الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كشـف حسـاب وزيـرة هذه قصتى مع «الفلوت» وألجأ للديكتاتورية أحيانًا مع أولادى!

 أعد الندوة للنشر: مصطفى عرام



 

فى صالون «صباح الخير» قدَّمت وزير الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم كشف حساب وزارتها خلال عام 2020، وتكلمت عن رؤيتها للمستقبل والمزيد من أحلامها.

وفى العام الماضى ولأول مرة تكلمت الدكتورة إيناس عبدالدايم عن بدايتها مع آلة الفلوت، وكيف أرغمت فى طفولتها على عزفها، رغم حبها للبيانو.

ووصفت وزيرة الثقافة نفسها فى «دردشة بطولة» مع أسرة «صباح الخير» بالامرأة غير القابلة للكسر، وذكرت لأول مرة تفاصيل عن تجربة سفرها لفرنسا للدراسة فى العشرينيات من عمرها، كما تطرقت لعلاقتها هى وأختها بوالدتها التى قالت إنها ورثتها فى الشخصية والإصرار والمثابرة.

فى صالون «صباح الخير» تكلمت إيناس عبدالدايم عن تفاصيل عن حياتها تنشر لأول مرة.

 

صباح الخير: هل توقعتِ قدومك لمنصب وزير الثقافة؟ 

ـ الدكتورة إيناس عبدالدايم: لا.. لم أكن أتخيل قدومى للمنصب، وكنت سعيدة جدًا بتواجدى فى دار الأوبرا، إذ كان لدىَّ شعور بأننا «محققين شيء عظيم»، ولم يكن هدفى أو توقُّعى تولى الوزارة.

صباح الخير: هل تختلف الحال عند تولى «فنان» الوزارة؟ 

ـ الدكتور إيناس عبدالدايم: بالتأكيد طبعًا.. الفنان يختصر أو يختزل 50 % من المهمة نفسها، لأن فى وزارة الثقافة بجميع قطاعاتها تقريبًا كل ما نتعامل معه هو فن، وبالتالى لا توجد مشكلات فى المساحة بينى وبين الفنانين أو المثقفين، فنحن نتحدث لغة واحدة نفهمها جميعًا، والمشكلات التى يمكن مواجهتها عايشتها بالفعل وعلى دراية جيدة بها، 

أولى المشاكل: «البيروقراطية» وهى أكبر مشكلة قد تواجه أى فنان أو مثقف، وجميعنا ضدها بطبيعة الحال، وقد تمرست على حل مشاكل الفنان مع البيروقراطية خلال قيادتى لدار الأوبرا. 

أضافت:ثم واجهتنى مشكلة المواقع الثقافية المغلقة، ووزارة الثقافة لديها نحو 680 موقعًا ومنشآت أخرى تابعة، ومن ثم أعددنا خريطة لتسهل علينا رصد المواقع المغلقة. 

وفقًا للخريطة المالية التى وضعناها والمشاريع المستهدفة بدأنا نسحب من هنا ونضع هنا، وهذا أمر لا أخفى سعادتى به حقيقة، ووجّهنا هذه النواقص إلى قصور الثقافة المتوقفة لأنها كانت لها الأولوية ونسبة المشروعات بها أكبر ثم بعد ذلك المتاحف والمسارح، ونتج عن ذلك أننا انتهينا من 45 موقعًا ترتفع إلى 48 خلال أيام، وحللنا مشكلة 22 قصر ثقافة وطورناها، ومن المتاحف بميزانية تقارب المليار جنيه فى 3 سنوات. 

صباح الخير: هل ترين أن الصعيد أكثر إنتاجًا لفنون الكلمة كالشعر والقصة؟ ولماذا؟ 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: طبيعة البيئة والأهالى، لأن ثوابت بناء الشخصية والمجتمع هناك تؤثر بشكل كبير جدًا فى طبيعة الفنون التى تُمَارس.

