الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شهر عسل الأميرة فوزية في "جنات النعيم"!

كلما مَرّ الزمان تتأكد عراقة تاريخ كل بقعة على أرض مصر، فكل شبر فيها وراءه حكاية تمتد لقرون طويلة مضت، وهو ما ينطبق  على حدائق «أنطونيادس» بمحافظة الإسكندرية، التى تضم بين ربوعها كنوزًا تاريخية وأثرية تثبت تفرُّدها منذ أن أسّسها «الإسكندر الأكبر» واتخذها عاصمة لمصر. 



 

تضم "حدائق أنطونيادس" قصرًا يُعرف بالاسم نفسه،  وتقع فى منطقة "سموحة"، ومساحتها 50 فدانًا، وتأسّست خلال حُكم البطالمة لمصر؛ حيث يَعتبرها المؤرخون واحدة من أقدم الحدائق حول العالم،  فضلًا عن كونها شاهدًا حيّا على تاريخ مصر منذ عهد الدولة البطلمية.

ووقع اختيار البطالمة على منطقة تُدعى "إيلوزيس"، أو ما عُرف وقتها بـ"جنات النعيم" لبدء إنشاء هذه الحدائق. 

ولم تحمل الحدائق اسم "أنطونيادس" فى نشأتها الأولى،  لكن شُهرتها بدأت تتسع خلال أوائل القرن التاسع عشر عندما امتلكها أحد الأثرياء اليونانيين ويُدعى "باستيريه" فحملت اسمه  لفترة طويلة.

وتوالت الأيام وانتقلت مِلكيتها بعد ذلك إلى "محمد على" باشا والى مصر، وحينها لاحت فكرة تشييد قصر له بداخلها، ومع تولى "الخديو إسماعيل" أعيد تأسيسها بتصميم يشابه حدائق "فرساى" فى باريس لتكون نسخة طبق الأصل منها.

وأسندت مهمة التطوير إلى مهندس فرنسى يُدعى "بول ريتشارد"، فشكّلَ وصفة عجيبة يلمحها الزائر لهذه الحدائق فجمعت بين الطرُز العربية والأندلسية والرومانية والإغريقية والإيطالية.

انتقلت مِلكية الحدائق بعد ذلك إلى بارون يونانى يُدعى "جون أنطونيادس"، اشتهر بتجارة القطن وعُرف بإلمامه الواسع بالثقافتين المصرية واليونانية، ولاتزال الحدائق التاريخية تحمل اسمه، وقدّم من خلالها نموذجًا لمحاكاة أهم وأشهَر حدائق وقصور أوروبا.

وبوفاة "أنطونيادس" انتقلت المِلكية إلى نجله "أنطونى"، الذى قام بإهدائها إلى بلدية الإسكندرية بُناءً على وصية والده، على أن يبقى اسمه موجودًا عليها.

آلهة الإغريق

 تضم الحدائق مجموعة من التماثيل المصنوعة من المرمر وأخرى تخص مشاهير عصرها، فضلًا عن مجموعة نباتية نادرة وصوبة مَلكية على طراز خاص. 

ويبلغ عدد تماثيل المرمر 17 تمثالًا تمثل جميعها أساطير آلهة الإغريق، وفى مقدمتها "أفروديت" آلهة الحب والجمال، و"فينوس" وهى تحمل فى إحدى يديها مرآة كبيرة تعكس أشعة الشمس فى الصباح إلى داخل القصر.  

كما توجد تماثيل لمشاهير الشخصيات فى مجالات مختلفة، منها المستكشفون الجغرافيون والرحَالة، ومنهم "ماجلان" و"فاسكو دى جاما" و"كريستوفر كولومبوس" وغيرهم. 

كما تضم حدائق أنطونيادس المجموعة النباتية النادرة، التى تحتوى على أعداد ضخمة من الأشجار وأشباه النخيل وتسمى "كالسيكاس" النجف، ومعها الكثير من النباتات المتسلقة والحوليات الشتوية والصيفية والزهور المعمرة. 

