الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الفاتحة على روح اتحاد الكتاب

الفاتحة على روح اتحاد الكتاب

من زمان الزمان، وهوية مصر الثقافية محل ترصد وغرض.. والغرض مرض والعياذ بالله. 



أشرس معارك الهوية هى الآتية من الداخل.. الخارج مقدور عليه ومعروف.. لكن الخطر فى أفاعى الداخل، التى ترتدى ملابسنا، وتأكل أكلنا، بينما تحقن سمومها من تحت لتحت.. ويخرج أشخاصها فجأة من مواسير تحت الأرض! 

تعرف الثقافة بأنها الكل المعقد الذى يجمع الفنون واللغة والوعى فى معادلة يخصها الشعر والموسيقى والمسرح والفنون. 

لذلك فالثقافة هوية، والآداب أدب. والهوية فكر تسطره الحروف. وتنوع دلالات الهوية بأفكار ذات دلالات تستوعب عبرات الزمن.. دعمًا لحق المجتمعات فى الطريق للارتقاء. 

فى الحضارات العظيمة (ومصر أولها) شكلت الآداب صفحة من أهم صفحات التاريخ. فقد ظهرت الحضارة فى مصر قبل الحضارة، وتكلم أدباؤنا قبل أن يظهر الكلام.. وكتب أدباؤنا قبل أن يخترع أحد الكتابة.  لذلك.. فإذا أصابنا ما أصابنا فى أدبائنا.. فإنه يومٌ لو تعلمون عظيم. 

 

( 1 ) 

لابد من التأكيد، من وقت للثانى، على أن بعضنا لم يتخلص لليوم من تداعيات 2011 الغبرة، ولا بلاوى 2011 الغبرة، ولا من خطايا 2011 الغبرة. 

مازالت لدى بعضهم آثام فى الفكر، وكبائر فى الاعتقاد. مازال بعضهم يعانى من هبوط شديد فى مستويات الوطنية، وهرمونات الوعى. وفى أوساط (محسوبين على الأدباء) مازال بعضهم يعانى اضطرابات التمييز بين الحرية والفوضى، وبين الأدب وقلته، ومازال لدى بعضهم ضبابية فى التفرقة بين الإبداع، وبين تضليل الشارع، وضرب قيم الوطنية، ولا يزال بعضهم يرى أن إلقاء معانى الانتماء على الأرض ومرمغتها فى التراب.. حريات! 

إن جيت للحق.. الأزمة كبيرة داخل اتحاد كتاب مصر.. وهى رواية تُروى، بعدما وصلنا من الاتحاد (خطاب) أنذرنا فيه بضرورة الاعتذار عما نشرناه من تحقيقات ومقالات، ضد الاتحاد، بعد إعلان مجلس إدارته اختيار حلمى القاعود لمنحه جائزة التميز لعام 2020. 

أكد الاتحاد أنه يحضّر (ردًا)، لذلك لم نعتبر ما وصلنا ردًا (حسب القانون)، انتظارًا لما سيسفر عنه اجتماع طارئ منتظر، قال الاتحاد إنه سيعقده خلال أيام بحثًا لطرق التصعيد ضد المجلة.. حالة عدم الاستجابة لطلباته. 

تعرف ماذا طلب الاتحاد؟ 

طلب الاتحاد وقف الكاتب الدكتور أسامة السعيد (نائب رئيس تحرير أخبار اليوم) عن الكتابة عقابًا على مقال كتبه ضد فوز القاعود . وطالب الاتحاد بإحالة رئيس تحرير المجلة للتحقيق لمسئوليته عن نشر مادة استنكرت فوز إخوانى متطرف بجائزة التميز، واعتبر الاتحاد أن فى تلك المادة مساسًا بسمعته! 

كانت مطالب الاتحاد ثقيلة، وتبقى فقط تغافله عن طلب إغلاق المجلة، وتسريح الصحفيين، أو تحويلهم للعمل فى عمر أفندى! 

اتهم الاتحاد المجلة بنشر أكاذيب، فهل خبر فوز القاعود (مناصر الإخوان الداعى للفوضى وهدم الدولة، والندمان على حكم مرسى الجاسوس) خبرٌ غير صحيح؟! 

