السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أغانٍ وطنية منزوعة الحماس

دقت طبول الحرب.. عادة ما يطلق هذا التعبير المجازى عند اشتداد الصراعات والأزمات الدولية، للدلالة على أن حربًا قد أوشكت..وهو تعبير له جذوره فى عمق التاريخ؛ حيث كانت تقرع الطبول لإعلان الحرب وتحفيز العقول وبث الحماس فى القلوب، إلى جانب تنظيم الجنود بإشارات معينة أثناء المعارك..كما استخدمت آلات النفخ النحاسية التى تصدر صوتًا جهورًا لنفس الأسباب، كى تزيد جرأة المحاربين وتحفز روحهم القتالية.. وظلت تلك الآلات الصاخبة مرتبطة بفرق الموسيقى العسكرية، والتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الجيوش فى العصر الحالى، ولها دور كبير فى هيبة الدول وظهورها بالشكل اللائق فى المراسم الرسمية.. كذلك ارتبطت الأغانى الوطنية فى أذهاننا بالحماس والقوة والشموخ، واستُخدمت لتعبئة الشعب على قلب رجل واحد فى الظروف العصيبة لأكثر من قرن من الزمان.. فلاتزال أجيالنا تحفظ أغانى سيد درويش التى ألهبت الروح الوطنية فى ثورة 1919 مثل: «قوم يا مصرى، بلادى لك حبى وفؤادى، أنا المصرى كريم العنصرين».. وما أعقبها من أغانٍ مهمة ومؤثرة وخاصة بعد ثورة يوليو 1952 وحتى نصر أكتوبر مثل: «مصر التى فى خاطرى، مصر تتحدث عن نفسها، قوم بإيمان وبروح وضمير، رايحين شايلين فى إيدنا سلاح، أحلف بسماها وبترابها، خلى السلاح صاحى، بسم الله..الله أكبر، يا أغلى اسم فى الوجود).. وبخلاف عشرات الأغانى الحماسية التى تستنهض الهمم، ظهرت نوعية أخرى فى أعقاب الانكسارات، مثل «الدرس انتهى لموا الكراريس، ويا بلادى يا بلادى» وذلك بعد العدوان الإسرائيلى على مدرسة بحر البقر.. وكذلك «عدى النهار» التى كانت عنوانًا لفترة النكسة والحزن الذى تمكّن من المصريين.. وعلى مر تاريخنا المعاصر ظهرت عشرات الأغانى الوطنية مختلفة الطابع، فبعضها احتفالية مبهجة مثل: «مصر اليوم فى عيد، فرحة مصر، تسلم الأيادى، بشرة خير»..وأغانٍ تبدو وكأنها توقظ الانتماء النائم مثل: «ما شربتش من نيلها»، و«فيها حاجة حلوة» من فيلم (عسل أسود).. ومن نفس الفيلم «بالورقة والقلم» والتى كانت وكأنها عتاب للوطن الذى اعتدنا وصفه بالأم، وبالتأكيد لمست الأغنية مشاعرنا بصدقها، وخاطبت وجع قلوبنا من أى غصة استشعرناها فى بعض اللحظات.. وظهر أيضًا فى السنوات الأخيرة تجارب عديدة لإعادة تقديم أغانٍ وطنية قديمة، إلا أن ما يستوقفنى هو طمس هوية بعض الأغانى، بالفقر فى تقديمها ونزع الطابع الحماسى منها!..وآخر مثال عن ذلك «اسلمى يا مصر» التى أصبحت تلاحقنا فى الفضائيات بصوت المطرب الشاب/محمد محسن، بمصاحبة موسيقية هادئة وإيقاع بطىء، لا يتناسب مع المعانى والكلمات التى سطرها الأديب/مصطفى صادق الرافعى، ولا مع اللحن الحماسى الذى وضعه الملحن/صفر على!..فقد كانت نشيدًا وطنيًا لمصر منذ1923، وحتى 1936.. وأصبحت فيما بعد نشيدًا لكلية الشرطة.. حتى إنها ترسخت فى أذهان الكثيرين بصوت اللواء المطرب/أيمن صفر على فى أعياد الشرطة.. ورغم أن الأغنية فى ثوبها الجديد نالت استحسان وإشادة الكثيرين، فإننى أجدها تشويهًا للنشيد الأصلى!..فبعد أن كان مرتبطًا بالشموخ والعزة والجسارة، أصبحت الأغنية تؤدى بضعف واستكانة ومصاحبة موسيقية أشبه بالجنائزية!..وكأنها تعبر عن وطن جريح يحاول لملمة جراحه، فتعكس روحًا انهزامية تتنافر مع المعانى المعبرة عن مصر القوية الأبية الجسورة!.ورغم أننى لست ضد أى شكل من الإبداع، بل على العكس مع حرية كل مبدع فى التعبير عن نفسه كيفما شاء..ولست مع حصر الأغانى الوطنية فى نمط واحد، فالمهم هو الصدق دون الافتعال، ومن يشأ يغنى للوطن ويحتفل به فأهلاً به، ومن يشأ يعبر عن شجنه أو وجعه فأهلاً به أيضًا، طالما فى حبه وبنائه وفدائه.. ولكن رجاءً دون العبث بالتراث وتحويل الحماس لبكائية، وتشويه الإبداعات التى ارتبطت بوجداننا وصارت جزءًا منا!