الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإيد البطالة....

انحازت الثقافة الشعبية للقيم الإيجابية،  فعززت وجودها ودفعت نحوها، من خلال مصطلحات وتعابير وأمثال وحكايات ومواويل وأغنيات، تدعو إليها وترسخ المفاهيم المرتبطة بها.



ارتبط مفهوم الطهارة والنجاسة فى ثقافة المصريين بمضامين فكرية دالة على طبيعة المخزون الثقافى لهذا الشعب، الذى استطاع أن يستخلص من تجربته ما يعينه على ضبط إيقاع التصرفات  فى الاتجاه الصحيح، ويضمن للناس التعايش والتكامل وحسن التدبر والتدبير، وصدق التفاعل والتعبير.

يظل الفعل المشين -عند المصريين- فعلًا نجسًا، لا يضع للقيم اعتبارًا، ولا يراعى خالق الملكوت. فيقال: الناس دول ناس نجاسة (بعيد عنك)، يعنى لا يصح التعامل معهم أو مخالطتهم، أو حتى مطالبتهم بالاعتدال. إذ إن فعلهم ينبع من تلوث أخلاقى مرضى لا ينفع معه الاغتسال. لأن نجاسة الفعل والنفس تلتصق بصاحبها، وتصبح مكونًا أساسيًا من مكونات تركيبته الشخصية، يتعامل مع الآخرين من خلالها، تفضحه رؤيته المشينة ونظرته للأمور التى تحيد عن الحق والعدل دائمًا، وتبتعد عن منظومة الأخلاق.

والراجل المنجوس (النجس) هو الذى لا تأمنه على مال أو عرض أو سر، فهو لا يحافظ على صداقة،  ولا يراعى العيش والملح، ولا يضع فى الاعتبار ضوابط القيم. إنه وإنها نفاية من نفايات قبح التوجيه ورداءة التصور، وبلادة الاستجابة لمقتضيات الحياة السوية.

وعندما تحاسب الثقافة الشعبية وتعاقب فعل التقصير الشرير بعقاب الوصف بمصطلحات قاسية الإشارة عن سوء التصرف، وتضع معايير وضوابط تحاكم المسيء وتكشف عنه، وتلفت نظر المجتمع إليه، حتى يراقبه ويردعه إذا تجاوز الحدود، وتطاول على المتفق عليه.

إنها إرادة العقل الجمعى الرشيد، الذى يسترشد بالأخلاق والقيم النبيلة التى تبنى جسرًا مباشرًا مع دواعى الالتزام ودقة التعبير.

لما حد يقولك بطل يعنى توقف وما تكملش، لأن استمرارك فى اللى بتقوله أو اللى بتعمله هيضر، والتمادى فيه هيلخبط. ولما حد يقولك إن فلان بقى بطلان يعنى ما بقاش قادر ع الشغل ولما يقولك إن الحكاية دى بطلت من زمان، يعنى أنها لم تعد متداولة، وكف الناس على اعتمادها فى سلوكهم أو تعاملاتهم.

والفعل البطال هو نفسه العيب إللى ما يرضيش ربنا ولا حد، وبرده الناس البطالة، هى إللى لا بتراعى حدود ولا بتراجع أى ضمير.. الناس البطالة ما بتعرفش تعمل خير.

والإيد الناشفة الشغالة إللى بتعرف تزرع، وإللى بتعرف تتحرك وتدور المكن العطلان، هى الإيد الطاهرة إللى تستاهل تنباس.. الإيد الشغالة، بتخلى صاحبها رافع راسه بين الناس.

عندما تصف الثقافة الشعبية الإيد البطالة بهذا الوصف المشين، تقصد ردع التقصير فى العمل والسعى إليه، لأنه ضمان الاستقرار والاستمرار فى الحياة بما يرضى الله والناس. ولعل الجماعة الشعبية صاحبة الخبرة والقدرة على التعبير، تختار بدقة ووعى التجربة، الاصطلاحات والتعابير. فعندما تتراجع الأيادى عن أداء دورها تحت ضغط إرادة الخنوع والخضوع للاستسهال والراحة والاتكال بغير توكل، تبقى الشعوب على المحك، وتتراجع كل المعانى الإيجابية التى يدفع إليها ويرسخ لها قيمة العمل والاجتهاد فى أدائه. من هنا جاءت قسوة الإشارة فى معنى العبارة (الإيد البطالة نجسة). 

ولما الناس يقولوا كلام، بيختاروا المعانى بحرص، وبيشوفوا الحياة بميزان.. ويبنوا الجسر للتايه، يقيدوا الشمع للحيران..