اتهمنا بالإساءة لسمعة مصر الثقافية، فهل هناك أكثر إساءة للبلد كلها من منح كاتب على مواقع الإخوان، مقالاته مستمرة للآن، بكم هائل من الحقد والغل ضد الدولة، وضد القضاء، وضد الجيش، وضد كل مؤسسات الدولة جائزة تميز؟ 

دعك من موضوع الخطاب.. تعالَ لشكل (إنذار) صادر من اتحاد أدباء مصر، بما حواه من أخطاء إملائية، ومشكلات فى الصياغات، ولخبطة توصيفات، فى مصيبة ذات دلالة عن صدور مستند رسمى من الاتحاد على هذه الشاكلة. 

سمّى الاتحاد (مجلة صباح الخير) جريدة! ووصف الموضوعات المنشورة (أخبارًا)! خلط جواب الاتحاد بين تقرير كتبه الدكتور أسامة السعيد، وبين التحقيق الذى أجرته الزميلة مى منصور، تقصيًا لآراء كبار الأدباء فيما يجرى داخل مجلس إدارة الاتحاد. 

نصّب مجلس إدارة الاتحاد نفسه رقيبًا على الصحافة، ثم نصّب نفسه قاضيًا على آراء المخالفين، وقضى علي تلك الأفكار بالمصادرة، وحكم بحظر نشرها، مهددًا ومنتظرًا عقوبة ناشرها وناقلها وكاتبها.. وقارئها!! 

ربما رد أقبح من ذنب. وخطاب اتحاد الكتاب دفاعًا عن حلمى القاعود كارثة، لأننا ببساطة أمام مؤسسة ثقافية مصرية كبرى تدعم متطرفًا يناصر إرهاب الإخوان، ويدافع عن خطاياهم ضد المصريين، ويعتبر مرسى الجاسوس رئيسًا شرعيًا!!

كيف يدافع الاتحاد عن رجلٍ يكتب للآن فى سب المرأة المصرية، وسب المثقفين الداعمين لدولة 30 يونيو؟ تحت أى سند يدافع الاتحاد عن رجلٍ مازال للآن يبث سموم الأفاعى من على مواقع الإرهاب، التى اتخذت من شققٍ مفروشة فى قطر محلًا مختارًا؟! 

طبعًا.. مناورة ذكية ظاهرة بمحاولة الاتحاد (فى خطابه) اعتبار المنشور بالمجلة قضية نشر.. مع أنها قضية أمن دولة. طبعًا هى حرفنة قانونية محاولة الاتحاد (فى خطابه) دفعنا إلى خلاف على قوانين النشر، مع أن الحكاية حكاية أمن قومى. 

ويظل السؤال واجبًا: هل يطالب مجلس إدارة اتحاد الكتاب باعتذارنا عن نشر كارثة، بحنق واجب وبدوافع انتماء ووطنية، فى حين يطلب لنفسه مكافأة على اختيار متطرف لمنحه جائزة تميز؟!

  ( 2 ) 

فى علوم الاجتماع، تدخل أفكار ومفردات الأدباء، وسماتهم الشخصية، ضمن أهم أدوات الاجتماعيين لتحليل الظواهر ونتائجها على المجتمعات. 

معلوم أن الاضطرابات الكبرى تصنع أفكارًا أكثر اضطرابا. لذلك فإن أغلب ما نعانيه للآن من اضطرابات (على المستوى الاجتماعى والفكرى) راجع إلى رجة كبرى واجهها المصريون فى 2011. 

تعانى المجتمعات هى الأخرى، من متلازمة اضطرابات ما بعد الصدمات، مثلما يعانى الإنسان. 

خد مثال: فى الولايات المتحدة، بعد حرب فيتنام، ظهرت موجات الهيبس، واليانكى، والبانك بأفكار شاذة قالوا عليها حرية، ومفاهيم فتاكة ضد المجتمع وقالوا إنها إبداع! 

لم يكن لتلك الجماعات الغريبة أغانٍ فقط، أو قصات شعر غريبة، أو موسيقى ملخبطة، إنما ابتكرت هذه الجماعات (منهم فيهم) حركة سموها أدبية، وقفوا بها فى مواجهة النظام العام، وفى مواجهة المواطن الأمريكى، فدعوا للقتل فى الشارع، وخرجوا على محطات الأتوبيس، يقتلون المفكرين ورجال الدين، تحت شعار المصلحة!! 

