الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إنفلوسر.. ولكن!!

انتشر على «السوشيال ميديا» مؤخرا فيديو لعائلة تخطط وتنفذ مقلبًا فى ابنتهم البالغة سنتين. وقد نجحوا بالفعل فى إثارة ذعر الطفلة التى خافت من وجه أمها الذى لونته بالأسود واضعة باروكة صفراء على رأسها. الفيديو أثار نقاشات اجتماعية واسعة، وخاصة أن والد ووالدة الطفلة من  نجوم جماعة الـ«influencers» على مواقع «التواصل الاجتماعى»، أى جماعة الأشخاص المؤثرين والقادرين على جذب رواد «السوشيال الميديا» وتسجيل أعلى الأرقام فى متابعة ومشاهدة أعمالهم. دارت المناقشات حول موضوعين أساسين: الأول، جماعة الأشخاص المؤثرين بشكل عام وطبيعة دورهم وتأثيرهم على المتابعين وخاصة من الأطفال والشباب، وهل يساهمون بشكل إيجابى فى اتجاهاتهم وسلوكياتهم الاجتماعية.  أما أن هدفهم الوحيد هو جذب مشاهدات ومتابعات أكثر وبالتالى الحصول على إعلانات وتسويق منتجات، مما يدر عليهم دخلًا أكبر بغض النظر عن المحتوى. وللأسف الشديد، فإن الفيديوهات الأكثر فجاجة وسوقية هى الأكثر متابعة ومشاهدة. لقد أصبت بصدمة كبيرة عندما شاهدت عددًا من الفيديوهات لهؤلاء الأشخاص المؤثرين، والتى تحظى بملايين المشاهدات، ورغم مما تحتويه من سطحية وسُخف وتنمُر وإيذاء للآخرين وتعريضهم للخطر، وترويج لخطابات فى الكراهية والتمييز والتحريض على جرائم.. قد تكون ظاهرة الأشخاص المؤثرين عالمية، ولكن متابعة ملايين من الشباب المصريين لها بكل هذا الاهتمام والشغف، وتأثيرها عليهم،  ينبغى أن تكون محط اهتمام وقلق خبراء التربية والإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والمؤسسات الدينية والسياسية !! أما الجانب الإيجابي،  فهو أن ظاهرة الأشخاص المؤثرين قد أنشأت من داخلها آليات مدنية للمتابعة والمراجعة، حيث يقوم بعض المتابعين بتقديم تقارير لإدارات مواقع «السوشيال ميديا» المختلفة، وبلاغات للنيابة العامة، حول أى مواد منشورة تتضمن محتويات تحض على التمييز أو الكراهية أو العنصرية أو الجريمة..  وفى حالات كثيرة، قامت إدارات «السوشيال الميديا» بحذف هذه المواد من مواقعها، كما  أحالت النيابة العامة عددًا من هذه الحالات إلى المحاكمة الجنائية. أما الموضوع الثانى فدارت مناقشاته حول: هل  تخويف طفلة صغيرة من قبل أهلها وتصويره، وعرضه على مواقع «السوشيال ميديا» للتربح منه جريمة تستحق عقوبة؟.. أم مجرد خطأ عائلى بسيط يجرى كل يوم فى بيوتنا لا يستحق كل هذه الضجة؟ وقد توسعت هذه المناقشات على «السوشيال ميديا» عندما تقدم المجلس القومى للطفولة والأمومة ببلاغ للنيابة العامة ضد الزوجين بسبب ترهيبهما ابنتهما الصغيرة واستغلالها للتربح من وراء نشر فيديوهات مسيئة. حيث اعتبر المجلس هذه الواقعة انتهاكًا صريحًا للدستور ومخالفًا لقانون الطفل وقانون مكافحة الاتجار فى البشر. التعليقات الرافضة لتجريم الزوجين تقول: أن أغلب الأسر تفعل مقالب وتخيف أطفالها بهدف اللعب والتسلية، وأنها إساءة بسيطة من قبل الأهل مقارنةً بما هو أكبر مثل  الضرب والإهانة والتنمر وتعذيب الطفل، والدفع به للعمل قسرًا وتركه فى الشارع، أما التعليقات الأكثر جدلًا فهى هل معاقبة الوالدين بالسجن يصب فى مصلحة الطفلة؟.. وهل إيداعها مؤسسة للرعاية سيكون أفضل لها من رعاية أهلها؟ النظرة المتأنية لمثل هذه الحوارات تثبت أن جانبًا كبيرًا من المجتمع مازال يتسامح مع الأشكال المختلفة للإساءة والعنف ضد الأطفال. وذلك فى إطار نظرة تقليدية ترى أن الطفل هو ’’ملكية‘‘ خاصة للأسرة ينبغى أن يحقق مصالحها وطموحها، وأن العنف أحد مصادر تربية وتقويم الطفل. وهو أمر يتعارض مع فلسفة حقوق الطفل التى قامت عليها بنود الدستور والقانون المصرى. والتى ترى الطفل شخصا مُستحقا للرعاية والحماية الكاملة من الدولة بكامل مؤسستها القانونية والحكومية والمدنية، وليس من الأسرة فقط. وأن من حق الدولة والقانون التدخل لحماية الطفل فى حالات كثيرة قد تشكل فيها الأسرة خطرًا على الطفل وسلامته البدنية والنفسية ومعوقًا لنموه وتطوره. فى إطار آلية لتحقيق الحماية والعدالة للطفل. وتقديرى، أن أشكالًا كثيرة من الإساءة الموجهة للطفل من قبل الأسرة، تحتاج أكثر إلى تدابير قانونية، إضافةً لأية عقوبة أخرى تقررها المحكمة. ومن هذه التدابير نذكر على سبيل المثال: إخضاع الأسرة المسيئة للطفل لإعادة تكوين وتأهيل فى مجال التربية الأسرية الإيجابية وأساليبها بعيدا عن العنف  من قبل مراكز متخصصة حكومية وأهلية، ثم مراقبة أداء الأسرة بعد ذلك وهل غيرت أسلوبها فى التربية أم لا.  وظنى أننا جميعا نحتاج لمثل هذا التأهيل.