الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
سلاح باليستى فى فنجان نسكافيه!!

معارك الأوطان لم تعد تجهيزات عسكرية وجاهزية قتالية

سلاح باليستى فى فنجان نسكافيه!!

ليست كل التقاليد موضة قديمة ولا أفكار بالية.. بعض التقاليد قيم لابد أن تستمر.. ومبادئ لابد من تجديد بنائها مهما تغير الزمن.



ليس كل قديم لابد أن يزول.. أو لابد أن تزيله الأجيال الجديدة والمستقبل.. منذ نشأت الفلسفة فى أثينا والإسكندرية وهى تسعى للحق والخير والجمال.

بعد ألوف السنين.. مازال المطلوب وعيا حقيقيا بمعنى الحق والخير والجمال لكمال المجتمعات.

 

(1)

دول الحضارات الشرقية هى الأقدم بالتاريخ والجغرافيا.. ومصر من أول بقاع الأرض على طريقة الزمن التى عرفت المدنية المنظمة والجيش الوطنى.. والأسرة المحكمة.

اختزلت مجتمعات دول التاريخ الحضارى الحق والخير والجمال فى مصطلح (المقدس)

الوطن مقدس.. والأرض مقدسة.. والأب والأم مقدسان.. والقيم الاجتماعية النبيلة مقدسة.. لم يتمتع الشارع المصرى بالثراء المادى على طول تاريخه.. كانت الأسرة المصرية «مستورة» رصيدها فى البنك المبادئ وفى كشف حسابها محظورات (العيب) ومفاهيم واضحة عن (الكبير).

كبير الأسرة.. وكبير العائلة.. وكبير القرية تحول تاريخيا إلى مرادف للمقدس.

ربط المجتمع الكبير بمفاهيم الحق والخير والجمال كان وعيا بالتركيبة الاجتماعية الحقيقية التى لا تنمو مجتمعاتنا إلا بها.

لم تصعد مجتمعاتنا سلالم المجد فى عمارة التاريخ إلا بتقدير الرمز.. والوعى بالعيب. لما تطاولت على مجتمعاتنا يناير 2011 ضربت أول ما ضربت فينا غدد العيب.. فاضطرب المجتمع.. وترنح.. لأن مفهوم الوطن ترنح لدى بعضهم.. وتساقطت لدى آخرين مفاهيم الحرية فتحولت إلى فوضى.. واهتزت مفاهيم التغيير لدى آخرين وأصبح التغيير مرادفا للحرق وإضرام الحرائق.. وإهانة رموز الوطن.. والاستهانة بمؤسساته.. وإنجازاته.. ومكانه ومكانته وتاريخه.

من قال إن الاستهانة بالوطن تصنع تغييرًا؟!

ومن قال إن إعادة بناء المجتمع تبدأ بهدمه أولا؟!

(2)

كما تغيرت الأزمان وتطورت.. تغيرت الحروب أيضا وتطورت.. وتخفت تحت البراقع.. وتخفت الأسلحة تحت النقاب، أصبحت تطلع الذخائر من فنجان قهوتك فى الصباح.. وتتسلل الرصاصات مع السكر فى شاى الخامسة وبعد العصر.

لم تعد الحروب مواجهات مباشرة.. بقدر ما أصبحت لعبًا بالريموت كونترول تستهدف الحروب الآن الأوطان من داخلها.. وتستهدف الشباب من جوه والمواطنين من عقولهم.

حل فيس بوك محل الأسلحة الباليستية.. وحل تويتر وانستجرام والسوشيال ميديا محل القنابل الهيدروجينية.. وغاز الخردل والسارين.

لذلك.. فمعارك الأوطان لم تعد تجهيزات عسكرية وتفوق سلاح وجاهزية قتالية..  معارك حروب العصر الحديث جاهزية بالوعى.. وتفوق عقلى يفكك ويركب ما ينتقل إلينا عبر مليون وسيلة اتصال.. تبث معلومات وشائعات وتخرصات وكلام فارغ!!

انتقلت الحروب من السلاح التقليدى، للأسلحة المضادة للوعى.. بعدما تبين أن شعوبنا تفوقت على السلاح التقليدى بأيديها وأسنانها.. وإنه لم يعد أمام إصرار تلك الشعوب إلا إبادتها من الداخل «باللعب فى الدماغ».. وقلب الحقائق.. وتفكيك النسيج الاجتماعى.. حتى تقع الثمار وحدها من فوق الأشجار.

فى الحرب العالمية الثانية أصاب الطيارون اليابانيون الأمريكان بالذهول فى بيرل هاربر.. استغرب ضباط الأسطول الأمريكى كيف أن الطيار اليابانى بعدما نفدت ذخائر قاذفته، أنه حول نفسه وطائرته إلى قنابل من نوع خاص.. ووجهها إلى سفن الأسطول الأمريكى.. ففجر نفسه وطائرته فى أجسام البوارج والمدمرات الأمريكية بسلاحها وجنودها.

