسون جنيهًا للسرير فى غرفة علوية، وهى المرة الأولى التى أنزل بها فى نزل الشباب، لكن وجدت بها ما يكتب ويقال عن نزل الشباب فى دول العالم من نظافة ونظام ويضاف إليه طيبة أهل الوادى وترحابهم بالغريب، فقد تعاملوا معى بود واحترام وكرم شديد حتى أحضر لى أستاذ طلعت مدير النزل كيسًا به تمر يحتفظون به طازجًا فى الثلاجات حين وجدنى أسأله عن حصاد البلح، وكثيرًا ما كانوا يسمحون لى بشرب الشاى الخاص بهم فى مطعم نزل الشباب.

بئر جناح

تشتهر محافظة الوادى الجديد بآبار المياه الكبريتية التى تخرج من الأرض ساخنة ومحملة بالمعادن الشهيرة باستشفاء آلام العظام والروماتيزم والرطوبة، لذلك فهى مزار علاجى وترفيهى تذهب إليها الأسرة كلها تنزل النساء المياه للتداوى ويلهو الأطفال بين النخيل وفوق الرمال الناعمة، ويأكلون المندى التقليدى ويشربون الشاى على الحطب ويكون يومًا ترفيهيًا كله استجمام.

بالمحافظة عدد من الآبار زرت منها بئر جناح التى تديرها بنت الوادى سميرة شوقى ولأنها من الواحات فهى تدرك جيدًا عظمة هذه الأرض وتعمل على جلب السياح إليها من مصر وجميع الجاليات الأجنبية المقيمين لتكشف لنا عن كنز سياحى جديد فى أرضنا أرض الفراعنة صحراء مصر العريقة، وقد فعلت كما يفعل أهل الوادى نزلت داخل بئر جناح، حيث المياه الكبريتية الساخنة تخرج مندفعة وتملأ الحوض الكبير الذى يشبه حمام السباحة، ننزل به فتقابلك متعة لا مثيل لها، والمياه جارية تسقى الأراضى الزراعية المجاورة للبئر، وتناولت الطعام اللذيذ وشربت الشاى من يد عم ممدوح الذى تعرفت عليه ودعانى على الشاى مع المرافقين، بل قطف لى تمرًا من على نخلاته لم أذق فى جماله، فبلح الواحات فى غاية الروعة.

لم تكن سميرة شوقى هى السيدة الوحيدة التى غيَّرت فكرتى عن سيدات الوادى الجديد فكلهن يعملن ويشغلن مناصب، فقد تعرفت على سيدة فاضلة أخرى هى أزهار سعد التى شغلت منصب رئيس قرية لمدة ١٢ سنة، ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة، وهى شعلة نشاط حكت لى عن عملها، ففهمت أن المجتمع هناك يتقبل عمل المرأة بكل ترحاب.

فى نهاية رحلتى إلى مدينة الخارجة كنت أعد برنامجًا جديدًا لزيارتى القادمة إلى باقى مراكز الوادى من الداخلة، الفرافرة، باريس، وبلاط، وإلى لقاء فى رحلات قادمة عن مصرنا الجميلة.