الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نانسى وهالة ولجين ثلاث تحدين الاختلاف

حكايات من دفتر العزيمة

«سخرية وتنمر وتحفز وخوف»  جميعها مشاعر رغم قسوتها إلا أنه لم يفلت منها كل ذى إعاقة أو صاحب اختلاف عما هو شائع أو طبيعى. من الأطفال ذوى الهمم إلى مصابى التوحد إلى مرضى البهاق والصدفية إلى غيرها من قائمة الاختلافات التى نراها بيننا ورغم ذلك يخطئ معظمنا فى التعامل مع أصحابها سواء بقصد أو عن غير قصد .حتى نظرات التساؤل والشفقة نحوهم هى الأخرى نوع من القسوة،  السؤال هو : لماذا ليس لدى كثيرين القدرة على قبول الآخر أو تقبله؟!



  .. أين الإحساس  بالآخر؟!، ولماذا انعدمت الإنسانية  تجاه هؤلاء، دون أن  نفكر للحظة  ما  ذنب  المختلف أو المريض بالبهاق أو التوحد وذوى الإعاقة السمعية والبصرية،   ولما ذا نهرب منهم، ضع نفسك مكانهم ، تخيل لثوان .. إحساسك والأصدقاء ينفرون منك ، لو  فكرت فى  ذلك بحق،  ستغير وجهة نظرك  تجاه  كل  مصاب  بمرض ما.. الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع ترى أن إثارة حالة الشفقة تجاه المختلفين هو فى حد ذاته اعتداء عليهم ،فأنا لدى كثير من الطلاب يأتون على كراسى متحركة وأتعامل معهم كأشخاص عاديين وطبيعيين لأن من الخطأ معاملة المجتمع لهم على أنهم حالات إشكالية أو مرضية..  وتحكى زكريا: كان لدى طالب من ذوي الاحتياجات ليس لديه أرجل ولا ذراعين ورغم ذلك تخرج ونجح فى مجاله بشكل كبير وكنت أرثى لحاله سابقا كلما أراه حتى أنى فكرت أساعده ماديا ولكنه  قابل عرضى بالرفض وأخبرنى أنه من أسرة ثرية وهذه أيضا هى أحد أخطاء الصورة الاجتماعية التى نرسمها للمعاق أنهم أبناء فقراء أو غير قادرين على فعل أى شيء.  ولكن هذا غير صحيح فليس جميعهم فقراء أو ضعفاء إنما من يفقد حاسة تزداد قوة باقى الحواس الأخرى كما أنى لاحظت بعض العيوب الأسرية فى التعامل مع المعاق حيث إن بعض الأمهات يحاولون استدرار الشفقة تجاه أبنائهن وهذا خطأ أو نتيجة جهل كبير لأن هذا يربى فى الطفل طابع التسول الاجتماعى السؤال هو لماذا ليس لدى كثيرين القدرة على قبول الآخر أو تقبله؟! ولكن الصحيح أن هذا الشخص المختلف منحه الله ميزة أخرى مختلفة عن باقى البشر، ورغم أن المجتمع يحاول إظهار الشفقة تجاه هؤلاء إلا أنه فى الحقيقة مجتمع قاس عندما  يحاول تهميشهم والأفضل هو دمجهم والتعامل معهم بشكل طبيعى .

المرض الملون   

تقول الدكتورة «هدى زكريا»: إن البهاق،  يحمل فى طياته شيئا من القسوة لكثيرين من مرضاه بعد أن هاجم أجسادهم مخلفا بقعه البيضاء على صفحة هذا الجسد تاركا عقولهم فى حيرة أكبر بين الاستسلام واعتباره تشويها أو التحدى واعتباره تمييزا - وتتابع  زكريا- فى الوقت الذى يستسلم فيه البعض لهذا المرض نتيجة شعورهم بالنبذ ممن حولهم أو عدم تقبل الآخرين لهم نجد من يواجه  فى تحد مرضهم بأنه تمييز لا تشويها ويرفضون الاختباء من المجتمع ومواجهة أى تعليقات أو مضايقات بصورة إيجابية بل قد يشرحون طبيعة هذا المرض ممن يرغب فى المعرفة دون إحساس بالعار أو الحرج الذى قد يشعر به مرضى آخرون.. الدكتورة نهى محمود الجندى أخصائى أمراض جلدية  وتناسلية  بمستشفى شبين الكوم التعليمى قالت: المشكلة أن نظرة المجتمع  قد تؤثر بشكل كبيرعلى الحالة النفسية من مريض إلى مرض حيث إن الكثير من المرضى يعانون من أزمات نفسية جراء التعامل الجاف والنظرات القاسية التى تلاحقهم من المجتمع، وتشير الجندى إلى  أن الحالة النفسية  لأى مريض عموما تلعب دورا كبيرا فى علاج   نقص المناعة  كما يمكن  للحالة النفسية أن تزيد الحالة سوءا فمثلا فى حالة الحزن الشديد أو الصدمة يتطور المرض ويزيد بشكل كبير من انتشاره.. وتوضح الجندى: إن من أصعب الحالات التى يتم التعامل معها من مرضى البهاق هى حالات الأطفال لأنه يكون لديهم حساسية شديدة فى التعامل مع أصدقائهم داخل وخارج المدرسة فيشعرون بالحرج الشديد تجاه مرضهم.