البنات الصغيرات فى منطقة الرديسية، وهى بعد النوبة كن يتسابقن فى تقديم مواهبهن من غناء وإلقاء شعر، وإحدى البنات كان صوتها «ساحرًا»، فاستضفتها فى القاهرة فى دار الأوبرا لمدة أسبوع وشاركت فى حفلة فى «مركز تنمية المواهب».

تتابع: فنحن فى وزارة الثقافة لم نهتم فقط بـ «الحجر» أى الإنشاءات؛ بل ركزنا على «البشر» بشكل كبير جدًا، وهذا ما يفسره قولى إننا طورنا فى محتوى قصور الثقافة تحديدًا، لأننا فى العاصمة والمدن الكبرى مثل الإسكندرية متحكمون بقوة، لكن فى النقاط الجغرافية البعيدة لم نترك الأمر لكل مسئول فى تلك المناطق وفق رؤيته، ومن هنا مثلا بدأنا فى الأقاليم بمسرح التجوال.

صباح الخير: مسرح التجوال مشروع رائع.. كيف بدأت الفكرة؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: بدأت من مجموعة شباب تابعين لـ «البيت الفنى للمسرح»، وكان المسئول عنها محمد الشرقاوى، وهو شاب لديه فكر جميل وأنا أطلق عليه «الانتحارى» لأنه جمع مجموعة عمل وقال إنه مستعد للتجول فى أماكن عديدة ومترامية رغم الصعاب والإرهاق، وبدأنا التنسيق وتوفير متطلبات ذلك ونُقيِّم مدى نجاح التجربة، ونفذت الفكرة فى 14 محافظة فى ساحات بقُرى غير مجهزة بالمرة وفى أماكن لا يوجد بها مواقع ثقافية، وهى مختلفة عن المسارح المتنقلة.

صباح الخير: لماذا لا تزال فنون مثل الباليه والأوبرا والفن التشكيلى ثقيلة على المصريين وكيف تعاملتِ مع هذا ولماذا لا يوجد إقبال على هذه الفنون من المصريين؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: تعاملت معها مبكرًا عندما كنت فى الأوبرا، ربما فى مراحل معينة لم ننجح فى تقديم أنفسنا من خلالها بشكل صحيح، بمعنى.. كانت هناك برامج، تم تنفيذها وفقط، فالأوبرا تواكب ما يحدث فى العالم.. نعم، لكن كان يجب أن نعلم «نحن نخاطب مَن وكيف نستقطبه؟».

للحقيقة كنا لسنوات معتمدين على مخاطبة «الإيليت» أو جيل محدد وما حاولت تحقيقه هو النزول بتلك النوعية فى الفنون للناس.

الأسرة والأولاد

الكثير ون لايعرفون عن أسرة الدكتورة إيناس عبدالدايم شىء.. لم تتكلمى فى هذا من قبل؟! 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: لدىّ فيروز وشادى هو الأصغر وتزوج قبل شهر تقريبًا، أما ابنتى فيروز فهى خريجة «السوربون» درست حقوق وتدرّس فى «فولتير» ولديها ابنة، أما شادى فيعمل فى «أمازون»، فى إنجلترا.

صباح الخير: وكيف تمارسين اهتمام الأمومة مع مسئوليات الوزارة؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: نحن على تواصل لا ينقطع طوال 24 ساعة، لأننى من بيت قائم على مفهوم الأسرة بكل معناها، وأنا من الشخصيات التى لم تتمنَ شيئًا فى حياتها سوى أن يكون لدى بيت وأولادى معى فى ظل أسرة مترابطة.

صباح الخير: كيف استطعت التوفيق بين الأمومة فى طفولة أبنائك، وبين حياتك كزوجة فى باريس؟ وفى الوقت نفسه حياتك كطالبة استحوذ على فترة طويلة من فترات حياتك حتى الحصول على الدكتوراه؟!

