الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وفى الشتاء حنــان الفـل على الياسـمين

أقترب من حنان البحر، إلى جواره أشعر بالدفء، لا شتاء يقسو علىَّ فى وجود البحر، لا أيام عاصفة وهو يجود بالموجة تلو الموجة فتحلو أيامى يترقرق فى رفق تحت خطو المراكب، يهدهد السفن الواقفة فى مائه كاشفة عن ساقيها أمام عرشه الممرد.



تلقى إليه بهلبها، وتعصب نفسها إلى طوابيه.

 

طوبى للسفن المنتظرة، طوبى للمراكب العاشقة التى تستطيع معه صبرًا، أنتظره دائمًا فيوافينى على الشاطئ.. يأخذ بيدى، يحملنى على موجه الراقص خطوة.. خطوة، أسير على الماء، أخطُ بأناملى على الموج كلمات جديدة، كلمات فرح، يزغرد الموج، يرفع أغاريده إلى السماء.

«رجعت الشتوية».. وعاد لى البحر كعادته دائمًا، بحصانه، بغرته الشهباء، وشفاهه البرتقالية، يذكرنى بأيام الصيف حين توحدنا معًا على قيد خطوات من الرمل، وطعم الشمس فى فمنا، نرفع بأيدينا رايات بيضاء، ونتعانق على موسيقات الهمس والوشوشة.

أهلاً بك دائمًا يا بحر فى ليالى الشتاء وأنت تعود بفناجين من صدف تصب شايك لى، وقهوتك فى فمى، وقشدتك على هرم شفاهى، تلتذ بطعم الملح واللبن، وهاأنا أدور من حولك بمبخرتى.. بمسابحى الزرقاء، بفص خاتمى الأزرق، بحبرى الأزرق وأوراقى البيضاء.

اكتب يا بحر معى عهدنا الجديد، مواثيق الشتاء التى لا يمحوها المطر، اكتب معى يا بحر قصص الحب الجديدة أسماء العشاق الحلوة ناصعة البياض، القبلات المرسلة فى الهواء تخفق كأجنحة فراشات وليدة، أينما وليت وجهك يا بحر فتذكر وجهتى.. أنا التى أقمت على حبك عمرًا، صمت وأفطرت على قطعة «فريسكا» لأظل بجوارك أحيا أهرب السمكات من شباك الصيادين، وأكتب لهن حيوات جديدة، أرى للجنيات وجوهًا أخرى عميقة الود، وآثار سحر أفكه بقبضة من مائك، أرشه فينفك، كن كلهن إنسيات، تعشقنك، اندفعن بشغف نحوك يا بحر، ولم تكن لهن خبرة بالسباحة فى العمق، ولا دُربة فى تجربة الغرق، هاهن يا بحر يأتنسن بك، يلقين بقماقمهن جانبًا، ونفك معًا شرائط القصدير عن أرجلهن الهاربة من خطوها، سنسير فى مظاهرة حب تحت نساء البر، ونساء البحر نرفع على الشواطئ رايات بيضاء، ألق لنا السلم وأطواق النجاة.

«رجعت الشتوية، ضل التفكر فىّ.. ضل افتكر فىّ».

أسائل نفسى دائمًا.. أكلما جاء شتاء ألقى بمعطفى إلى البحر، وأرتدى هذا الثوب من الشبك؟

أكلما جاء شتاء نقضت غزلى، وأعدت تطريزه بلآلئ دمعى، أثبت اللؤلؤة تلو اللؤلؤة حتى تكتحل يا بحر عيناك وتأتى.

أكلما جاء شتاء أحاول أن آكل ثلجه بالشوكة، وأسقيه شغفى بالملعقة؟

يخرج الناس ملابس الشتاء من خزاناتهم ويشكرون حبات النفتالين إذ تدحرج بين طيات القمصان وأكمام الفساتين. يرسلون ظلالهم لأكتافهم لكى تكبر، يرسلون ظلالهم لمعاطفهم فروًا، وصوفًا، فحمًا ورخامًا!

تكبر الظلال وتتضخم، وتخبو حقيقة الأجساد، طعم الرجفة، رعشة العصافير وفى أفواهها سيقان الورد الناحلة، الأعطاف الخاوية، الأطراف المثلوجة الوحيدة.

لكننى أحب ملابس الصيف فى الشتاء، همس الحرير إلى الحرير، دفق الريش وربية على خفق الجناح، حنان الفل على الياسمين فى ليلات البرد فما حاجتى لمعطف، وإلى جوارى البحر؟

أسبح فيه، وبين ضلوعى ألف سمكة عاشقة، وفى حناياى ألف جناح.