طلاق  بسبب البهاق    

تروى الدكتورة نهى الجندى قصة:  جاءتنى حالة طفلة فى العيادة كانت مصابة بالبهاق بشكل بسيط ولكن مع وفاة والدتها فى حادث مفاجئ ازدادت حالتها سوءا وكانت تعيش معاناة فى التعامل مع المجتمع، كانت ترفض تماما الذهاب إلى المدرسة رغم تفوقها التعليمى وحاولت إعادة غرس ثقتها بنفسها .. تضيف الدكتورة نهى تتعرض المرأة بشكل أكبر للتنمر فيما يخص مرض البهاق عن الرجل النظرة أكثر ظلما للمرأة، وبشكل عام يجب على المريض  أو المختلف عموما أيا كان نوعه أن يواجه المجتمع بعزيمة ويندمج مع الآخرين وعلى المجتمع كذلك أن يتفهم طبيعة هذا الاختلاف بمزيد من الوعى والثقافة .. خبيرة التجميل المصرية لُجين صلاح حالة خاصة فى عالم  المرض، أسست  صفحة على الفيس، شعارها احلم . صدق . تجرأ . افعل»،  كلمات أربعة بإيقاع عالِ تعيش حياتها « لجين» بعد أن أصيبت بمرض البهاق وهى فتاة صغيرة وكانت كغيرها تشعر بالخجل من شكلها، كانت تخفيه بالمساحيق التجميلية، حتى قررت أن تتعايش معه بل تصبح خبيرة تجميل حيث سافرت ودرست التجميل وأصبحت أكثر تصميما على النجاح والاستمتاع بحياتها.    «واثقة أن فى يوم من الأيام ربنا هيحققلى حلمى وأكون مطربة مشهورة والبرامج تتخانق علشان يستضيفونى - هكذا تقول نانسى عاطف مدربة باليه مائى ومطربة صاحبة صوت مميز مضيفة - أنا شخصية رياضية من صغرى وبلعب باليه مائى  لكن أصبت بمرضى وأستخدم كرسى متحرك وفى البداية أصبت باليأس والاستسلام لمدة عام كامل فى البيت ولكن   والدتى أصرت على خروجى للحياة مرة أخرى وتابعت تدريب وتمرين لبراعم الباليه المائى واكتشفت أن الحياة لم تنته ولكن رأيتها بشكل مختلف بل أجمل .. أما هالة محمد 48 سنة فتقول : أصبت  بالبهاق نتيجة حالة شديدة من الحزن وفى البداية كان إحساسا صعبا بالتشويه واختلاف شكلى وكنت أرفض التواجد بأى مناسبة اجتماعية أو الخروج فى تجمعات خوفا من الكلمات أو التعليقات الجارحة أو حتى مجرد نظرة الخوف أو التقزز فى أعين الآخرين ولكن تراجعت بعد ازدياد حالتى النفسية سوءا نتيجة هذه العزلة والاكتئاب فقررت التعايش مع هذا المرض والخروج  للعمل مرة أخرى والبحث عن علاج مع المتخصصين كذلك متابعة الأشخاص الإيجابين ممن لديهم نفس حالتى ولكن نجحوا وانتصروا على خوفهم وواصلوا حياتهم بنجاح دون السماح لنظرات الشفقة أو التنمر من إضعافهم أو كسر نفوسهم.