الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أحمد أبوالغيط يدلى بشهادته

أدلى أحمد أبوالغيط -87 عامًا- الأمين العام للجامعة العربية بشهادته، فى كتاب عن السنوات السبع «2004-2011» التى تولى فيها حقيبة وزارة الخارجية.



وهى شهادة تغطى مسيرته فى ميدان العمل العام، ومسيرته فى وزارة الخارجية التى بدأ العمل بها سنة 1965، ملحقا دبلوماسيًا وارتقى سلمها درجة درجة، وظل فى رحابها أربعة وخمسين عاما.

وهو سادس من تولى وزارة الخارجية، منذ ثورة 1952، حيث أسندت، وزارة الخارجية، منذ الأسابيع الأولى لقيام الثورة، إلى  دبلوماسى محترف، هو الدكتور محمود فوزي، وليس إلى واحد من أهل الثقة. وقد ظل على سدتها حتى عام 1964، عندما خلفه محمود رياض. 

 وقبل أن أعرض فصول الكتاب المهم، سأتوقف عن الإهداء الذى صدر به الكتاب، إلى زوجته ليلى كمال الدين صلاح، لأنه صادر من قلب محب. ومن الطبيعى أن يمس شغاف  القلوب.

 تقول كلمات الإهداء:

«إلى ليلى أعز وأوفى صديقة.من انتقدتنى بإخلاص، ومدحتنى بصدق من وقفت بجوارى دائما. متفائلة وبشوشة.. من أحسنت تربية أغلى جوهرتين فى حياتنا، ابنى كمال وعلي، وجعتلنى أبا فخورا. إليك يا رفيقة حياتي، يا زوجتى العزيزة  أهدى هذا الكتاب»

وهى حاضرة بين سطور  الكتاب كله، فهو حريص أن تفهم طبيعة عمله، وتحمل معه العبء، ليس فقط كزوجة مسئولة عن شئون المنزل. ولكن تساهم قدر ما تستطيع، فى عمله الدبلوماسى المتشعب ونشاطاته العامة. ودائما ما ينصح الدبلوماسيين الشبان أن يحرصوا على هذه القيمة، طوال مراحل حياتهم. 

 وهو لم يعتمد على ذاكرته فى الإدلاء بهذه الشهادة، وإنما اعتمد على يوميات كان يسجلها فى حينها، ونار الوقائع والتطورات، لا تزال ألسنتها قائمة، تلسع من يقترب منها. 

وهو يكتب هذه الشهادة، وعينه مثبتة على شباب الدبلوماسيين، أو الطامحين إلى العمل فى هذا المجال، بل ويضيف : 

 «ويمكنها أن تساعد آخرين من المصريين الشرفاء فى خدمة المجتمع المصري، فى هذه المجالات التى أتصور أننى أتقنها أو أتقنتها».

ومن إشارته لقراءاته وفروع المعرفة التى يميل إلى القراءة فيها، يتضح أنه ليس مجرد قارئ هاو يحب القراءة، ولكنه قارئ محترف وفى الشئون العسكرية والأمور الاستراتيجية بشكل خاص، ولا يكاد يقابل من يستطيع التحاور معه حول هذه الأمور، حتى يمتد حبل الود بينهما. وسيحس القارئ لهذه الشهادة أن صاحبها يبوح بما يمكن اعتباره من الأسرار، ولكن يبدو أن هذه الوثائق أصبحت متاحة للرأى العام، بعد انقضاء الوقت الذى يجب فيه حجبها حماية للأمن العام. 

 ثم يعود فيؤكد أن هناك الكثير مما لم يقله، وليس من الملائم والمطلوب أن يقوله لأسباب يمكن أن يتفهمها القارئ. 

 وهو نموذج لرجل الدولة المسئول، الذى يرى نفسه حارسا ومسئولا عن سمعة بلده ومكانته ودوره وحضوره فى كل وقت، سواء كان فى موقع المسئولية أو بعيدا عن هذا الموقع.

وصاحب الشهادة،  حين كان يستعيد هذه الفترة التاريخية، بشخوصها ووقائعها وصراعاتها، فيبدو كأنه يعرض فيلما أمام المشاهد، فالفصل الذى عرض فيه لموضوع من يمثل أفريقيا فى مجلس الأمن.. شرح فيه تفاصيل القضية بدءا من جذورها. وكيف سعت جنوب إفريقيا ونيجيريا لاستبعاد مصر من المنافسة، وشرح كل الملابسات والتكتيكات والمناورات التى جرت ومواجهتها حتى انتهت بتأييد عدد كاف من الدول الإفريقية، لتكون مصر فى حلبة المنافسة.

