الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حرمة السلطان أردوغان مقدسة لا تمس!

حرمة السلطان أردوغان مقدسة لا تمس!

لا يخفى السلطان العثمانى الجديد «أردوغان» غرامه وعشقه وانبهاره بالسلطان العثمانى «عبدالحميد الثانى»، ولا أبالغ إذا قلت إن «أردوغان» يعيد تكرار كل ما فعله «عبدالحميد» والذى جاء فى الدستور وقتها إن السلطان هو خليفة المسلمين واسطنبول هى دار الخلافة .. وأن شخص السلطان أو الخليفة له حرمة مقدسة غير مسئول عن تصرفاته أمام أى شخص، بل إنه قام بتعطيل الدستور لمدة ثلاثين عاما ونصف العام !!».



 وبلغ من إعجاب أردوغان بالسلطان عبدالحميد أنه وراء إنتاج المسلسل التركى الضخم «عاصم عبدالحميد» الذى حوى أكاذيب وافتراءات لا حصر لها.. 

وما يفعله أردوغان اليوم فى  الصحافة والتليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعى من تنكيل وتشريد ومطاردة وسجن هو بالضبط نفس ما كان يفعله السلطان عبدالحميد، ومن هنا سر إعجاب أردوغان بالسلطان عبدالحميد!!

 كانت الرقابة فى زمن «عبدالحميد» صارمة وحاسمة وحازمة لا هزار فيها، وكان الرقيب – أو المكتوبجى بلغة تلك الأيام هو أخطر شخصية.

وفى كتاب الأستاذ «مصطفى أمين» الشهير «لكل مقال أزمة» فصل ممتع عن الرقابة والرقيب والمكتوبجى زمن السلطان عبدالحميد يقول فيه: 

 «كان الصحفيون المخضرمون يضربون المثل بالرقابة فى عهد السلطان عبدالحميد ! إن أمامى الآن  التعليمات التى كانت تصدرها الرقابة فى ذلك العهد وهذا هو نصها: 

 أولا: يجب على الصحف أولا إعلام الشعب عن صحة السلطان العالية، وبعدئذ  يمكنها الكتابة عن الإنتاج الزراعى وعن الرقى التجارى والصناعة الإمبراطورية!

 ثانيا: لا يجوز نشر أى مقال أو خبر قبل أخذ موافقة وزارة المعارف، ويستنثى من ذلك  القضايا التى لا تتعارض مع الوجهة الاجتماعية !

 ثالثا: ممنوع نشر المقالات الطويلة لأى موضوع أخلاقى أو اجتماعى . 

 رابعا: ممنوع استعمال عبارة «البقية تأتى» أو «يتبع» أو «للبحث صلة» أو البقية فى العدد القادم أو أى إشارة إلى أن المقال غير كامل!

 خامسا: ممنوع ترك فراغ فى الجريدة أو استعمال فقط بدلا من فقرات حذفتها الرقابة «..» لأن فى ذلك تشويشا وتأويلات للرأى العام!!

سادسًا: لا يجوز انتقاد الشخصيات الكبيرة الرسمية إذا اتهم حاكم بسرقة فلا ينشر شيء عن هذا، إذا اتهم برشوة فلا يشار إلى النبأ، إذا قُتل الحاكم أو الموظف الكبير فيحذر فى أى تلميح بأنه مات بطريقة غير عادية! بل يكتفى بأن ينشر أنه توفى إلى رحمة الله .

سابعا: لا يجوز  نشر أى شكوى من تصرفات أى كان من موظفى الحكومة حتى ولا يجوز نشر أن هذه الشكاوى اتصلت بمعالم جلالة السلطان!

ثامنا: لا يجوز نشر أنباء عن ثورات فى داخل السلطنة أو عن ثورات تاريخية ضد أى ملك من الملوك !

تاسعا: لا يجوز نشر أى هزائم أصابت جيش السلطنة، ولا أية انتصارات، انتصرها  الأعداء ولا يجوز تعظيم أى قائد من قوات الأعداء!

عاشرا: لا يجوز نشر اسم أعداء جلالة السلطان ولا الإشارة إليهم!!».

••

ويمضى الأستاذ «مصطفى أمين» فى كتابه الممتع فيقول:

«وقد يتصور القارئ العادى أنه من الممكن أن يكتب الصحفى بعد كل هذه التعليمات والتحذيرات والممنوعات .. ولكن الذى كان يحدث أن المكتوبجى – أى الرقيب – كان يتوسع فى تنفيذ هذه  التعليمات.

وكان لبنان فى تلك الأيام تابعا للدولة العثمانية وكانت الرقابة مفروضة على صحف لبنان، وجاءت برقية إلى صحف بيروت بأن المسيو «كارنو» رئيس جمهورية فرنسا قد اغتيل فى مدينة ليون بضربة خنجر من يد شاب اسمه «كازاريو»، ورفض الرقيب أن ينشر أن رئيس الجمهورية اغتيل وأصر على أن نشر مثل هذا الخبر يؤدى إلى إفهام الناس أن من  الممكن اغتيال السلطان !!