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: أولا تعلمت من أمى- الله يرحمها- الكثير جدًا، وأهم ماتعلمته منها تنظيم الوقت فهى كانت مثلى الأعلى فى حياتى فى كل شيء، فهى من كانت تنظم لى حياتى أنا وأختى «إيمان»، وإيمان والدتنا بنا خلق منا شخصيات مسؤلة لما سافرت إلى فرنسا، فى البداية أقمت بمفردى، ثم التقيت بزوجى وتزوجنا، وكان لقاؤنا فى حفلة «الشيخ إمام» و«أحمد فؤاد نجم» فى باريس التى تشاجرا بعدها، فأنا كنت أقيم بمفردى لفترة فى البداية لذلك تعلمت أهمية النظام والوقت لإنجاز كل المهام.

عن تجربتها فى السفر شابة إلى باريس للدراسة قالت: سافرت وعمرى 20 عامًا، ولم أكن قد أنهيت دراستى فى أكاديمية الفنون، وكنت فى البكالوريوس بالكونسرفتوار، والسفر كان منحة من الحكومة الفرنسية.

ماما هى من أصرت على أن أسافر، فلم أتخيل أن أسافر وحدى وأعيش حياة متواصلة بعيدًا عن مصر، فلما سافرت واجهت مشكلات كثيرة فى البداية، أولها اللغة، ثانيًا.. مشاكل تتعلق بأسلوب الحياة، مثلا أول مشكلة كانت غرفة إقامة وحمام مشترك (يا نهار أبيض)، جالى انهيار عصبى، فجريت على المسئولة (وهى لاتزال صديقة حتى الآن) «مدام فوختان» وهى سيدة فرنسية رائعة، فقلت لها «أنا مش عايزة»، فقالت «مش عايزة إيه»، قلت لها «انا عايزة أروح.. أرجع مصر لماما»، ولم يكن قد مر أسبوع على وصولى. 

فالمسئولة نجحت فى تهدئتى وطلبت منى أن أصبر لمدة أسبوع واحد، وبالفعل نقلتنى إلى مكان أفضل، وكان هذا نقطة التحوُّل فى مسار حياتى كلها، فنقلتنى إلى قلب باريس على نهر السين فى مبنى مواجه للنوتردام، وهو كان بيتًا للفنانين، أقمت فيه لمدة عام فى استوديو خاص، ونجحت فى التعايش هناك بمفردى والانتقال من أجواء حياة الأسرة إلى أجواء الإقامة بمفردى.

صباح الخير: كيف بدأت رحلتك مع آلة الـ «فلوت»؟ 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: عندما كنت طفلة كان بابا موسيقيًا وعازفًا ماهرًا لآلة الكمان، وكان هو من يعلمنى، لكنه فى سن 5 سنوات علمنى العزف على البيانو، حتى أهلنى ودخلت الكونسرفتوار، وامتحنت فيه على آلة البيانو، وكان العميد روسيًا والأساتذة «روس» فى فترة الستينيات، وبالمناسبة أنا عزفت فى الأوبرا القديمة 9 سنوات. 

فى تلك الفترة كانت الأكاديمية منشأة منذ فترة قليلة، وكانوا يحاولون تكوين الأقسام، واستقدموا أساتذة «روس» فى عهد الدكتور ثروت عكاشة وأبو بكر خيرت، فلما التحقت اختارونى لآلة الفلوت اعتمادًا على سلامة الأسنان ومقاييس الوجه والفكين، فحزنت لأننى عازفة بيانو ماهرة وقتها، لكنهم أصروا على الفلوت.

فاعترضت وكان عمرى وقتها 7 سنوات، ولأننى كنت طفلة فقالوا إرضاء لكِ سنمنحك التخصص فى آلتين رغم أن التخصص كان فى آلة واحدة، فأخذت البيانو والفلوت، وبالفعل استمررت لمدة سنتين لكن كان مستحيلًا أن أجمع بين آلتين، وكنت بدأت أحب الفلوت لأن الأستاذ الروسى كان رائعًا والتواصل معه كان سهلًا وأثر فىَّ جدًا، ومن هنا بدأت رحلتى مع الفلوت.