وفى فرنسا ظهر ما سُمى بأدب العبث، بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد كم اضطرابٍ اجتماعى وسياسى هدد المجتمعات وهدد القيم. وقتها ظهر ما يُسمى بأدب العبث، وظهرت مسرحيات صمويل بيكيت على المسارح، بأفكار غريبة، ومفردات أغرب، استهدفت المبادئ والثوابت.. واستهدفت النظام واستهدفت الدين، واستهدفت الآخر.. وصغرت من القيم لصالح اللا شىء!

فى التفسير الاجتماعى، فإن أدب العبث باستهدافه القيم، ومعانى الحياة، ومفردات القومية والانتماء، كان رد فعل (طبيعي) فى مرحلة فوضى كبرى، خرج منها العالم من حرب أكلت الأخضر واليابس، كما أكلت رؤوس بعضهم، وكما فرغت أدمغة آخرين.. وأصابت البعض الآخر بالبارانويا.. والفصام. 

كان لابد أن يضطرب المجتمع تبعنا بعد 2011 الله لا يرجعها أيام. كان عاديا أن تضرب المفاهيم، وأن يضطرب الشارع، وكان لابد أن تضطرب أوساط النخب، وبعض المحسوبين على أوساط المثقفين.. اللخبطة وعسمات البارانويا. 

صدق الشارع فترة خداع النخب، لكن لما استفاق، اكتشف أن أزمتنا الأساسية فى الوعى، وأن اضطرابات الوعى مسئول عنها ما يُسمى بالنخب، لأن النخب هم الذين ضللوا الشارع، وضللوا الناس، ودفعوا بقوة فى الطريق لستين داهية.. لولا ربنا سلم. 

لكن النخب، الذين سبق ورفعوا شعارات الحريات والديمقراطيات والتغيير لمصلحة المواطن، كانوا هم أنفسهم الذين خرجوا بعد 30 يونيو، يسبون المواطن، ويشتمون الشارع، بجريرة أن المصريين، رفضوا حكم المرشد، ورفضوا اختراق الدولة، ورفضوا بيع الوثائق لقطر، كما رفضوا رغبة الإخوان توطين الإرهاب، ورفضوا تخرصات البلتاجى، وقلة أدب وائل غنيم، وميوعة البرادعى! 

 

( 3 ) 

تقدر تقرأ الفاتحة الآن على روح اتحاد كتاب مصر. تقدر تترحم على منبر أسسه يوسف السباعى، وترأسه نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وسعد الدين وهبة، ثم جاء اليوم الذى يهدى فيه هذا المنبر أكبر جوائزه لواحد من الداعمين للذين ذبحوا نجيب محفوظ. 

أمسك كتابك المقدس، واقرأ بعضًا من سفر المزامير على روح اتحاد أُسس للارتقاء بالفكر، ودعم اللغة، ونشر الوعى، وترقية الذوق، ودعم الوطنية، ودعم حق الدولة المصرية فى الاستمرار فى مد شعاع حضارة بدأتها قبل أن تبدأ الحضارات.. فجاء اليوم على هذا المنبر، بمنح أكبر جوائزه لمتطرف.. ضد كل ما سبق! 

يبدو أن اتحاد الكتاب لم يتخلص (للآن) من تركة 2011 بكل ما حوته من معانى الفوضى، والعداء للمجتمع، وللثقافة، ولمفردات الهوية. يبدو أن بعضًا من داخل مبنى الاتحاد فى الزمالك، مازالوا للآن يعانون من متلازمة اضطراب الهوية، فيسمون الفوضى حرية، ويسمون استباحة الوطن ديمقراطية.. ويعتقدون أن هدم الدولة.. تغيير، ثم يرسلون خطابات رسمية لمؤسسات صحفية.. مليئة بالأخطاء الإملائية.. والجمل التى بلا معنى.. دعما لإخوانى متطرف. 

خراصون أدباء الإرهاب.. قاتل الله الخّراصين.