وعندما شيّد "محمد على" مقرّا داخل الحدائق اختار الطراز اليونانى، وكان عبارة عن فيللا، واستمر هكذا حتى أعطى الخديو "توفيق" أوامره بتحويلها إلى قصر يتكون من طابقين يضمان العديد من الغرف، فضلًا عن البدروم وغرف الخدمات. 

وخلال فترة حُكم الملك "فؤاد" قرّر تخصيص الطابق الأول لصالات الاستقبال وقاعة الطعام، إضافة إلى المكتب والمكتبة، فى حين ضم الطابق الثانى جناحين للنوم، أحدهما للملك والآخر للملكة وبينهما صالة لتناول  الطعام. 

ويضم هذا الجناح  4 غرف تخص الأميرات، كما يضم القصر مكانًا خاصّا لغرف نوم الضيوف، وتزينت الواجهات الأمامية بـ 4 تماثيل رخامية تجسد فكرة الفصول الأربعة.

أمّا الوجهة الجنوبية للقصر فتطل على حديقة "الشاى"، كما يزدان مدخل القصر من هذا الاتجاه بأسدين من المرمر الخالص.

حكايات القصر

تنوعت الأحداث والمناسبات التى شهدتها حدائق أنطونيادس وقصره منذ تأسيسها؛ حيث شهدت فترة ثلاثينيات القرن الماضى خروج مواكب الزهور والورود من أنطونيادس، التى تجوب وسط مدينة "الإسكندرية"، وهو ما عرف بحفلات "عروض الزهور". 

وفى عام 1936 تم توقيع اتفاقية الجلاء بالقصر بين الحكومة المصرية  ونظيرتها البريطانية ، وتم غرس شجرة عند مدخله بهذه المناسبة. 

واستضاف قصر أنطونيادس التاريخى عددًا كبيرًا من ملوك ورؤساء العالم عند زيارتهم لمصر، من بينهم ملوك كل من اليونان وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا. 

وأقام به ملك ألبانيا الملك "زوغ" وزوجته الملكة "جيرالدين"، كما أقامت به الأميرة "فوزية" ابنة الملك فؤاد الأول، وزوجها "محمد رضا بهلوى" شاه إيران السابق فى أوائل فترة زواجهما. 

كما يُعد القصر شاهد عيان على تأسيس الجامعة العربية؛ حيث أقيم به الاجتماع التحضيرى لتأسيسها عام 1944 بمشاركة الملك فاروق وعدد من الملوك العرب. 

واستضافت الحدائق فى العصر الحديث حفلات "ليالى أضواء المدينة"، التى أحياها نجوم الطرب فى مصر والوطن العربى لسنوات طويلة، من بينهم الفنانان الراحلان عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد.

كما أقيم بها مهرجان "سكندريات العالم"، بمشاركة 44 مدينة حول العالم تحمل اسم "الإسكندرية". 

مرت قرون طويلة على وجود حدائق وقصر أنطونيادس التاريخيين فى الإسكندرية ولايزالان شاهدَى عيان على تاريخ مدينة الإسكندرية، والآن تتبع الحدائق وزارة الزراعة ويشرف عليها معهد بحوث البساتين، وهو أحد معاهد مركز البحوث الزراعية.

بينما يتبع القصر والحديقة الأمامية له، التى تبلغ مساحتها قرابة فدانين، لمكتبة الإسكندرية منذ عام 2004 حتى يكون مركزًا ثقافيّا عالميّا متفردًا لمنطقة حوض البحر المتوسط وكمقر لحوار الحضارات والثقافات وحلقة وصل بين دول شمال وجنوب المتوسط.

وتم الاتفاق بين المكتبة ومجموعة "أوناسيس" العالمية اليونانية حتى تضم الحديقة متحفًا لحضارات البحر المتوسط   و قاعة للمؤتمرات، وهذا المشروع قيد التنفيذ حاليًا.