صباح الخير: وماذا عن دور الزوج فى هذه الرحلة بصفتك فنانة بحاجة إلى أجواء دراسة وعمل خاصة يصعُب معها تنظيم حياة أسرية عادية؟ 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: ربنا أكرمنى بزوج محترم اعترف بهذا، كان يعمل فى منظمة اليونسكو فى فرنسا، وكان المخطط أننا سنواصل حياتنا فى باريس، لكن لم أستطع مقاومة ارتباطى بماما، فطلبت منه أن يستقر هناك وأنا أسافر إلى مصر وأعود له كل فترة.

تقول: «زوجى أثر فىَّ إيجابيًا بشدة وساعدنى فى النجاح خصوصا عندما كنت أذاكر بالساعات على طريقة «اللى بيعمل دكتوراه فى حتى»، مهم أنك تكون مؤمنًا بشيء معين، والمطلوب من المجتمع حولك أن يكون راضيًا بذلك، فأنا كنت «مسعدة» بأن أسرتى مقتنعة ومؤمنة بى، وعندما يكون زوجى أيضًا مؤمنًا بى فهذا شيء عظيم. 

صباح الخير: مؤكد وصولك للعالمية كأهم عازفة فلوت مصرية كان له صعوبات وطريق طويل له مواصفات خاصة.. كانت إيه مواصفات طريقك للعالمية؟! 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: عندما كنت فى «باريس» تعلمت أمورًا كثيرة، أولها «الحياة»، فبعيدًا عن الفن، كنت أحاول الاستفادة من كل شيء ممكن، فتعلمت الحياة هناك، وتعلمت جيدا تنظيم الوقت، واحترام الوقت، والالتزام، فلو مثلا توجد حفلة ما موعدها الساعة 8، إذن فموعدى هو 8 إلا ربع، وهذا سمة حياتى كلها، وهذا ساعدنى فى استثمار يومى وتخطيطه، بين عدد ساعات المذاكرة وعدد ساعات الخروج مع الأصدقاء وهكذا، فكل ما حققته لم يكن ممكنًا إلا بأسرة متفاهمة وزوج مقدر. 

صباح الخير: بعد سنوات من العمل والحياة وأنت الآن على كرسى الوزارة؛ هل نجحت أكثر كأم.. أم كفنانة؟ 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: لقد نجحت فى الحياة، رغبتى فى النجاح فى الحياة كاملة، وهى من سمات شخصيتى التى ورثتها عن أمى، التى كانت حالة عشق بلا تفسير.

صباح الخير: وهل لديك نزعة السيطرة على الأولاد بحكم شخصيتك القوية؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: إطلاقا، لأننى أحب أولادى جدا، وأحب أن يكونوا سعداء فى حياتهم، فلو استخدمت أسلوب السيطرة لن أسعدهم، لكن عند النصيحة أو عند تجنيبهم ضرر أنفسهم أكون حاسمة، وأنا مدركة لذلك جدًا، ولهذا فإننى فى اتصالى بالشباب عموما أكون قريبة منهم، لأننى مدركة جدًا للغة حوارهم.

صباح الخير: كيف يمكن التعامل مع الأجيال الجديدة مع التغيُّر الحاصل فى ثقافتهم؟ 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: سنختلف فى مفردات وبيئات، لكننا سنتفق على شيء واحد.. وهو تفعيل الشباب، وهذا مهم جدًا، والدولة تمارس هذا الدور باقتدار ونعمل نحن عليه فى الوزارة أيضًا وبقوة، أى شخصية حتى لو كان لديها نوع من التمرُّد، فهى فى النهاية لها متطلبات وطموح، وأنا أشجع الطموح لأنه شىء مشروع جدًا، صحيح أحيانا يدفع الطموح شخصية ما للرغبة فى دور أكبر من حدودها وطاقتها أحيانًا لكنه يظل مبدأ الطموح مشروعًا، وهنا يكون ذكاء أجيالنا فى توجيه طموح الشباب لكن بالمنطق.

ولذلك دائما أقول لابنى وابنتى وهما ناجحان فى حياتهما وللشباب حافظوا على نجاحكم، وبالنسبة للحياة الأسرية، سواء زوجًا أو زوجة «ما تظلمش»، ولا تتخذ قرارًا فى وقت انفعال أو غضب.