كما توقف بالتفصيل عند مشكلات حوض النيل، وانقسام دوله  إلى ست دول فى مواجهة دولتى المصب مصر والسودان. 

 وأظن أن هذا الملف قد تركه أبوالغيط بكل سخونته، لخلفه والذى لا بد أنه سوف يتابعه بنفس اليقظة والمثابرة وعدم التهاون لحظة. 

 ومن أهم ما تضمنته هذه الشهادة الدقيقة والرصينة، هو وصف حالة الرئيس السابق حسنى مبارك فى السنوات الأخيرة من حكمه، حيث تحالف تقدم السن وطول مدة الحكم وموت الحفيد، على ضعف القدرة على التركيز ومتابعة التفاصيل والحزم فى إصدار القرارت التى كانت تميزه فى معظم سنين حكمه، وزادت رغبة المحيطين به، فى تخويفه الدائم من الأخطار الأمنية، ورغبتهم فى تأمينه داخل بوتقة مغلقة، ولم يتوقف وزير خارجيته عن مده فى كل لحظة، بما يجرى فى أنحاء العالم من أحداث وتطورات، وعن الاتصال بالتليفون اليومى الذى يلخص فيه ما يجرى لحظة بلحظة. ورغم أنه فقد الشغف بزيارة البلدان وحضور المؤتمرات  والحرص على اللقاءات. 

 وكان الوزير يتحايل بكل الطرق لإقناعه بالحضور.  حتى تكون مصر متواجدة فى الميدان العام تساهم بجهدها وتقول كلمتها وتحافظ على مكانتها. وكان ينجح أحيانا ويخفق فى أحيان أخرى ويرى أن هذا الوضع أضاع على البلد فرصا مهمة، بل ألحق بها أضرارًا، والغريب أنه كان مترددا إلى آخر لحلظة، فى تعيين نائب للرئيس، رغم أن هذا الأمر كان ضروريًا وملحًا. 

 ولأن الوزير المصرى كان يعيش اى حدث مستعينا بكل قواه ويقظته، ولا يتوانى عن إقناع الأطراف المشاركة، وكسب الأنصار. لذلك يقدم فى شهادته المشهد حيا كأنه يعرضه على شاشة سينما، ولا ينسى أحدا من المشاركين.  ولذلك تجد عشرات الأسماء التى لا ينسى تسجيلها من قادة ووزراء وسفراء وإعلاميين وقريبين من مراكز صنع القرار حضرت الأسماء التى تناثرت بين سطور الكتاب، فبلغت 159 اسما، منهم على سبيل المثال : رفيق الحريرى والمشير أبوغزالة وياسر عرفات وكمال حسن على وفايزة أبوالنجا وفاروق حسنى ومحمد البرادعى وعلى عثمان طه نائب الرئيس السودانى وزوليك مدير البنك الدولى والسفير محمد عاصم إبراهيم ومحمد حافظ إسماعيل ومحمد الفرنوانى والسفير على خشبة والسفير جمال منصور وأشرف مروان وميرفت التلاوى وشامير وإردوغان وكولن باول وسليمان عواد وعبدالرءوف  الريدى ومحمد الزويئى والسفير عمر سرى وكونداليزا رايس.

إنها شهادة مفيدة تحمل دروسا كثيرة، وتكشف عن ثغرات خلل تستحق التنبه   وهو يرى نفسه – ومعه الحق – من  الخبراء الذين يعرفون السياسة الأمريكية والنظام الأمريكى معرفة دقيقة وسأنقل عن نصحيته : 

 «إن العلاقات بين طرفين لهما وضعية مصر والولايات المتحدة، يجب أن تقوم على سعى كليهما للحفاظ عليها والدفع بها إلى مستويات أعلى من التفاهم مادامت تخدم مصالحهما المشتركة ويجب ألا يشعر أحدهما أنه هو الذى يسعى للحفاظ عليها بينما الآخر يهدد بإجراءات هنا وهناك. فهذه العلاقات يهددها الانكسار فى لحظة قد يفتقد أحدهما توازنه فى إدارتها والسيطرة عليها».