الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حرب فى الاستديو

بسم الله.. الله أكبر



لم تكن حرب أكتوبر العظيم على الجبهة فقط، والسلاح لم يكن الدبابة والقنابل والرصاص فقط، كان هناك جنود تحارب خارج الجبهة بأسلحة أخرى.

كانت هناك حرب فى الاستديو أيضا.. عبدالرحيم منصور وبليغ حمدى قررا أن يحاربا مع الجنود وأن يكون مبنى ماسبيرو هو الجبهة والأغنية هى سلاحهما ضد العدو، اقترح بليغ على عبدالرحيم أن يقيما فى مبنى الإذاعة والتليفزيون يصنعا أغانى يحمسا بها الجنود.

 

قال بليغ إن اللحن والكلمة لا بد أن يشاركا فى الحرب، وافق عبدالرحيم وشجع بليغ وذهبا لعمل معكسر داخل مبنى ماسبيرو الذى كان يخلو تمامًا من أى تأمين.

بلد فى حالة حرب، لا أحد يعرف وقتها بالتحديد، ولكن الكل متأهب للحظة الحاسمة فى أى وقت، كل منزل يحتوى على بطل أو أكثر، ولا أحد مسئول عن بليغ وعبدالرحيم ووردة أثناء العمل، هكذا قيل لهم ولكن بليغ أصر.

دخلوا ثلاثتهم مبنى ماسبيرو، وبدأ العمل وأول ما كتب عبد الرحيم «بسم الله.. الله أكبر.. بسم الله.. بسم الله.. بسم الله.. أذن وكبر.. بسم الله.. بسم الله.. وقول يارب.. النصرة تكمل»

لحن بليغ الكلمات، ولكنه يحتاج إلى فريق كورس ليؤدوا الأغنية وليس صوتًا مفردًا، فماذا يفعل؟

كان مبنى ماسبيرو يخلو تمامًا من الموظفين ماعدا بعض العمال الذين لا يغادرون المبنى، استعان بهم ودربهم جيداً، وكانت أغنية العبور بكلمات عبدالرحيم منصور وألحان بليغ حمدى وغناء المجموعة، العبور الذى كان ظهر اليوم التالى من معسكر بليغ حمدى وعبدالرحيم منصور.

أنهى عبدالرحيم كتابة الأغنية واطمأن أن بليغ استقر على اللحن ولا يحتاج أية تعديلات وانصرف إلى منزله ليستريح بعد يومين بلا نوم.

وأنا على الربابة بغنى

وبعدها بساعات قليلة انطلق من المذياع خبر عبور الجنود وكانت الأغنية تذاع طوال الوقت.

هرول  بليغ إلى منزل عبدالرحيم منزل ليخبره بالعبور العظيم، وأخذ يطرق الباب ملهوفًا أن يُفتح له، وهو ينادى بصوت عالٍ ويقول: «افتح يا عبدالرحيم افتح الجنود عبروا»،  فتحت له زوجة عبدالرحيم منصور، لتخبره أنه بغرفته مستغرق بالنوم، دخل بليغ على عبدالرحيم الغرفة.

وقال عبدالرحيم: «فى إيه يا بليغ بس ما صدقت أنام!!!!»..

«اصحى وصحصح وفتح عينك يا رحمى احنا عبرنا وانتصرنا» .. قال بليغ بصوت متقطع سريع للغاية يكاد لا يجمع حروف الجملة من كثرة السرعة.. فرح منصور فرحا عظيما وقال بصوت خافت: «آآآآآآه.. يابوووووى.. نفسى كنت أبقى فى البلد دلوقتى.. بس أروحها إزاى ...يابووووى».. فقاطعه بليغ قائلاً: «كنت هتعمل إيه يا رحمى.. قولى لو كنت فى البلد كنت هتعمل إيه»

فقال له: «يابووووى... كنت همسك ربابة واتنى أغنى بيها فى كل البلد..».

«اكتب دا بسرعة يا عبرحيم.. خد ورقة وقلم واكتب بسرعة»... قال له بليغ فى إثارة شديدة وشغف وانتظار لما سيكتبه عبدالرحيم منصور، وبالفعل كتب منصور:

وأنا على الرباية بغنى

م املكش غير إنى أغنى واقول

تعيشى يا مصر

حلوة بلادى السمرا

بلادى الحرا

بلادي

وهكذا كانت «وأنا على الربابة بغنى» التى تتغنى بها أجيال الأجيال بعدهم.

كتب الكاتب الكبير توفيق الحكيم بعد نصر أكتوبر 1973 مقالا بعنوان: «عبرنا الهزيمة»، قرأ عبدالرحيم منصور المقال، ثم كتب: «عبرنا الهزيمة.. يا مصر يا عظيمة» التى شدت بها صوت مصر الحر شادية.

اتصل بعدها توفيق الحكيم بعبدالرحيم منصور وطلب مقابلته، وعندما ذهب منصور للحكيم قال له الأخير إن المقال لم يقرأه الكثير، ولكنك جعلت الملايين من المصريين يتغنون بعنوان المقال شكراً يا عبدالرحيم منصور.. أنت شاعر تستحق الخلود كما خلدت عنوان المقال».