الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ألغاز هيئة كبار العلماء

تضطلع المؤسسات الدينية فى مصر - وعلى رأسها الأزهر الشريف - بالدور الأكبر والأهم فى معركة مجابهة التطرف والإرهاب فكريًّا، وبالأخص فكر جماعة الإخوان المسلمين التى خرج من رحمها كل الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية. 



يرجع تعاظم هذا الدور وأهميته إلى أن الإخوان ألبسوا - زورًا وبهتانًا - أفكارهم الظلامية عباءة الدين الإسلامى وصاروا يقدمون أنفسهم على أنهم الحق وما دونهم الباطل.

 

ومنذ نجاح ثورة 30 يونيو فى دحر الفاشية الإخوانية؛ انتظر المجتمع الذى عانى من ويلات الإرهاب، مباردة أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر بإصدار بيان يفندون فيه شعارات الإخوان ويكشفون براءة الإسلام منها، وظل صمت هيئة كبار العلماء مريبًا، خاصة مع إيثارهم الابتعاد عن الانتقاد المباشر لأفكار الجماعة «إسلاميًا أو فقهيّاً» مع الابتعاد عن شذوذ رموز الجماعة الدينى وأفكارهم المحسوبة على الإسلام على خلاف الواقع.

موقف هيئة كبار علماء الأزهر فتح الباب أمام تساؤلات، تحولت إلى ألغازٍ، زادت من ريبتها، مواقف وسير شخصية للمسئولين فى الهيئة من المشايخ المحسوبين على الأزهر الشريف.. بجلال المكان والمكانة.

وكان لا بد أن تزداد وتيرة الجدل، والتساؤلات فى الشارع المصرى، حول ما يجرى فى أروقة الأزهر الشريف، بعد أن صدر، قبل أيام، قرار الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف فضيلة الدكتور أحمد الطيب رقم «71 أ» لسنة 2020 بشأن تشكيل لجنة استشارية للفتوى بالأزهر الشريف، مُنح بموجبه الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق، منصبًا قياديًا أُسند إليه من خلاله الإشراف العلمى على جميع لجان الفتوى بالمؤسسة الدينية، إضافة إلى ترؤسه للجنة الفتوى بالجامع الأزهر.. كان القرار يعنى إعادة «شومان» إلى المشهد من جديد، رغم سابقة إقصائه من منصب وكالة الأزهر، ثم إقالته من أمانة هيئة كبار العلماء بسبب مواقف ناصر فيها جماعة الإخوان خلال العام الذى استولوا فيه على حكم مصر! 

قرار تشكيل لجنة استشارية للفتوى بالأزهر الشريف، لم تتوقف تبعاته عند حد تمكين عباس شومان، مرة أخرى؛ بل أعاد - أيضًا - القيادى الإخوانى الدكتور عطا عبد العاطى السنباطى  أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون.

بيان من مكة

بالتزامن مع أسئلة كثيرة ما زالت تبحث عن إجابات فى الشارع المصرى عن موقف المشايخ من الإخوان الإرهابيين؛ أصدرت هيئة كبار العلماء بالسعودية «قبل أيام» بيانًا وصفت فيه الإخوان بـ«الجماعة الإرهابية المنحرفة عن الدين»، وأضافت الهيئة أن الإخوان جماعة مارقة عن الإسلام، وفى ألفاظ واضحة تمثل موقف جبهة علماء مكة المكرمة من الإرهاب المتمسح فى الدين وبعد أيام لحق بهم علماء دولة الإمارات بتجريم الجماعة أيضا والتأكيد على سعى الإخوان للسلطة.

وضوح بيان هيئة علماء المسلمين فى المملكة العربية السعودية، زاد من موجات الاستغراب الموجهة لجبهة علماء الأزهر، وربما ضاعف من التساؤلات حول دور رجال الأزهر الشريف، مهد الإسلام الوسطى فى إيضاح الموقف الشرعى من هذه الجماعة المضللة، خاصة أن الأزهر الشريف، بمشايخه الأجلاء كانوا شهودًا مع المصريين على كم الجرائم التى اقترفها الإخوان فى حق مصر.

