السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السيد الرئيس ... لقد أوجع حُزنُك قلبى

الرئيس السيسى فى افتتاح محور المحمودية بالإسكندرية يوم السبت الموافق ٢٩أغسطس الماضى كان صادقًا مع نفسه ومع المصريين لأقصَى درجات الصّدق.. عنده حق أن يغضب حينما يرَى شعبَنا وقد فقدت فئة منه البصيرة الوطنية... فئة جرفت أرضَ مصر الزراعية.. وبنوا عليها مبانيهم..  فأصبحنا أمَّة تُجرف الأراضى الزراعية وتَستصلح الصحارى!.



بعد ذلك  يتباكون على ضيق العيش!.. ما فعلته أيُّها المصرىُّ هو أنك قلّصت بيدك فرصَ الحياة الكريمة لأحفادك.. واستنفدت كثيرًا من فرص النّمو المُستدام لهذا البلد الأمين.

فى هذا اليوم أحسَسْتُ بمصرية الرئيس وهى فى أوج درجاتها.. ورأيتُ وسمعتُ حرقته على  مستقبل بلده وأهله وناسه.. لكنى كنت آمل ألّا نتنازل عن حق المجتمع فيما اقترفته هذه الفئة من بناء مُخالف على أراضى الزراعة.. كنتُ أريد أن يدفع كل مَن جرَف أرضًا زراعية ثمَنًا لما اقترفه فى حق الوطن.. صحيح أنها أرضه ومِلكه؛ إنما حينما يُحوّل المواطنُ أرضَه الزراعية إلى مبانٍ.. فهو  يُقلل المحصول الزراعى المصرى.. ويُقلص الناتج المحلى.. ويضرب فى مقتل سلاسل القيمة المضافة للاقتصاد..  فالمسألة ليست مجرد زراعة نبات؛ إنما تكمن أهميتُها فى إقامة سلسلة متكاملة من الخدمات والصناعات على هذا المحصول.. فهناك مَن يجمعه.. يُعبئه.. ينقله.. ومَن يصنعه مربى أو عصيرًا أو أدوية.. ومَن يبيعه جُملة كفاكهة أو قطاعى.. من يُصدره ويشحنه.. ومَن يُغلفه.. أى عشرات الخدمات والصناعات التى تقوم على محصول زراعى واحد.. جميعها يذهب مع الريح مع تبوير الأرض الزراعية.

هناك إذن اقتصادٌ مستدامٌ تنمو به الدولة يتأثر سلبًا.. وفاتورة استيراد ترتفع! وعُملتنا الوطنية تضعُف وتَقل قوتها الشرائية.. ويعيش الناسُ فى شظف عيش.. بسبب مجموعة من البشر تملكهم الجهل والأنانية.. أفيقوا يا  مصريون.. فنحن نستورد الفول والقمح وكل شىء! ألا تستحون!..

ثم تقولون إنكم خير أمّة.. أى خير وأى أمّة تلك التى لا تستطيع أن تزرع ما تأكله؟! كيف احتل ضيقُ الأفق عقول البعض هكذا.. كيف تمكنت منهم الأنانية إلى هذا الحد.. ولماذا تُركوا يمارسون عشوائية الفكر وعمى القلب إلى هذه الدرجة!.

كنت آمل ألّا يعفى السيد الرئيس ما تم فى الماضى من مخالفات بناء على الأراضى الزراعية.. كنت أرجو أن يدفع هؤلاءُ المخالفون ثمَن استصلاح مساحات من الصحراء تُنتج نفس قدر إنتاج ما جرفوه من أراضٍ.. إنه حق الأمّة المصرية على تلك الفئة.. فقد جعلوا الفلاح يهاجر للخارج والداخل.. فى الخارج ذاق الأمَرَّيْن.. وفى الداخل ذهب إلى العاصمة القاهرة وعواصم المحافظات بحثًا عن الرزق الضائع.. فماذا كانت النتيجة؟ أضحت مدنُنا تئن بملايين البشر النازحين إليها.. فلم تكن مؤهلة لسُكناهم إياها.

أفقدوها جمالها وعبَق ماضيها.. ولم يعد صوت أم كلثوم يحن على جدران الوطن.. ولا صوت عبدالحليم يهدهد مشاعرنا.. فقد جاء المخالفون بعشوائيتهم وقبحهم فأفسدوا الذوق.. وأرهقوا البُنيان  التحتى.. وحوَّلوا المدن إلى قبح.. ورسخوا فيها كل الأمراض الاجتماعية التى تأتى مع الزحام وصعوبة العيش.

أليس هذا فعلًا مُجرمًا يستوجب العقاب؟! من بَنَى على الأرض الزراعية عليه أن يدفع ثمَن هذا.. ومن تركه يبنى وهو  فى موقع المسئولية عليه هو الآخر ثمَن.. كلهم مجتمعون يجب أن يدفعوا ثمَن الوطن الذى أهانوه.. وثمَن ما صرفته ولاتزال تصرفه الدولة لإصلاح ما تسبّبوا فيه من إهلاك للبنية الأساسية والخدمات.. وثمَن ما أرغموا به الدولة لبناء عاصمة ومدن جديدة كحَلٍ وحيد لتقليل الضغط الواقع على المدن القديمة.

السيد الرئيس لا تحزن.. لقد أوجعَ حُزنُك قلبى.. فلأوّل مرّة أرى رئيسًا موجوعًا بحرقة على مستقبل الأولاد والأحفاد المصريين.. لقد استدعى مشهدُك من داخلى موجات الغضب الدفينة على هؤلاء الذين استباحوا مصر وأفسدوها.. لكنى كنت أتمنّى أن يدفعوا ثمَن ما فعلوه بنا وبمصرنا  وأهلنا.. تسببوا فى رفع أسعار الأراضى فوق قدرة المصريين.. وجعلوها تُقيم بأكثر من حقيقتها.. فنشأ طيفٌ من الناس لديه قدرة مالية أكثر من متوسط قدرات المجتمع.. وتكوّنت موجة طلب كبيرة أمام معروض أقل.. فضرب التضخمُ اقتصادَنا على مدار عشرات السنوات.. وارتفعت الأسعار وزادت فواتير الدعم الحكومى.. إلى أن نهش الضعفُ فى هياكل الاقتصاد.. وتضاءلت الطبقة المتوسطة بمستوياتها المختلفة.. وفقدت الأمل والأمان..  لذلك فمن وجهة نظرى المتواضعة؛ فإن هؤلاء الذين خالفوا.. يجب أن يُحاسَبوا.