الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحزن ملوش جلال يا جدع

الحزن ملوش جلال يا جدع، الحزن زى البرد، زى الصداع.



كلمات صلاح جاهين التى كتبها قبل عقود فى إحدى رباعياته، عادت من جديد لتعبر عن حالتنا هذه الأيام بسبب الوباء اللعين، الفيروس الذى جعل أخبار الوفاة أكبر عددًا وأكثر تواترًا من أخبار تغيُّر سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار الذهب ومواعيد مباريات كرة القدم، لكنّ حزنًا من نوع مختلف ودع به المصريون كاتبهم الكبير ولسانهم الفصيح وحيد حامد، الذى غادرنا صباح السبت بعد معاناة قصيرة مع مرض كان يزوره كل فترة، لكنه فى المرة الأخيرة لم يصمد صاحب «آخر الرجال المحترمين» إلا سبعة أيام، وهو عكس ما اعتدنا عليه فى العشرين عامًا الفائتة، تلك التى خرج فيها وحيد من أزمات صحية عديدة منتصرًا، وعاد لمقعده الأثير بجوار نيل القاهرة يكتب أفلامًا ومسلسلات ترصد ماذا حدث للمصريين، قبل أن يمنحوه «تكريم الوداع» فى الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة ليرحل وقد احتضنه محبوه بكلماتهم وعيونهم وامتنانهم لكل ما قدَّم وجميع ما ترك. 

 

رحل وحيد حامد عن عمر ناهز 76 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا كبيرًا، واضعًا اسمه فى مكانة مرموقة ضمن أهم قامات فن التأليف السينمائى والدرامى فى تاريخ مصر دون أدنى مبالغة، تاركًا أفلامًا تحولت سريعًا إلى علامات فى تاريخ السينما المصرية، علامات يصعب حصرها، ربما عكس المسلسلات التليفزيونية التى لم يمنحها حامد نفس قدر اهتمامه بالسينما، وكان قد سبق وجوده فى السينما والدراما صولات وجولات فى الدراما الإذاعية، ليرحل وقد قدَّم كل ما تمنى من أفكار وشخصيات لكن دون أن يكمل مشروعه الأخير والأهم، ثلاثية «الجماعة» المسلسل الذى استبق وتنبأ بما ستفعله جماعة الإخوان المسلمين المحظورة إذا وصلت للحكم، قدم حامد جزءه الأول قبل ثورة يناير، والثانى عام 2017 وكان يكمل فى كتابة الجزء الثالث الذى كان سيعاصر القيادات الحالية من الجماعة ويكشف مستقبلها.

الحزن الكبير على رحيل السيناريست العظيم، خفف منه الفرصة التى حصل عليها ملايين من محبيه لوداعه كما يليق فى ظهوره الأخير بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ظهر حامد مرتين، الأولى فى الافتتاح مساء الأربعاء الثانى من ديسمبر، أى قبل شهر بالتمام والكمال من وفاته، وبعدها بأيام ظهر فى ندوة تكريمه بمهرجان القاهرة والتى أدارها الناقد المخضرم طارق الشناوى وشهدت حضورًا غير مسبوق من النجوم ومحبى السينما وأيضًا الجمهور العادى الذى دفع قيمة تذكرة لمشاهدة وحيد حامد على المنصة والاستماع عليه، تذكرة تؤكد أن السيناريست هو نجم أيضًا يمكن أن يدفع الناس لمشاهدته، لكن بشرط أن يكون فى قيمة وحيد حامد.

فى هذه الندوة ومن خلال الكتاب التذكارى الذى أعده الشناوى وأصدره المهرجان، قال وحيد حامد الكثير من الآراء والذكريات التى يمكن أن نصفها بالكلمات الأخيرة للسيناريست الكبير، وبعيدًا عن كلمات الرثاء التقليدية واستعراض أفلامه ومسلسلاته التى يحفظها الكثيرون عن ظهر قلب، اخترنا فى الصبوحة أن نلخص ونحن نودعه أبرز ما جاء فى هذه الكلمات.

الوتد زينب سويدان

أكد وحيد حامد على مكانة المرأة والزوجة فى حياته، واصفًا زوجته الإعلامية الكبيرة زينب سويدان بأنها «الوتد» الذى يسند حياته، وهى من شجعت ابنه مروان على تنفيذ أول أفلامه من قصة ليوسف إدريس بطلها شيخ شاب يقع فى حب فتاة شديدة الجاذبية، وقتها كان حامد مهددًا من الجماعات المتطرفة، وخشى على ابنه المخرج الشاب وقتها من التهديد نفسه، لكن سويدان واجهت هذا الخوف قائلة :«سيبوا يعمل الفيلم، ولو عليك حراسة يبقو حراستين»، عن مروان مخرج «الفيل الأزرق» و«عمارة يعقوبيان» قال حامد إنه لا يتعمد التعليق على أى سيناريو يهتم به ابنه حتى لا يؤثر عليه وأنه يرصد نجاح أفلام مروان من كلام الناس عنها، وكما كان الحضور فى الندوة ممتنين لكل ما قدم لكنه لم يقابل هذا الامتنان بالثقة الزائدة فى النفس ورد عليه بجملة غاية فى اللطف والرقة: «أنتم تقولون أنكم فخورون أنكم تعيشون فى زمن وحيد حامد، بل أنا الذى أعيش فى زمنكم وأتعلم منكم»، مؤكدًا أنه عاش عمره كله يأخذ من الناس ويعيد تقديم ما يحصل عليه فى قالب فنى، وأضاف: «كنت أتغلب على حالة الجمود وأجدد شبابى بالعمل مع شباب المخرجين» ليكشف حامد فى كلماته الأخيرة سر استمرار تأثيره لأكثر من 40 سنة، فلم يحبس نفسه داخل جيله ويتعالى على المبدعين الجدد، وقدم بالفعل مخرجين من أهم الموجودين حاليا على الساحة أبرزهم على الإطلاق محمد ياسين وتامر محسن.

النجوم الثلاثة

وبما أنه تعامل مع أكبر نجوم مصر وفى أكثر من عمل لكل منهم، كان منطقيًا أن يسأله طارق الشناوى فى كتاب «وحيد حامد الفلاح الفصيح» عن رأيه فى الثلاثة الكبار، وتحديدًا علاقة عادل إمام بمحمود عبدالعزيز وأحمد زكى، ليقول حامد إن عادل إمام «بيتوتى جدًا» على حد وصفه، إذ كان عمله بين البيت والمسرح أو الاستوديو، مشيرًا إلى أن عادل إمام يتسم بطباع مختلفة عن بعض الفنانين، فلم يكن لديه وقت إضافى للجانب الاجتماعى خارج نطاق البيت واصفًا العلاقة بين الثلاثى بأنها كانت متوترة فنيًا؛ حيث كانوا يشعرون بالغيرة من بعضهم البعض لأسباب تتمثل فى الصراع حول من يكون على القمة ليس أكثر، متابعًا أنه كان يجمع بين الثلاثة فى جلسة واحدة، ولكنها كانت نادرًا ما تحدث، وفى أحد الأيام زاره عادل إمام وكان وحيد يجلس مع أحمد زكى فانصرف الأخير.

وإذا كان لنا أن نختار كلمة أخيرة من بين كل تلك الكلمات الأخيرة فهى العبارة التى نستنتج منها أن النزاهة رأس مال أى مبدع والتى قال فيها: «لم يكن لدىَّ حسابات، ولم أعمل حسابًا لأحد، وكل قرش دخل بيتى وجيبى من قلمى، ولم أكسب أى شىء إلا بجهد حقيقى».