الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

يتعلمون من حضارتنا.. ونبحث فى بقاياهم!

فى أواخر الثمانيات كتب المؤلف السوري/حسن محمد يوسف سلسلة مقالات عن رحلته للنرويج والبلاد الإسكندنافية، وأطلق على النرويج آنذاك «سقف العالم».. وقد أعاد استخدام  الاسم عام 2017، وأطلقه على مسلسل أنتجه وأخرجه المبدع/نجدة أنذور(الذى تم انتخابه كنائب لرئيس مجلس الشعب السورى بعد فوزه بالعضوية عام2016).. ويحكى المسلسل عن فتاة عربية تعد رسالة دكتوراه فى جامعة كوبنهاجن، عن الآثار الاجتماعية والثقافية لرحلة أحمد ابن فضلان الذى أوفده الخليفة المقتدر إلى الدنمارك والدول الإسكندنافية قبل أكثر من 1800 عام.. فاستعرضوا مغامراته فى مجتمع الشماليين البدائيين الذين كانوا يغوصون فى الجهل والظلام، بينما كان العرب المتقدمين قد وصلوا لسقف العالم فى العلوم والطب والمعرفة!.. وكان هدف المسلسل الرد على تطاول بعض الدنماركيين على المقدسات الإسلامية، بشكل حضارى موثّق بلغة الفن الراقية.. والجدير بالذكر أن الباحث النرويجى/بيير فراوس دولوس هو من جمع ما تناثر من المخطوط العربى القديم الذى ضاعت نسخه الأصلية، ولم يبق منه سوى ما اقتبسه الرحالة العرب فى كتبهم-وهو أقل من 5 %- بالإضافة للأجزاء القليلة التى تم اكتشافها من المخطوطة، وقد ترجمها للإنجليزية الكاتب الأميركي/مايكل كرايتون فى كتابه «أكلة الموتى» عن مخطوطة ابن فضلان عام 1976.. وتحولت للفيلم الأمريكى «المحارب الـ13» عام1999.. ولا أعلم لماذا لم يفكر أحد مبدعينا باستدعاء فكرة الرد الحضارى على الاستهانة بنا، بإنتاج فيلم سينمائى ضخم عن أحد الأيقونات المصرية.. كالصعيدية «فيرينا» التى تحتفل بها العديد من الدول هذه الأيام، والتى علمت الأوروبيين النظافة منذ القرن الثالث الميلادى، ويعتبرها كثيرون أما لراهبات أوروبا.. فهى اسم يعرفه العالم، ويحرصون على اقتناء صورها وتماثيلها.. وقد بنيت كنيسة فوق قبرها فى سويسرا التى تحتضن 70 كنيسة باسمها، بالإضافة لـ30 كنيسة فى ألمانيا.. وترجع قصتها لزمن الملك الرومانى الوثنى دقلديانوس الذى جاء مصر نهاية القرن3م، وكان جيشه يخوض حرباً فى بلاد الغال(جنوب شرق فرنسا)، وأراد أن يأخذ مددا من المصريين، فجمع 6600 محارب بقيادة «موريس»، وأطلق عليهم «الكتيبة الطيبية»، نسبة إلى العاصمة الفرعونية «طيبة».. وكانت «فيرينا» -التى ولدت فى مدينة «جراجوس» عام 280 م بمركز قوص بمحافظة قنا- من الفتيات المصاحبات للكتيبة لإعداد الطعام وعلاج الجرحى.. وبعد انتصاره أمر بإقامة الاحتفالات، والتى بها مظاهر وثنية رفضتها الكتيبة بأكملها، فتم تغذيبهم وقتلهم جميعا.. وهربت فيرينا والفتيات واختبأوا فى أحد الكهوف فى جبال الألب السويسرية.. وبدأت رحلتها فى خدمة سكان المنطقة الذين يعانون الجهل والمرض.. وعلمتهم العناية بالصحة الجسدية وكيفية الاغتسال، وتمشيط الشعر والقضاء على الحشرات فيه باستخدام المشط «الفلاية الفرعونية»، وكانت تقدم لهم هذه الخدمات مجانا، وتنفق على نفسها من خلال الخياطة والتطريز.. وظلت هكذا حتى وفاتها فى 14 سبتمبر 344م.. وفى عام 1986 زار مصر وفد سويسرى حاملا جزءا من رفات القديسة «فيرينا»، وتم وضعه فى كنيسة تحمل اسمها داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. والغريب أن الاهتمام بالقديسة فيرينا يقتصر فى مصر على المسيحيين!.. وتتناولها مسرحيات الأطفال التى تقام فى الكنائس وتعرض على قناة الأطفال «كوجي» التابعة للكنيسة الارثوزكسية.. رغم أنها ليست رمزا مسيحيا فقط، بل رمزا مصريا يؤكد الحضارة المصرية وعمقها وجذورها الممتدة عبر التاريخ، فتعيد إلينا الثقة فى أنفسنا، ونرد بها على كل من يتعالى أو يتناسى دور مصر وشعبها على مر الزمان.. والمفارقة هنا أننا فى الوقت الذى نجد الكتاب والمبدعين فى الغرب ينقبون عن جذورنا العريقة، كى يستزيدوا علما ووعيا وإبداعا.. فيسنيرون، ويسيرون على خطى الأقدمين المتقدمين الذين قادوا الأمم!.. نجد مبدعونا يختزلون الثقافة والتقدم فى متابعة ما يقدم فى الخارج -على أقصى تقدير- لتحقيق السبق فى النقل والتقليد والاقتباس!.. لنظل ندور فى فلكهم ونتغذى بالفتات، بينما هم يتعلمون من تاريخنا ما يجعلهم يمتلكون الحاضر ويمتلكوننا!!