صباح الخير: هل تقبلين تكرار تجربة أن تسافر ابنتك للدراسة وحدها مثلما سافرتِ أنت وحدك؟!

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: هى سافرت بالفعل وكانت تتنقل بين مصر وفرنسا، اتخذت قرارها عندما تزوجت وقالت لى «أنا عايزة أسافر»، وكنا وقتها فى أحداث 2011، فقلت لها «براحتك.. بس القرار صعب فى الوقت الحالى»، فقالت لى «ما إنتى سافرتى.. وعيشتى تجربتك.. سيبينى أجرب وأعيش التجربة»، قلت لها «فعلا.. لكن الظروف مختلفة خالص.. سواء فى مجتمعات بره أو مجتمعات هنا.. لكن رضخت للتجربة وسافرت»، وبعد 9 أشهر كلمتنى «رجعينى يا ماما». 

تتابع: «فأولادى أصحابى.. زى ما كنت صاحبة ماما.. وكانوا بيتريقوا علينا فى العيلة». 

 

 

 

صباح الخير: بعد 2011 حدثت انقلابات شديدة فى المجتمع المصرى.. فهل تتصورين إن كل فئات المصريين نجحوا فى استعادة هذا الوعى، واستوعبوا ماحدث من أخطاء؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: كلنا عانينا جدًا بشكل شخصى وبشكل عام، فى تلك المرحلة، والحمد لله أنها لم تكن طويلة لكن كان مرورنا بها إيجابيًا، لأنها كشفت كثيرًا جدا من الأمور، فمهما تم شرح وتوضيح المفاهيم كان من المستحيل أن يكون بمثل ما عايشناه، فالرفض الشعبى المهول الذى حصل مهما تحدثنا عنه، لن يكون بمثل ما لمسناه كلنا.

دعنى أوضح أمرًا، الشباب كان منهم فئة واعية ومدركة ولما تحدثنا معهم أدركوا حقيقة الأمر وهذا كان النجاح الحقيقى وإلا كانت ستصبح كارثة. 

أضافت: نزول 30 مليون مصرى فى 30 يونيو كان معناه معركة وعى وإننا انتصرنا.

صباح الخير: متى يمكنك القول إن خطتك بالنسبة للوضع الثقافى فى مصر اقتربت من الاكتمال؟!

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: مصر كبيرة قوى.. لكن طموحى كبير وخطتى كبيرة أيضا نعمل بكامل طاقتنا ومجهودنا، وبكل ما نملكه من فكر فيها.

كل خطوة تتحقق نكون سعداء بها، والثقافة مردودها لا يأتى فى الحال، بل يستغرق سنوات،  ولدينا برامج طويلة الأمد هى بمثابة الرهان.

فاليوم مثلا مبادرة مثل «ابدأ حلمك» بدأناها فى القاهرة ولكن قررنا فورًا أن نخترق بها بنعومة جدا مجتمعات بعيدة جغرافيا جدا ووصلنا إلى مناطق يسبق لمشروع ثقافى أن اخترقها فلما نجحت التجربة، اتجهنا صوب أسيوط..

صباح الخير: هل لاتزالين تعزفين؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: طبعًا.. آخر حفلة عزفت فيها كانت قبل جائحة كورونا واحدة فى الخارج والثانية كانت هنا فى جامعة المنيا، واصطحبنا خلال هذه الرحلة فريق «كايرو استبس»، وأصررت على أن تكون فى الجامعة، لأنها تحوى الشباب، والحضور كان كبيرًا من الشباب وكانت المفاجأة لهم وقتها أننى صعدت على المسرح وعزفت لكى تصل الرسالة. 

الفترة الأخيرة ظهرت محاولات كثيرة لعزف الموسيقى التراثية الشرقية بالفلوت.. فنيًا هل تجوز تلك التجارب؟!

