الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فيروز - ماكرون

..تأثير القوى الناعمة اللبنانية فى سياسات بلادها.. فأين القوة الناعمة المصرية من سياسات بلادنا!!



منذ أيام أوفى الرئيس الفرنسى ماكرون بوعده للبنانيين، فقد عاود زيارة لبنان، ضاغطاً على القوى السياسية هناك، للبدء فى تنفيذ خريطة الإصلاح السياسى والاقتصادى التى حددها هو والاتحاد الأوروبى،  بدعم أمريكى واضح، مشهده زيارات متكررة لمساعد وزير الخارجية الأمريكية، تأتى دائمًا لاحقة لكل زيارة أوروبية تتم للبنان، لتؤكد وترسخ لنتائج تلك الزيارات.

فى هذا المقال لن أناقش خريطة إصلاح لبنان، فكتابات عدة تتناولها شرحًا، وخبرًا، وكذلك تفصيلا.

لكنى أكتب لأنبه إلى أمر غاب عن بعض منا، كيف أثرت قوة لبنان الناعمة فى دعم سياسات بلادها الخارجية، وكيف أثرت على علاقاتها الدولية. 

ماكرون زار فيروز قبل أن يزور رئيس الجمهورية اللبنانية، وقبل أن يزور رئيس برلمانها، وقبل أن يقابل القوى السياسية الكبرى هناك.. فماذا استوقفنا فى ذلك!؟ ما استوقفنا عدا منحه وسامًا رفيعًا لجارة الوادى... فيروز لبنان ومصداحته.. كروان الشرق وأحلى أنغامه.  

وفاتنا أن هذه الزيارة تُثبت أن فن فيروز ورحبانيات لبنان، قد دعّما سياسة دولتهما فى أزمتها الأخيرة أمام المجتمع الدولى، وكانا سببًا من ضمن أسباب أخرى،  فى الاتجاه الدولى نحو الدعم السياسى والاقتصادى للبنان.

معنى هذا المشهد أن الدول تستخدم فى سياساتها الخارجية موارد ومصادر قوى مختلفة من أجل التأثير فى الداخل والخارج. وأمثلة ذلك:

١ - القوة الخشنة.. وهى قوة تقوم على التأثير باستخدام القوة العسكرية، وأحيانًا باستخدام سلاح المساعدات المالية منحًا أو منعًا.

٢ - القوة الناعمة.. مثلما فى حالة لبنان.. وهى قوة تعتمد على تشكيل تفضيلات ومواقف الرأى العام فى الخارج والداخل، فى اتجاه مصالح الدولة صاحبة القوى الناعمة على المدى الزمنى البعيد، باستخدام عوامل جاذبة للوجدان وللعقل معًا. 

ومن لبنان أثر صوت فيروز وموسيقى الرحبانيات -وعلى مدى زمنى طويل- فجذبا العقل والوجدان الفرنسى.

إنها القوة الناعمة القادرة على توجيه الرأى العام، والتأثير فى الوجدان، من خلال مساحات الفكر الثمين، ومعطيات الثقافة الراقية، وآفاق الفنون الجميلة. 

هى قوة جاذبة للآخر، توحده مع الدولة صاحبة القوة الناعمة، وتربطه مع فكر أهلها ورؤاهم.. تمامًا كالتأثير الساحر للسينما والفنون المصرية فى ستينيات القرن الماضى وما قبلها على منطقة الشرق الأوسط.

أما الإعلام ووسائله ووسائطه المختلفة، فهو ناقل للقوى الناعمة، وليس فى حد ذاته أحدها.

٣ - القوى الذكية.. وهى بمفهوم العلاقات الدولية تجمع بين القوى الخشنة والناعمة.. فأحيانًا يكون استخدام إحدى القوتين -الخشنة أو الناعمة- منفردة، غير كافٍ لتحقيق الأهداف السياسية.. فمثلاً محاربة الإرهاب لا تستقيم بالقوى الخشنة فقط.. يلزمها أيضًا قدر من القوى الناعمة لحماية وتحصين العقول ضد فقه الإرهاب الأسود.

٤ - القوى الحادة.. وتستخدمها بعض الدول مثل الصين وروسيا، وهذا النوع من القوى يهدف بالأساس إلى تقويض نزاهة واستقامة النظم الأيديولوجية الأخرى المنافسة، باستغلال حالات خاصة تُظهر مثالبها، ومن ثم التركيز على إبراز هذه المثالب إعلاميا بشدة وتكرار.

أما وقد أدرجنا أنواع القوة المختلفة المؤثرة فى سياسات بلادها الخارجية.. يبقى السؤال الكبير.. أين القوى الناعمة المصرية من خدمة سياسات بلادنا بالشكل القوى المُستدام، الذى يليق بمصر ويفى باحتياجاتها من التأثير الخارجى والداخلى المطلوب!! أين رسالة مصر للعالم من خلال الإعلام ... ولماذا نتحدث إلى أنفسنا ولا يصل صوتنا للخارج.. وكيف لا يروج إعلامنا لمصر.. لقد أصبح لدينا وزارة دولة للإعلام على رأسها وزير دولة محترم قدير مهمتها الأساسية وضع السياسة الإعلامية التى تخدم الصالح العام للوطن، ونقل المعلومة الدقيقة، وشرح السياسات العامة، لبثها ونشرها فى توقيتاتها السليمة، حسب الأولويات الاستراتيجية للدولة المصرية.

ومن هذه السياسة تنبثق استراتيجيات التنفيذ وآلياته.. ولدينا ثلاث هيئات إعلامية كبرى، يترأسها رجال كبار محترمون قادرون على أحداث الفارق..  مهمتهم فى مجالاتهم المختلفة تنظيم المشهد الإعلامى وتطويره ووضع معاييره.. إنما يلزم لهذا سياسات ومعلومات.. وهى مهمة وزير الدولة للإعلام.

فلو نسق الجميع معًا.. لانصلح شأننا الإعلامى.. ولعادت لمصر قوتها الناعمة.. ولاستطاعت وسائلنا الإعلامية الوصول بها إلى الرأى العام فى الداخل والخارج. 

وبناء على السياسة الإعلامية تلك توضع استراتيجيات التنفيذ.. وتوزع الأدوار والمسئوليات.. بحكم قانون الإعلام الموجود... مع الاستفادة من كل وسيلة إعلامية مقرؤة أو مسموعة أو مشاهدة، ليتولى الجميع أدوارًا محددة.. تتكامل فى النهاية لتحقق تنفيذًا صحيحًا للاستراتيجيات الموضوعة. والله ولى التوفيق