الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

"الدولية".. حديقة عابرة للثقافات!

لا تتوقف الحديقة الدولية بمدينة نصر بالقاهرة، عن البوح بأسرارها؛ حيث تُعتبر أشبه بمحمية طبيعية خضراء تمتد على مساحة آلاف الأمتار المربعة؛ لتحكى عن ثقافات متعددة لأكثر من 16 دولة شاركت فى تأسيسها، لهذا سُميت بالحديقة الدولية، التى تُعبر عن عمق العلاقات الدافئة التى تربط مصر بالعديد من شعوب العالم الصديقة، وتتيح الحديقة فرصة تاريخية نادرة للتقارب بين الشعوب فى أوقات المناسبات والأزمات والأعياد القومية.. ووسط ضجيج العاصمة وزحامها تستقبل الحديقة زوارها بشكل يومى دون انقطاع؛ حيث يجد الزائرون فرصة مثالية للتنزه بين الأشجار والنباتات النادرة ومطالعة بعض الرموز والتماثيل والتصميمات الثقافية التى تخص بعض الدول.. كما يمكنه أن يستنشق عبير الهواء النقى الذى تحتفظ به الحديقة بين أسوارها المرتفعة. 



مشاركات دولية

شهدت محافظة القاهرة بناء الحديقة الدولية فى مكانها الحالى بمدينة نصر عام 1987، وذلك بمشاركة نحو 16 دولة عربية وأجنبية؛ حيث ساهمت كل دولة بمجموعة من النباتات والأشجار النادرة والقطع الفنية التى تخصها إلى جانب بعض التصميمات والتماثيل والرموز الثقافية التى تميز جوانبها وأصالتها الحضارية.

وكان الهدف الأساسى هو إنشاء حديقة عابرة للثقافات، وهى فكرة موجودة فى عدد من دول العالم؛ حيث يُعبر هذا المربع الأخضر عن حالة التلاحم والصداقة بين الشعوب، ولهذا خصصت محافظة القاهرة هذا المكان الذى يمتد على مساحة 55 فدانًا فى قلب مدينة نصر، بحيث تكون ملاذًا هادئا للسكان، ورُغم ما تشهده الحديقة من هدوء نسبى طيلة العام؛ فإنها تتحول إلى مكان مزدحم بالزائرين خلال الأعياد والمناسبات، وبخاصة شم النسيم.  

ومن أهم الدول التى شاركت فى تأسيسها: اليابان وتونس والمغرب والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المغربية، والبحرين وكوريا وفرنسا، ويوجد جناح أو ركن خاص بكل دولة من هذه الدول الصديقة.

 ويضم هذا الركن عادة مجموعة من الأشجار والنباتات والمقاعد وبعض التصميمات الهندسية.. ويعبر كل جناح من هذه الأجنحة عن تراث كل دولة، كما يعبر أيضًا عن عمق العلاقات بين الدولة صاحبة الجناح وبين العاصمة المصرية القاهرة.

 والطريف أن عدد الأجنحة لا يتوقف عند رقم ثابت،  فالمكسيك على سبيل المثال قررت أن تقوم بإنشاء جناح خاص بالحديقة بمناسبة مرور 60 عامًا على العلاقات بين البلدين، ومن المقرر أن يتم افتتاح هذا الجناح بحيث يكون شبيهًا لطبيعة الحدائق العامة فى دولة المكسيك؛ حيث تقوم السفارة المكسيكية بالقاهرة بمتابعة هذا المشروع الذى يحظى باهتمام دبلوماسى بين البلدين. 

وتحظى الحديقة باهتمام خاص لتطويرها؛ حيث قامت محافظة القاهرة بمخاطبة سفارات العديد من الدول التى لها أجنحة داخل الحديقة للإسراع فى تطويرها وإعادة افتتاحها من جديد ضمن مشروع كبير لتطوير المظهر الحضارى والثقافى بها، ومن ضمنها سفارات كل من هولندا وكوريا والكويت والمغرب والإمارات، وتمت الاستجابة بالفعل؛ حيث يتم التطوير بمعرفتهم، وبحسب الموروثات الشعبية والثقافية لبلدانهم.

 حيث تتعامل كل دولة مع الركن الخاص بها وكأنه مِلك لها، من منطلق أنه يعبر عن ثقافتها وتراثها أمام الزائرين، لاسميا وأن رواد الحديقة يأتون من جنسيات مختلفة حول العالم، وبهذا يكون كل جناح بمثابة فرصة للتلاقى والتعارف الحضارى ومن أجل الترويج والدعاية والتسويق الجيد لهذه الدول المشاركة من خلال أجنحتها الخاصة بالحديقة.  