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: أنا مؤمنة بأنه لايصح إلا ما يكتب للآلة خصيصًا، فأنا قدمت كل أنواع الموسيقى كلاسيك وبيتهوفن وموتسارت، أو ريبرتوار الفلوت، لكن التطور الحاصل فى العالم فى الفن، هو أن تأخذ التيمة الخاصة بالفالس مثلا أو السيمفونية وتعيد صياغتها بالكتابة لآلة معينة، سواء الفلوت أو البيانو. 

صباح الخير: لكن هناك معزوفات شرقية بآلات غربية؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: صحيح وهى محاولات ناجحة لكن عن طبيعتى أنا كفنانة أحب المكتوب للآلة، فالشرقى له آلاته، ولدىّ مسلمات لا مساس بها، ريبرتوار فى الفلوت مسلم به، مش معقول هتكون أذكى من اللى كتب، أنا ممكن أدندن مقطوعة شرقية بآلة غربية، لكن أعزفها علشان أقدمها، لا بد من إعادة الصياغة ويفضل عزف اللحن الذى كتب لآلة معينة بتلك الآلة دون غيرها.

صباح الخير: هل هناك بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم بخصوص عودة حصص الفنون مثل الرسم و الموسيقى؟! 

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: يوجد أكثر من بروتوكول مع وزارة التربية والتعليم، وأحد هذه البروتوكولات ثماره بدأت تظهر، وأنا أعتبره من أهم الفعاليات التى تمت، وهو بروتوكول مدرسة تقنية فنية لمرحلة الثانوى، فى مجالات تكنولوجيا تصوير، تكنولوجيا خشبة المسرح، تكنولوجيا الإضاءة، الملابس، أحذية الباليه، وهذا البروتوكول نجح بشكل جميل جدًا، ووزير التربية والتعليم كان سعيدًا بثمار هذا البروتوكول. وسوف يستمر بمزيد من الفعاليات. 

تكمل: «أنا واحدة من الناس.. بدايتى كانت فى فصل الموسيقى فى المدرسة.. مدرسة قصر الدوبارة فى جاردن ستى.. وما زلت أتذكر اسم أستاذة الموسيقى «أبلة سامية».. ولكم أن تتخيلوا قدر هذا التأثر ليبقى  اسمها محفورًا فى ذاكرتى وحياتى. وقبلها كان والدى عازفا للكمنجة وكان موجها للموسيقى فى التربية والتعليم وكان قويًا فى العزف عليها.. وماما كانت من العائلات التى تعلمت البيانو فى البيت وصوتها الله يرحمها كان رائعًا، وإيمان أختى ورثت الصوت من ماما التى عرض عليها تحترف الغناء، لكن أسرتها رفضت ولذلك كانت ترى فيّ وفى إيمان أختى حلمها الذى لم يتحقق بالنسبة لها، بالمناسبة تربيت أنا وأختى إيمان فى العمارة المجاورة لعمارة ليلى مراد، فكنا نرى الفنانة أحلام والموجى ومحمد رشدى وهذا أثر  فى تعلقنا كثيرًا بالفن. 

تتابع: وأنا أقيس الوعى عند الشباب على ما أشاهده من إقبال فى المسارح، فالإقبال كبير جدا على عروض مسرحية وأنا بشكل شخصى ذاهبة لمشاهدة عرضين فى مسرح البالون، هما «لحظة حب» و«سيد درويش»، ولست ذاهبة بصفتى وزيرة ثقافة؛ بل لأننى أكون سعيدة عندما أشاهد إنتاجًا جيدًا، وهذا يعزز الإيمان لدىَّ بالشباب، وسأشاهد أيضًا عرضا آخر له صدى جيد اسمه «جنة هنا»، و«الوصية» كانت رائعة لخالد جلال. 

تواصل: لدينا نحن تواصل مع الشباب بلغتهم وبطرقهم ونحاول  أن نصل بالفن إليهم.. مثلا لدينا مبادرة «اعرف جيشك»، وبدأنا تقديم عروض بسيطة، إضافة إلى طباعة كتب «أولاد الأرض»، وهذه الكتب ركزنا فيها على قصص العساكر والمجندين، ونجحت. 