اختيارات الشافعى

عام 2012 نص الدستور وقتها على إعادة إحياء هيئة كبار علماء الأزهر الشريف مرة أخرى، بعد أعوام من إلغائها فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحل بديلًا لها مجمع البحوث الإسلامية.

وتعددت المفاجآت وقتها، ربما أولها إسناد مشيخة الأزهر الشريف مهمة اختيار أعضاء الهيئة إلى الدكتور حسن الشافعى والذى كان يشغل عام 2012 منصب رئيس المكتب الفنى لشيخ الأزهر «والشافعى معروف بانتمائه لجماعة الإخوان وسبق سجنه فى عهد عبد الناصر مع المتهمين فى حادث المنشية وبتهمة الانتماء للإخوان»! 

يكفى ذكر اختيارات الدكتور الشافعى للأعضاء فى الهيئة، لإدراك إجابات على كثير من علامات الاستفهام المتداولة فى الشارع المصرى حاليًا. فقد اختار الدكتور الشافعي، ضمن من اختار أسماء مثل: يوسف القرضاوى، ومحمد عمارة، ومحمد الراوى، ومحمد أبو موسى، مع تفاصيل كثيرة وراء، وحول أسباب اختيارات تلك الأسماء. 

دعمت توجهات اختيارات الدكتور حسن الشافعى لأعضاء فى الهيئة محسوبين على الإخوان، ثم اختيار الدكتور الشافعى نفسه، بعض وجهات النظر التى تؤكد أن  المرجعيات الأيديولوجية لبعض أعضاء الهيئة، مال بها ناحية أفكار التطرف، ومؤازرة أيديولوجيا الإسلام السياسى، وعلى رأسها أفكار جماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما أثبتت الأيام اقتراب وجهات النظر تلك من الواقع.. إلى حد بعيد. 

متهم فى المنشية

الدكتور حسن الشافعى معروف بانتمائه للجماعة الإرهابية وسبق إلقاء القبض عليه ثلاث مرات؛ المرة الأولى كانت فى العام 1954 كونه أبرز ناشطى الإخوان أثناء محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية وهى الواقعة المعروفة إعلاميًا بـ«حادثة المنشية»، وقضى وقتها 6 سنوات خلف القضبان عقب تقديمه لمحاكمة عسكرية، حتى أفرج عنه عام 1960.

المرة الثانية التى ألقى القبض فيها على الشافعى، كانت عام 1964، وأفرج عنه عقب شهور قبل أن يتم إلقاء القبض عليه للمرة الثالثة عام 1966 على خلفية ثبوت ضلوعه فى محاولة قلب نظام الحكم وإغراق الدلتا عن طريق تفجير القناطر وهى القضية التى عُرفت وقتها بـ«تنظيم 1965» التى خطط لها المنظر الإخوانى الإرهابى سيد قطب.

الجدل كثير فيما يتعلق بموقف هيئة كبار علماء الأزهر من الإخوان وداعش وباقى جماعات التطرف والإرهاب، الخارجة كلها من عباءة الإخوان، لكن يكفى لقطع الجدال.. بالقول الفصل.. العودة إلى بعض صفحات من مذكرات الدكتور حسن الشافعى «حياتى فى حكاياتى»  الصادرة عام 2018، إذ يؤكد الشافعى أن حسن البنا «شيخه وأستاذه» الذى تأثر به، وهو التأكيد ذاته الذى كانت قد أكدته موسوعة  الإخوان المسلمين، إنها آراء متبادلة، بين الإخوان والدكتور الشافعى؛ إذ وصفت الموسوعة الدكتور الشافعى بـ «عالم ربانى ملأ الدنيا وأسمع الناس»، وأضافت الموسوعة أن الشافعى تأثر كثيرًا بحسن البنا، حيث ترك مؤسس الجماعة بصماته على فكره وسلوكه!