 وطلب الرقيب من الجرائد  الاكتفاء  بالقول بأن فخامة رئيس جمهورية فرنسا انحرفت صحته!! واعترض المحررون كيف يقولون أن صحة  الرئيس منحرفة بينما الرئيس موجود الآن فى السماء !!

وأخيرا قبل الرقيب أن تنشر الصحف النبأ التالى: «إلى جنان الخلد ساءت صحة فخامة رئيس جمهورية فرنسا بسبب تقدمه فى السن فانتقلت روحه إلى بارئها !!».

وبدأت الصحف تستعد لنشر الخبر كما صرح به الرقيب وفجأة اتصل  البوليس بجميع  الصحف وطلب إليها أن توقف الطبع !! إن الرقيب عرض الأمر على الوالى التركى،  واعترض الوالى على صيغة الخبر ! كيف يقال أن رئيس الجمهورية المسيحى ذهب إلى جنات الخلد، والمفروض أن الجنة لا يدخلها إلا المسلمون ؟! ثم كيف يقال أن رئيس الجمهورية مات بسبب  تقدمه فى السن ؟! إن جلالة السلطان عبدالحميد متقدم فى السن، فمعنى ذلك أنه إيحاء للرأى العام بأن السلطان ممكن أن يموت ؟ وفى تلك إثارة للخواطر وإقلاق للأمن العام !

 ومن هنا يعيد الرقيب كتابة الخبر من جديد وتصدر صحف بيروت وقد نشرت الخبر التالى: «انتقل فخامة رئيس جمهورية فرنسا إلى رحمة ربه !».

وفهم الصحفيون أن نشر الخبر بهذه الصيغة قد  أرضى ولاة الأمور، ولكن ما كادت الصحف اللبنانية تصل إلى الباب العالى فى اسطنبول حتى قامت الدنيا وقعدت!

فإن السلطان «عبدالحميد» رأى فى نشر الخبر بهذه الصورة إهانة للذات الشاهانية إذ كيف يسمى رئيس جمهورية بلقب «صاحب الفخامة» إن الفخامة وحدها من حق السلطان! وصدر أمر «المكتوبجى» إلى جميع صحف بيروت بالتعليمات التالية: لا يعطى صاحب الفخامة أو صاحب الجلالة أو صاحب العظمة إلا للسلطان وحده دون سواه!

 يلقب الملوك والإمبراطوريون والسلاطين  فى باقى أنحاء العالم بلقب  «حشمتلو»!!

وكما يقول الأستاذ «مصطفى أمين» فقد انتقلت الرقابة إلى الألمانى !!!

وحدث أن ذهب المطرب  المصرى المعروف « عبده الحامولى» إلى الاستانة ودعاه السلطان إلى إقامة حفلة  ساهرة فى القصر، وقبل أن تبدأ الحفلة أسرع أحد رجال الحاشية وطلب إليه أن يكتب فى ورقة الأغنية التى ينوى إنشادها وكتب «عبده الحامولى» أغنيته المشهورة:

غاب عن عينى «مرادى» وانهمل دمعى صبيب 

عز من يسقى فؤادى عندما غاب الحبيب!!

وقرأ الوزير التركى الأغنية وارتعش وتلعثم وصرخ: مستحيل .. مستحيل أن تغنى  هذه الأغنية فى حضرة السلطان !

 ودهش المطرب «عبده الحامولى» وقال: لماذا ؟!

 قال الوزير: هذه دعوة للثورة؟!

وراح عبده الحامولى يؤكد له أن الأغنية غرامية ! وعاد الوزير التركى يتوسل إلى عبده الحامولى  أن يغير كلام الأغنية لأنه إذا سمعها السلطان فسوف يشنق الوزير لأنه هو الذى اقترح دعوة عبده الحامولى للغناء  فى القصر، ولم يفهم عبده الحامولى ماذا فى الأغنية من الممنوعات وقال الوزير: إن كلمة «مرادى» هى التى تسبب كل هذا الإشكال، فأنت تقول «غاب عن عينى مرادى» ومراد هو السلطان مراد عدو السلطان فلا يجوز أن نذكر الناس به !!

 وقال عبده الحامولى: وماذا أفعل ؟! قال الوزير: احذف كلمة «مرادى»!!

 قاال عبده الحامولى: ولكن البيت يصبح مكسورا !! قال الوزير: خير لنا أن نكسر بيت الشعر من أن يكسر السلطان راسى ورأسك وراس نصف مجلس الوزراء!!

وينهى الأستاذ «مصطفى أمين» الحكاية بقوله: واضطر عبده الحامولى أن يغير  كلمة «مرادى» بكلمة حبيبى،  وراح يغنى «غاب عن عينى حبيبى» وكان الوزراء يسمعون عبده الحامولى ويهزون رؤوسهم وهم يستحسنونها .. فإن «حبيبى» أنقذت رؤوس نصف دستة من أعضاء مجلس الوزراء»!! وللحكاية بقية !!