السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل دخل العالم عصر العمل من البيت؟!

ستطيع أن نقول كما يعلن العلماء أن التاريخ من الآن فصاعدا سيحسب ويكتب هكذا: ما قبل كورونا، وما بعد كورونا!



فالفيروس اللعين غيّر كل شيء فى حياتنا.

ويكفى أن نلقى نظرة سريعة على أهم ملامح الحياة بعد كورونا، وقد بدأت فى الظهور مبكرا، من قبل حتى إن لم يتم الخلاص من هذا الوباء القاتل.

 

أتكلم عن: العمل.

فالمؤكد وفق ما يرى العلماء والخبراء والوزراء، أن صيغة العمل فى مكاتب ومواقع العمل قد بدأت تتلاشى، بسبب المخاوف من التعرّض لأسباب الإصابة بالفيروس اللعين، والخوف من عدم توفر ظروف الأمان الصحى للوقاية منه فى وسائل المواصلات العامة، ومحاولة عدم الاحتكاك بالآخرين فى المكاتب ومواقع العمل.

والبديل هو العمل من البيت.

هل انتهى عصر العمل فى المكاتب؟

الشركات والحكومات والموظفون فى دول عديدة حول العالم بدأوا يفضلون العمل من البيت، رغم الدعوات الرسمية للعودة إلى مواقع العمل. وبعض الشركات ترى ويؤيدها العاملون، أن نظام العمل لن يعود أبدا إلى ما كان عليه قبل تفشى كورونا. وأن البديل المنطقى هو أن يرتّب كل الأطراف، أصحاب العمل والعاملون، أنفسهم على الوضع الجديد الذى فرضه الوباء، وسيدوم بعده.

ولنضرب مثالا بالحال فى بريطانيا، فبعد أن كانت نسبة من يعملون من بيوتهم فى مختلف المجالات هناك ٥٪ فقط، قبل ظهور كورونا، وصلت النسبة الآن إلى ٥٠٪ اعتبارا من مارس الماضى، أى أن نصف العاملين فى هذه البلاد لا يذهبون إلى مكاتبهم أو مواقع عملهم، ويفضّلون ممارسة مهام أعمالهم اليومية فى غرفة فى المنزل.

ويلقى هذا الاتجاه مساندة وتأييدا من مختلف الحكومات والمؤسسات والشركات، التى تسمح فيها طبيعة العمل بذلك، خاصة مع التقدم الكبير فى مجالات الاتصالات سواء التليفونات الذكية أو أجهزة الكمبيوتر السريعة عالية الكفاءة.. أو المنصات الإلكترونية التى تسهّل التواصل عبر الإنترنت وعقد الاجتماعات والمؤتمرات والتواصل الشخصى عن بعد، مثل«زووم» و«سكايب» وغيرهما.

ومن بين الدول التى شهدت إقبالا كبيرا على تطبيق فكرة العمل خارج المكاتب.. ومن داخل البيوت، اليابان، ومع أنها فى بداية تفشى الوباء وفرض حالة الطوارئ، كانت تجبر الموظفين على استمرار التواجد كل فى مكتبه حيث يقوم نظام العمل فيها على أسلوب «هانكو» أى ختم الأوراق بالخاتم الرسمي.. لكن مع تراجع الإصابات بكورونا، ألغيت حالة الطوارئ فى مايو الماضى ودعا رئيس الوزراء اليابانيين إلى العمل من المنازل بصفة دائمة حتى عندما يتم التمكن من إزالة أسباب ومخاطر الوباء.. 

الفكرة نشأت قبل كورونا

والحقيقة هى أن فكرة العمل عن بعد.. بعيدا عن المكاتب، ومن البيت، ليست طارئة، ولم تحدثها ضرورات اتقاء الإصابة بالعدوى، فهى كانت موجودة فى زمن ما قبل كورونا، لكن على استحياء، وأدى انتشار الفيروس وحاجة الشركات والإدارات الحكومية وغيرها، إلى مواصلة أعمالها، إلى تشجيع العاملين على مواصلة العمل من بيوتهم. 

ويرى الخبراء أن العمل من البيت هو المستقبل، وهناك كتاب صدر عام ٢٠١٣ أى قبل سبع سنوات من ظهور كورونا يحمل عنوانا مثيرا هو «لا داعى» ويقصد به مؤلفاه «جاسون فريد» و«ديفيد هانسون» أنه لا داعٍ لوجود مكاتب، وأن المكاتب هى آخر مكان يفضّله الأفراد لإنجاز مهام أعمالهم، قلة منهم فقط تفضل العمل من المكتب بينما يختار الآخرون أماكن مثل البيت فى غرفهم الخاصة أو حتى فى المطبخ، والبعض يميل إلى العمل من المقهى!

وبلغ الحماس لهذه الفكرة درجة المبالغة فوجدنا «ريتشارد برانسون» رجل الأعمال البريطانى الشهير مالك ومؤسس مجموعة «فيرجين» العملاقة التى تضم شركات للطيران والتأمين والاتصالات والسكك الحديد وغيرها.. يقول بكل ثقة أنه سيأتى وقت قريب، يكون فيه «المكتب» من آثار الماضي!

ومفهوم طبعا أن كورونا وراء الحماس لهذه الفكرة.. وبعض الشركات الاستشارية تتوقع أن تصل نسبة العاملين من المنزل إلى ٥٠٪ بعد سنتين فقط بينما ترتفع توقعات منتدى الاقتصاد العالمى فى دافوس، إلى ٥٥٪!

فالمسألة تحتاج إلى ترتيبات وتدريب وقوانين وقواعد إتيكيت، وتوفير إمكانيات..

لكنها هى المستقبل.