علاج الزهايمر

الدراسات العلمية تؤكد أن التنزه وسط المساحات الخضراء يمكن أن يساهم بشكل كبير فى إنعاش وتنشيط الذاكرة؛ حيث تساهم المسطحات الخضراء فى تجديد الهواء وخفض معدلات ثانى أكسيد الكربون، ما يزيد من تدفق الأكسجين لخلايا المخ، ولهذا توصف الحدائق لبعض المرضى ولاسيما كبار السن للتجول بها، إلا أن الحديقة الدولية تنفرد بميزة نادرة، وهى أنها تضم مجموعة نادرة من الأشجار والشجيرات والنباتات ذات القيمة العالية؛ حيث يضم الجناح الفرنسى شجرتين لنبات "الجنكو بايلو"، وهو من النباتات ذات القيمة الطبية العالية، ويستخدم كمقوى عام، وتدخل مادته الفعالة فى الأدوية الخاصة لعلاج "الزهايمر".. أما الجناح الكورى فيحتوى على شجيرات "الصبار"، وهو ذو أهمية كبيرة لدى الكوريين ويدخل فى صناعات وأدوية ومستحضرات تجميل عديدة.

   أما أبرز ما تضمه الحديقة فهو الأجنحة الخاصة ببعض الدول العربية الشقيقة، التى يغلب عليها الطابع الثقافى العربى والبدوى أحيانًا؛ حيث تظهر فى هذه الأجنحة بعض الزخارف والتصميمات العربية التراثية؛ وبخاصة فى الجناح الخاص بالمغرب العربى، ويتضح ذلك فى تصميم "النافورة" الشهيرة بدولة المغرب.

 ويمكن أن نرى العادات العربية الأخرى بوضوح فى جناح دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ حيث نرى فى هذين الجناحين بعض العادات مثل القهوة العربية والجبال والقعدة العربى وبعض المظاهر التى تحاكى الحياة الواقعية.

ولا يخلو الجناح المصرى من طابع الثقافة والحضارة المصرية العريقة؛ حيث يغلب على الجناح الطابع الفرعونى، لهذا نجد الأهرامات ونهر النيل وبعض الرموز والمعالم الحضارية المعروفة عن الحضارة المصرية القديمة.   

تمثال الحرية

من الطرائف التى تضمها الحديقة أنها تجمع بعض المتناقضات التى ربما يكون من الصعوبة أن تجتمع مع بعضها على أرض الواقع؛ حيث يضم الجناح الأمريكى تمثال "الحرية" الذى يُعتبر أحد أهم المعالم البارزة فى الجناح الأمريكى بالحديقة، ويضم لوحة مكتوبًا عليها إهداء يقول "مقدمة لسكان القاهرة من سكان نيويورك - 1990"، أمّا الجناح الصينى فيضم مجسمات ورموزًا تُعبر عن الثقافة الصينية، ويوجد تمثال لأحد الآلهة الصينيين..  فى حين يضم جناح هولندا "الطاحونة الهولندية" الفريدة، التى تشتهر بها هذه الدولة، أمّا الجناح الرومانى، فيضم مائدة مستديرة ترمز لأحد الاجتماعات المهمة فى رومانيا، ويضم الجناح الفرنسى المسلة الشهيرة و4 تماثيل، تعكس جوانب عديدة من الثقافة الفرنسية والتراث الفرنسى المعروف.. ولا تتوقف متعة الحديقة الدولية عند حد التنزه أو التجول فقط، وإنما يتيح المكان فرصًا عديدة للاستمتاع بالطبيعة والإثارة؛ حيث تضم الحديقة الدولية حديقة "حيوانات صغيرة" بها العديد من أقفاص الطيور والحيوانات كالطاووس والنعام الإفريقى وحيوانات محنطة وهياكل عظمية لحيوانات مثل "الشيتا" من أمريكا اللاتينية والسحالى والثعابين الآسيوية الضخمة، وتقع هذه الأشياء المحنطة داخل متحف صغير يقدم معلومات علمية حول هذه الحيوانات. 

هذا بالإضافة لتطوير تقنيات العرض؛ حيث تتم إتاحة هذه المعروضات المحنطة فى جو من المؤثرات الصوتية الموسيقية التى تجعل الزائر يشعر وكأنه فى البيئة الطبيعية، وهذا يمنح الزائر لحظات من الإثارة والمتعة والترفيه والتشويق.

 ويوجد بالحديقة أيضًا قطار الرعب  الذى ينقل الزائرين فى رحلة مثيرة للغاية يرون خلالها "أقنعة" مخيفة تظهر فجأة وأصوات مرعبة عالية ومتكررة تمامًا مثلما يحدث فيما يُعرف ببيت الأشباح فى مدن الملاهى.