فى بيرل هاربر.. لم يصمد الأسطول الأمريكى بكل ما لديه من سلاح هو الأكثر تطورا، أمام وعى وعقيدة الطيار اليابانى.. وإصراره على هزيمة عدو غاشم..  هدد الوطن والهوية.. واستهدف كسر الإرادة.. وفرض الإملاءات.

فعل الجندى المصرى فى 6 أكتوبر 73 أكثر مما فعله الكاميكازى اليابانيون فى بيرل هاربر، فى معارك أكتوبر انتصر الجندى المصرى بالإيمان بالله والوعى الحقيقى بالوطن، أذهل العدو كيف قفز الجندى المصرى دون سلاح بعد ما نفدت الذخيرة تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية الأمريكية الصنع ففجرها وفجر نفسه لتنفيذ مهمة لن يعود إلا بعد إنجازها.. وقد لا يعود.

دمر عبدالعاطى بالآر بى جى 17 دبابة إسرائيلية وهو مصاب.. وفى معركة المنصورة الجوية نفذ الطيارون المصريون عشرات الطلعات لمدة ساعة.. فى أعنف معركة جوية فى التاريخ العسكرى.

حلق فيها الطيار المصرى أكثر من 6 طلعات  فى أقل من ساعة رغم أن قوانين الطيران فى العالم تستبعد القدرة على أكثر من طلعتين فى اليوم!!

لما صدم الكاميكازى اليابانيون الأمريكيين فى بيرل هاربر لم تجد واشنطن حلولا أمام عقيدة المقاتل اليابانى.. إلا الإبادة الكاملة.. الإبادة بمعنى الكلام.. يعنى إبادة الشعب اليابانى حرفيا.

بعدها بفترة قصيرة ألقت الطائرات الأمريكية القنبلة الذرية على هيروشيما.. ثم على نجازاكى، تحولت واشنطن من الحرب الشريفة وجها لوجه.. لحرب خسيسة غير إنسانية.. فأبادت الأطفال والأشجار.. والنساء وأسقطت اللحم من على عظام البشر.. وذوبت الأسنان فى الجثث.

الأسلحة التقليدية محدودة فى مواجهة وعى الشعوب.. وفى الحروب فى هذا النوع.. يخسر الشعب لو غاب وعيه.. وتنهار الأوطان لو نجح العدو فى سرقة إيمان المواطن بالوطن.. وتسقط الدول لو دخلت الشائعات الموجهة تحت الجلد للوريد.

فى الحروب الحديثة يتفوق فيس بوك على أسلحة الدمار الشامل.. ويلعب تويتر دور السلاح البيولوجى.

غياب الوعى القومى يزيل الجلد عن أجسام الوطن.. ويذيب العظام.. وينخر كالسوس من الوريد للوريد.

تلعب الحروب الحديثة على ضرب الانتماء وتشويه مفهوم الوطن.. وتلعب على تغيير اللغة والمفردات والاختطاف بالموضات.. وتسريحات الشعر.. وحتى شكل الشرابات.. وشكل النظارات ونوعية الأغنيات.

تستهدف حروب الوعى ابتكار رموز داخل المجتمع لا يصح ولايصلح ولايجوز أن تكون رموزا فى الأساس.. وتسعى نفس الحروب لهدم رموز حقيقية آمنت بالأرض والعرض والتراب.

تعمل حروب الوعى على تشويه الدين ومسخه.. وإدخاله بالمعالق المذهبة إلى الحلق ومنه إلى البلعوم.

تستهدف تلك الحروب الوعى بالشائعات المزيفة.. وتماسك المجتمعات.. وتحفز آراء عامة مضادة ضد قفزات التنمية.. تستهدف حروب الوعى المجتمع.. والشباب بالكلام المذوق والسموم الملفوفة فى ورق سوليفان.. والألغام الموضوعة فى علب الهدايا ورسوم القص واللزق.

لما فشل العدو فى حروب المواجهة.. نزل تحت الأرض.. محاولا الصعود من أنفاق وسط ميادين وشوارع القاهرة والمحافظات.. وحاول النط فى كوباية الشاى.. أو القفز فى فنجان النسكافيه فى الصباح.. لتشويه الرمز.. وهدم صورة الكبير.. وتزييف الوعى الجمعى.

بحجة التغيير مرة.. ومرة أخرى بحجة (الحريات).. ومرة ثالثة بحجج (حقوق الإنسان).

غريب أن ينادى صناع القنابل المحلية.. ومدمنو الذبح أمام الشاشات.. وإلقاء المولوتوف أمام الاتحادية على المصريين.. ومهربو مستندات الدولة لقطر.. غريب أن ينادي هؤلاء بحقوق  الإنسان والحرية والتغيير؟!