تستكمل: فقلت لهم «كفاية المرحلة اللى مصر اتحرمت فيها من تاريخها.. التى لم توثق بأى شيء سواء الأفلام أو المسرحيات.. وهذا دورنا.. ليه ما نوثق هذا فى أعمال مسرحية» وننفذها كالآتى، لو أننا لدينا مجند من بنى مزار، فإن العرض الأول يكون فى بنى مزار، حتى يعرف أهلها أن لديهم بطلا استشهد وبالفعل بدأنا، ولأنه مشروع طويل الأمد فقد قابلت المخرج خالد جلال، وطلبت منه تقديم عمل عن قصة حديثة، فكانت «الوصية»، ونفذت وقدمت بشكل جميل.

صباح الخير: ماذا عن مبادرات الوزارة مثل «صنايعية مصر»؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: هى من المبادرات المهمة جدا، وتحققت بسرعة جدا، من خلال صندوق التنمية الثقافي، فقد اجتمعت مع الدكتور فتحى عبدالوهاب وكان التكليف رئاسيًا وسعدت به جدا، لأن صنايعية مصر على مستوى الدولة كلها، لكن الجزء الخاص بنا نفذناه بشكل جيد جدًا خاص بالحرف التراثية التى تمتلكها الوزارة، فلما فتحنا الباب تقدمت مجموعة كبيرة جدا اخترنا منهم جزءًا لكن «أزمة كورونا» اضطرتنا للتوقُّف، لكن واصلنا العمل «أون لاين» حتى عاد العمل بعد فترة التوقف، وخرجنا أول دفعة منهم قبل أقل من شهرين. 

تتابع: المفاجأة فى هذه المبادرة كان تقدم خريجى جامعات وكليات فنون جميلة، آداب إنجليزى وفرنسى، ونسبة البنات غير عادية، وهذا ما لفت نظرى، فسألتهم «إنتو إيه» فقالوا «إحنا حابين دا.. وكل واحدة لها طموح إنها تكون ديزاينر.. وكل واحدة بتحلم بمشروعها.. والأولاد كمان عاملين حاجات حلوة جدا» فالمبادرة نجحت، فقررنا أن نكمل معهم لنعلمهم أكثر وفتحنا الفرقة الأولى مرة أخرى لمجموعة أخرى، ولم نكتف بذلك، لهذا المشروع هو المحافظات. 

صباح الخير: هل واجهتِ مواقف طريفة أثناء العزف؟

- الدكتورة إيناس عبدالدايم: حدث لى موقف وأنا طفلة علمنى درس عمرى.. مرة كنت فى الكونسرفتوار فى القاعة كنت أستعد للدخول للعزف فى حفلة كبيرة، وقبل أن أدخل أحد الزملاء طلب منى «التيكر» قبل أن أتعلم العزف على الفلوت وقال «ورينى كدا التيكر»، فأخذه و«قعد يلعب بيه وبعدين دخلت الحفلة عشان أعزف.. إن صوت يطلع.. يا نهار أبيض.. مفيش» طبعا انهرت وبكيت وجريت على ماما رميت لها التيكر ومشيت». 

موقف آخر حدث ليس طريفًا ولكنه كان له تأثير بالنسبة لى قويًا جدا، وكان قبل أن أتولى الوزارة بأيام، كان لدىَّ حفلة كبيرة فى الأوبرا فى ديسمبر مع فريق «كايرو استبس»، وكانت القاعة مملوءة عن آخرها والجمهور استقبلنى بشكل رائع جدًا، لكن أثناء التفاتى لم أر المونيتور، وفجأة وجدت نفسى على الأرض وقعت فحدث ما يشبه الفزع فى القاعة والجمهور ظل يصفق جدا بطريقة منحتى طاقة إيجابية وقوة، بعدها قمت فطلبوا منى الاعتذار وقالوا «خلاص بقى»، أن أبدأ العزف وأكملت الحفلة، السبب فى إصرارى هو إيمان منى بأننى لو لم أكمل سيظل داخلى شعور من الممكن أن يغير داخلى أشياء كثيرة، لكن بالوجع أكملت الحفلة فأنا لا أقبل الانكسار.