الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

اتفاق سلام بطعم مُر لقوى الشر

حسنًا فعلتْ الإمارات العربية المتحدة بعَقدها اتفاقَ سلام مع إسرائيل، ومصر بينها وإسرائيل علاقات طبيعية أيضًا، والأردن وفلسطين لديهما اتفاقات سلام مع إسرائيل كذلك، والأخيرة دولة جوار للعرب كاملة الأهلية الدولية، ويضير العرب أكثر مما يضيرها عدم وجود علاقات طبيعية معها؛ لأنها دولة متقدمة مؤثرة، يسيطر يهودُها على اقتصاد ومال وتجارة وإعلام العالم، وهى بلدٌ تملك تكنولوجيا متطورة واقتصادًا كبيرًا، وبالتالى؛ فإن تأثيرَها فى السياسة وفى الاقتصاد واسع - لا يمكن تجاهله. ولم يعد العداء أو الخصام اختيارًا أبديّا مقبولًا، فالعالمُ يتعامل من خلال منظومة عولمة ذات اعتمادية دولية دقيقة، لا مجال فيها لقطيعة وخلافات، خصوصًا مع من يستطيع أن يُحدث الفارق.



انظر كيف تصالح العالمُ مع ألمانيا واليابان اللتين ضَرَبتا الدنيا بوحشية فى الحروب العالمية، ثم انعكس الحال، وضُرِبت الاثنتان بذات الوحشية مع نهاية الحرب العالمية وهزيمتهما فيها. 

فليس هناك عداءٌ بلا نهاية، وأمريكا تصالحت مؤخرًا مع كوريا الشمالية عدّوتها اللدود، وقبل ذلك كانت قد أنتجت المارد الصينى - عدّوها الشيوعى الخطير - ثم إنها أطلقته إبان زيارة رئيسها نيكسون للصين عام 1972، كقوة اقتصادية هائلة فى السوق الدولية.

المعنى؛ إن المصالح تتصالح فى إطار نظام عالمى محكوم بقُطب واحد يعتبر إسرائيل وكيله فى منطقة الشرق الأوسط.

والخلاصة؛ أنه لم يَعد هناك مجال لإغفال إسرائيل كقوة إقليمية مُهمة، يكون التعاون معها ضربة معول للأتراك والإيرانيين، فلا تصدّق أن هاتين الدولتين تتصارعان ضد بعضهما من أجل خير المسلمين، لا، إنهما تتصارعان سُنّة وشيعة للسيطرة والنفوذ والحُكم، وباتفاق بينهما. ولاحظ أنهما تهددان الدول العربية - كل واحدة بطريقتها - تركيا وضعت قواعدها العسكرية فى سويداء قلب الخليج بقَطر، وتركزت بقواتها فى شمال سوريا، ونقلت مرتزقة سوريا إلى ليبيا لتهدد مصر وتتحكم فى الشمال الإفريقى العربى. أمّا إيران فتحتل جُزرًا عربية، وتتواجد باليمن، وتهدد الخطوط الملاحية العربية فى البحر الأحمر وقناة السويس، وتؤثر فى العراق تقسيمًا وإضعافًا، وتفتت لبنان وتدمّره !!! ثم ألم ترَ كيف تتفق ميليشيات الأتراك السُّنيّة من الإخوان وجماعتهم، مع ميليشيات الإيرانيين الشيعة!!! ألم ترَ سُنّة غزة وهم يتعاونون مع شيعة إيران ضد مصر !! ألم ترَ ميليشيات السُّنّة تعمل فى سوريا مع الأسد ومعه أيضًا ميليشيات حزب الله الشيعية!! وفى قسم آخر ميليشات أخرى للسُّنّة ضد الأسد!!! 

ومصر تقف ضد محاور الشر السُّنية والشيعية، ومعها دول الخليج وعلى الأخص الإمارات والسعودية، وانظر لهذا التنسيق الرائع بين مصر والإمارات فى دعم «حفتر» بليبيا، وانظر لجهد هذه الدول مع أمريكا لتأمين السلام والاستقرار بالمنطقة.

 فى إطار ما تقدَّم أزعم أننى أتفهم تصريح الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بخصوص الاتفاق «الإماراتى- الإسرائيلى»، حسبما جاء فيه من أنه؛ «تابَع باهتمام وتقدير البيان المشترك حول الاتفاق الإماراتى- الإسرائيلى؛ لإيقاف ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية، ولاتخاذ خطوات من شأنها إحلال السلام فى الشرق الأوسط، وتحقيق الازدهار والاستقرار بالمنطقة».

فالاتفاق ينص على؛ وقف فورى لقرار الضم الإسرائيلى لأراضٍ فلسطينية - المحافظة على قابلية حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل) - خَلق احتمالات جديدة فى عملية السلام وتعزيز استقرار الأردن - الإسراع فى النمو والتطور وتوسيع الفرص للشباب - إجراء محادثات حول التأشيرات السياحة والأعمال والاتصالات وروابط الشحن والتعاون الصحى والأمن المائى والغذائى والتغير المناخى والتكنولوجيا والطاقة والتبادل الثقافى والتعليمى وزيارات على المستوى الوزارى وتأسيس سفارات - إطلاق أجندة استراتيجية  للشرق الأوسط بما  يعمق التعاون الدبلوماسى والتجارى والأمنى المشترك مع الدول الأخرى الملتزمة بالسلام - بقاء الإمارات داعمة للشعب الفلسطينى ولكرامته وحقوقه ودولته المستقلة.

لاحظ ما وُرد بالاتفاق جيدًا، خصوصًا ما جاء به من تركيز على «الأمن المائى والغذائى والتكنولوجيا والطاقة... وإطلاق أجندة استراتيجية  للشرق الأوسط بما  يعمق التعاون التجارى المشترك مع الدول الأخرى الملتزمة بالسلام». 

فهل يكون هذا الاتفاق باكورة تعاون ناديت به فى مقالى بعدد 4 أغسطس  من مجلة «صباح الخير» الكبيرة، والمعنون؛ «أمَا آنَ الأوانُ بعد؟»؛ حيث طالبتُ بإنشاء شركات دولية جديدة على أرض مصر، تجمع بين المصريين وعرب الخليج والإثيوبيين، ودول حوض النيل ومعهم الإسرائيليين والأمريكيين، من أجل الاستثمار المشترك بالتكنولوجيا اللازمة لزيادة حصيلة نهر النيل من الأمطار التى تنهمر على الهضبة الإثيوبية (لا يستفيد النهر إلا بـ  5 % فقط من إيراد هذه الأمطار)، ومن أجل إقامة مشروعات مائية وكهربية وطاقة وغذائية بطول دول النيل من إثيوبيا جنوبًا إلى مصر شمالًا. 

وهل يكون هذا الاتفاق محورًا جديدًا للوقوف أمام الأطماع الإيرانية والتركية بالمنطقة، ورغبتهما معًا فى السيطرة عليها سياسيّا، وعلى أراضيها عسكريّا، وعلى أسواقها أقتصاديّا؟.

آمل ذلك وأتوقعه... والأيام بيننا.