الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الفـن فـى عـام كورونـا.. الرابحـون والخاسرون

الفنون الجماهيرية تأثرت، أما المنزلية فربحت كثيرًا، هكذا يمكن أن نلخص حال الفن فى عام الكورونا، عام 2020 والذى قد يمتد لعدة شهور فى العام الجديد إلى حين أن تؤتى اللقاحات ثمارها ويتحرك الناس فى تجمعات آمنة، والجماهيرية مقصود بها بالطبع تلك المرتبطة بأن يتواجد عدد كبير من الناس فى مكان واحد، فيما المنزلية فهى الفنون التى يمكن لكل مواطن أن يتابعها من المنزل دون الحاجة للنزول إلى الشارع. 



وبما أن قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد، تثبت دائمًا أنها قادرة على الاستمرار، فقد عادت من جديد لتفرض نفسها فى شارع الفن 2020، فلو فرضنا أن صناعة السينما هى الخاسر الأكبر فى عام الكورونا فإن صناعة منصات المشاهدة عند الطلب هى الرابح الأكبر بكل تأكيد، فإذا كان العام المنتهى هو الأسوأ دون الحاجة لإحصاءات أو بيانات فى تاريخ شباك التذاكر المصرى، فقد شهد طفرة غير مسبوقة فى سوق منصات المشاهدة عند الطلب، وتحديدا الثلاثى نتفليكس وشاهد وواتش إيت، وهو أمر ربما لم يكن يتوقعة أكبر المتفائلين فى فرق تسويق تلك المنصات، ومعهم على نفس الخط وإن لما تكن منصة فنية تطبيق تيك توك المصنف أيضًا بالرابح الأكبر فى مجال تطبيقات السوشيال ميديا.

انهيار الإيرادات

كانت البداية فى نهاية فبراير الماضى عندما رفع الفيروس رايات الخوف فى كل مكان، لتضطرب على الفور كل الخطط التسويقية للأفلام السينمائية والمهرجانات، إلغاء مهرجان «كان» كان ضربة قاصمة لسوق الفيلم حول العالم والسوق الأوروبية تحديدًا، وعلى مستوى مصر جمود استمر عدة أشهر وحتى عندما عاد شباك التذاكر للعمل من جديد لم تكن الأفلام الكبيرة أى أفلام النجوم مستعدة للمخاطرة، ولم يتعدّ إيراد أى فيلم طرح بعد انتهاء حظر التجوال أكثر من 15 مليون جنيه، بعدما أصبح طبيعيًا أن تتجاوز إيرادات أفلام المواسم حاجز الثلاثين والخمسين مليون جنيه، ولم تتجاوز عدد الأفلام المصرية التى ذهب الناس لمشاهدتها فى دور العرض هذا الموسم حاجز العشرين فيلمًا، وبعضها نزل بدون دعاية فقط للتواجد واستغلال غياب الكبار، ولولا الأفلام المعروضة فى يناير قبل الجائحة مثل «لص بغداد» و«بنات ثانوى» لتراجع عدد الأفلام المعروضة طوال العام لأقل من عشرة..من الصعب طبعا حساب الخسائر لأنه لا تظهر فقط فى فارق الإيرادات بين عام وآخر، لكن هناك خسائر متعلقة بإغلاق دور العرض نفسها بسبب الإجراءات الاحترازية، وهو الأمر الذى منع عرض عشرات من الأفلام الأجنبية، أى أنه الخسائر غير مرتبطة فقط بعدم عرض الأفلام المصرية وعدم استكمال تصوير العديد منها وإنما بصناعة دور العرض التى تلقت ضربة قوية فى الصيف الماضى عندما قرر المنتج أحمد السبكى عرض فيلمه الأخير «صاحب المقام» عبر منصة شاهد السعودية التى كررت الأمر لاحقًا مع أفلام أخرى ليشهد عام الكورونا أولى تجارب عرض الأفلام العربية على المنصات قبل شباك التذاكر، وهو إنذار واضح وصريح بإمكانية تكرار الأمر حتى لو اختفى الفيروس. ما يجعل الاستثمار فى صناعة دور العرض نفسه محل شكوك.

صحوة نتفليكس

وإذا كانت ثقافة الأرقام تغيب لكل أسف فى إدارات المنصات العربية، فإن نتفلكس التى تدار من أمستردام عاصمة هولندا أعلنت – حسب سى إن إن - إضافة عدد مذهل من المشتركين بلغ 16 مليونًا فى الربع الأول من 2020، ليصبح لديها 183 مليون مشترك حول العالم، وزادت أرباحها فى الربع الأول من 2020 بأكثر من الضعف، أى إلى 709 ملايين دولار مقارنة بـ344 مليون دولار فى فى نفس الفترة من العام السابق. وقفزت إيراداتها 28٪ إلى 5.7 مليار دولار، ومن المتوقع طبعًا مع إعلان أرقام 2020 الكاملة أن تحقق المزيد من القفزات، وهو ما حدث محليًا مع منصة واتش إيت التى شهدت فى رمضان الماضى إقبالاً غير مسبوق لمشاهدة مسلسلات رمضان أونلاين، حيث استحوذت المنصة المحلية على قرابة 20 مسلسلاً معظمها حقق نجاحات جماهيرية بجانب عروضها الأصلية خارج رمضان مثل «تحت السيطرة» و«إسعاف يونس». 

على مستوى الموسيقى، لم يتغير الحال كثيرًا، صناعة الحفلات حققت خسائر مروعة، فيما انتعشت تطبيقات الاستماع والتحميل عبر المحمول، مثل أنغامى وديزر وسبوتيفاى، ودخل هؤلاء الثلاثة فى سباق البودكاست والكتب المسموعة أيضًا، لتترسخ صناعة المحتوى الموجه إلى الفرد مباشرة دون الحاجة لوجود الجماعة للاستمتاع به، والبودكاست لمن لا يعرف هو شكل من أشكال الإنتاج الصوتى أقرب للبرامج المسجلة، لكن بدلاً من أن تسمعه عبر أثير الراديو فى مواعيد محددة يمكن أن تفوتك تستطيع الاستماع له عبر البودكاست من خلال  الهاتف المحمول فى أى وقت، وهو ما شهد توسعًا كبيرًا فى 2020 بما يهدد صناعة الراديو بشكلها التقليدى، وبات مطلوبًا من منصات الراديو المعروفة والقديمة أن توفر برامجها أيضًا بطريقة البودكاست لمن يريد الاستماع دون فواصل أو إعلانات أو مواجيز أخبار.

أوجاع المسرح 

طبعًا لا حاجة للإشارة للخسائر التى حققها المسرح، سواء التجارى أو مسرح الدولة، لكنها خسائر مضاعفة على الأقل معنويًا، فالمسرح الحكومى عادة لا يحقق أرباحًا، لكنه متاح للجمهور ليتابعوه فى القاعات المختلفة وليس لديه بدائل، فلن تتوافر المسرحيات مثلاً عبر منصات المشاهدة، بالتالى غاب فنانو المسرح بسبب كورونا ولم يجدوا مسارات بديلة عكس السينما والموسيقى، فيما كان حال الدراما الأفضل رغم تأجيل بعض المسلسلات، كون الدراما من الأساس يشاهدها الناس فى البيوت وهى نفس البيوت التى لم يغادروها كثيرًا هربًا من العدوى.