الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

"الأسماك".. كل الأحبة اتنين اتنين!

يَعرف كل من شاهد بعضًا أو كثيرًا من الأفلام العربية القديمة (الأبيض والأسود) مناظر حديقة غَنّاء، ظلمها فقط عدم إتاحة التلوين فى ذلك الزمن، عادةً ما يتواجد فيها المحبون، أو كما تقول الأغنية «كل الأحبة.. اتنين اتنين».



 

 الحديقة الرائعة الجمال تبدو كقطعة من الجنة؛ حيث الأشجار الوارفة، والتصميم الذى يجعلها تبدو كمرج طبيعى، هذه الحديقة هى "حديقة الأسماك" أو "جنينة الأسماك"، التى تُوجَد  فى حى الزمالك، بالقاهرة.

يقع حى الزمالك فى غرب مدينة القاهرة، وتقع حديقة الأسماك فى شارع الجبلاية، الذى سُمى بوحى من تصميم الحديقة، التى عُرِفَت أيضًا بـ"حديقة الجبلاية".

بدأ إنشاء الحديقة عام 1867، على يد الخديو إسماعيل صاحب التطلعات الكبيرة الذى كان يرغب فى أن يجعل مصر قطعة من أوروبا، وأسّس ما يُعرَف بمنطقة "وسط البلد" الخديوية فى القاهرة، وقد جاء بمهندس خبير فى تأسيس المتنزهات خصيصًا من باريس كى يضع مخطط الحديقة ويُشرف على إنشائها.

وتولت "إدارة حديقة الحيوان" (فى الجيزة) مسئولية إدارة حديقة الأسماك منذ العام 1902؛ لتتم تهيئتها لاستقبال الجمهور وتفتح أبوابها له فى نهاية العام نفسه، وتحديدًا فى يوم 21نوفمبر، وذلك بعدد 24 حوض سمك تعرض أنواعًا كثيرة من الأسماك النيلية المتنوعة، على مساحة كبيرة مقدارها تسعة فدادين ونصف الفدان.

ظل الوضع على ما هو عليه، تستقبل الحديقة جمهورها، ويتم تصوير الأفلام فيها لروعة مناظرها، حتى جاء العام 1965، فتم إغلاقها لعمل تجديدات أشرفت عليها وزارة الزراعة، ولم تستقبل الجمهور مجددًا إلا فى عام 1983. وتستقبل الحديقة زوارها من يوم الأربعاء حتى الاثنين من كل أسبوع، وعطلة الحديقة فى يوم الثلاثاء، من الساعة التاسعة صباحًا  إلى الساعة الرابعة والنصف، والدخول إليها مقابل تذكرة قيمتها  خمسة جنيهات للمصريين وعشرون جنيهًا للأجانب، أما الأطفال تحت عمر الرابعة فدخولهم مجانيّا.

وقد تم تسجيل حديقة الأسماك كأثر ثقافى، بقرار وزير الثقافة رقم 860 لسنة 2010، لتكون ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.

 فالحديقة ليست قديمة وحسب، بل إن تصميمها مميز للغاية، وكذلك المواد التى صُنِعَت منها تكويناتها المعمارية؛ حيث تم جلب الطين الأسوانى، وخلطه بالرمل الأحمر، وكذلك مواد داعمة، جعلت التكوينات تبدو طبيعية للغاية.  وفى الوقت نفسه وضع مهندس الحديقة تصميم التكوينات لتبدو على هيئة "خياشيم الأسماك"، لتبدو الحديقة نفسها وكأنها تتخذ شكل سمكة، إلى جانب أن مظهرها العام يبدو كـ"جبلاية".

جبلاية.. تمتلئ بالممرات التى تشبه الشعاب المرجانية، تصميم مدهش يدل على خيال واسع، وطموح كبير، سواء لدى واضع التصميم أو الخديو إسماعيل، الذى لم يبخل بإحضار أنواع نادرة من الأشجار، من مدغشقر، وتايلاند، وأستراليا.

 للحديقة مدخل ذو فتحتين تشبهان خياشيم الأسماك، بجانبهما زعنفتان، تقع خلفهما الممرات الأربعة، ثم منطقة "البهو"، وتأخذك الممرات التى تتخذ شكل التجاويف البحرية، إلى كهوف متعددة، وتسمع فى خلال ذلك أصوات انسياب الهواء الذى يصنع أصواتًا تشبه حركة المياه، وخارج هذه الكهوف توجد أيضًا ممرات تؤدى إلى مسطحات خضراء.

تتيح الحديقة لزوارها 49 حوضًا للأسماك، تُشير اللافتات أنها تضم أنواعًا نادرة، وإن كان البعض منها الآن خاليًا للأسف، كما توجد بانوراما للأسماك المحنطة، وتشير اللافتات أيضًا لقِسم "السلاحف والزواحف البحرية".

كما أن الحديقة تضم أربع صوب لتفريخ الأسماك، ومفرخًا رئيسيّا وصوبتين لمعالجة المياه  اللازمة لحياة الأسماك.

 هذا هو التصميم الأساسى لحديقة الأسماك، الذى يضم أيضًا حديقة للأطفال، وبحيرة صناعية، لكن للأسف ليس الوضع الآن كما كان سابقًا، فزيارة سريعة إلى الحديقة تكشف أن بعض الأحواض فقط تمتلئ بالسمك، والآخر فارغ تمامًا. 

وفى عام 2008 تم إنتاج فيلم "جنينة الأسماك"، من بطولة هند صبرى، إخراج يسرى نصر الله، وتأليف ناصر عبدالرحمن، وكان آخر عمل سينمائى تقريبًا تكون الحديقة شريكًا مُهمّا فى مشاهده، أظهر جمال تفاصيلها.. وبالألوان.

ولاتزال الحديقة تحتفظ بهذا الجمال، بالإضافة إلى مساحتها الخضراء الشاسعة، وتفاصيل تكويناتها الفريدة، هو كونها مكانًا مفضلًا للأحبة، يسعهم ويحتفظ بأسرار حكاياتهم، كما يحتفظ بأسمائهم التى حفروها على جدران تكويناتها.