الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل تنزع أمريكا فتيل «حرب ليبيا»

بين التواجد الحقيقى للروس على الأرض والثقل الدبلوماسى للأمريكان دولياً تبدو المعادلة الصعبة فى ليبيا، وبين رغبات متباينة لكل المعسكرين ووسط حالة الجمود العسكرى فى جبهة «سرت – الجفرة»، تطفو إلى السطح العديد من الأسئلة بشأن إمكانية نجاح واشنطن فى رأب الصدع ودفع «حفتر والسراج» - ومن ورائهما – إلى فرض الحل السياسى لنزع فتيل حرب إقليمية مدمره تتجاوز الحد الجغرافى الليبى.



وبين المطامع الأمريكية والروسية والفرنسية وغيرها وفى ظل التحركات الماراثونية للجميع سعياً لتحقيق أهدافه وفى ظل المشهد المعقد الذى يمثل قمة جبل الجليد الظاهرة على السطح، ويختفى الجبل نفسه تحت المياه، يبدو أن الكواليس تشهد مفاوضات ماراثونية بين الأطراف الإقليمية والدولية بهدف التوصل لحل ترضى به الأطراف وهو أمر لن يكون سهلاً على أى حال ما لم يتفق الأمريكان والروسى على طاولة واحدة ليخضع من سواهما لما سيتمخض عنه اتفاقهما.

أهمية استراتيجية

دخل ترامب على الخط عبر 3 مكالمات للرئيس الفرنسى والمصرى وولى عهد أبو ظبى محمد بن زايد «الداعمون لحفتر» فى محاولة للإلقاء بثقله السياسى لتثبيت وقف إطلاق النار، أما الروس فأعادوا الانتشار والانسحاب خلف خطوط المواجهة، بما يؤكد رغبة الطرفين فى إيجاد حلمى سلمى كلما كان ذلك ممكنا.

والحقيقة أن واشنطن أصبحت تنافس طرابلس على السوق الأوروبية، بعدما كانت مستورداً صافياً له، فهى تعتبر ليبيا مساحة نفوذ أوروبية، إذ إن أغلبية النفط والغاز الليبيين تستوردهما دول جنوب أوروبا وليست الولايات المتحدة الأمريكية.

وسياسياً فإن ليبيا تمثل رأس الحربة فى محور «الحرب على الإرهاب» الذى تتباه واشنطن منذ هجمات سبتمبر 2001 ، وبالفعل نجح تنظيم داعش الإرهابى فى تأسيس إمارة بسرت ما بين 2015 و2016، ومازالت عدة عناصر إرهابية منتشرة فى وسط وجنوب ليبيا حتى الآن. النقطة الأهم  فى التوجه الأمريكى – المتأخر- بشأن ليبيا هى رفض واشنطن محاولات روسيا تأسيس قاعدتين بحرية وجوية فى سرت والجفرة بالقرب من الجناح الجنوبى لحلف شمال الأطلسى (ناتو)، ومع هزيمة «داعش» فى سرت، أصبح تقليص النفوذ الروسى فى ليبيا على رأس أولويات القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا (أفريكوم).

ولا تفكر الولايات المتحدة فى فرض «الحل السياسى» بالقوة الجبرية فهى لا تسعى لإرسال قوات إلى ليبيا إلا بشكل محدود، لذلك تركز واشنطن على الجهد الدبلوماسى،  ودعم مواطنتها ستيفانى وليامز، على رأس البعثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة منذ مطلع مارس الماضى،  لتحقيق وقف إطلاق النار، واستئناف اجتماعات 5+5 العسكرية بين جيشى حفتر والسراج.

وتركّز واشنطن الآن من خلال «أفريكوم» على تتبع نشاط روسيا وشركة فاغنر فى ليبيا، وتسليط الأضواء عليه، سواء ما تعلق بإرسال طائرات حربية روسية إلى قاعدة الجفرة الجوية، أو الأدلة المتعلقة بزرع فاغنر ألغاماً بالأحياء الجنوبية لطرابلس، للضغط عليهما، بالتنسيق مع حلفائها، للانسحاب من ليبيا.

التواجد الروسى

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تبخرت أحلام الروس فى إيجاد موطئ قدم فى ليبيا باتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، على استقلال ليبيا فى 1951، وقطع الطريق أمام موسكو للتموقع جنوب البحر الأبيض المتوسط.

لكن تبدو استراتيجية الدب الأبيض الحالية أكثر تقدما من نظيره الأمريكى فهى تمتلك مئات المسلحين من ميليشيات فاغنر على الأرض، وطائرات حربية متطورة، ومنظومات دفاع جوى،  ويصف بعض المحللين قاعدة الجفرة بأنها أصبحت «روسية» 100% لذلك كانت موسكو أول من ألمحت أن «سرت الجفرة» خط أحمر.

وبكلمة أخرى تريد روسيا إعادة تحقيق الحلم القديم وهو «الوصول للمياه الدافئة» ومحاصرة خاصرة الناتو من الجنوب رداً على تمدده فى حديقتها الخلفية بأوروبا الشرقية، لكن تركت خطاً للرجعة فهى تنفى مرارا مشاركتها العسكرية فى لييا وتدعو جهارا لحل سياسى،  فالبراجماتية الروسية لا تعرف المراهنة على خيار خاسر.

مطامع تركيا

على الجانب الآخر تسعى أنقرة لتجييش الولايات المتحدة والتواصل مع موسكو من جانب آخر لإيجاد حل «سلمى» (معلن) يحقق مطامعها دون حرب وهو ما ظهر جليا فى اتفاق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكى على التعاون الوثيق فى ليبيا، وزيارة وفد روسى إلى العاصمة أنقرة، لبحث الوضع فى ليبيا.

وفى الكواليس تدعم أنقرة حكومة السراج لحشد الآلاف من المرتزقة فى جبهة سرت الجفرة، بشكل غير مسبوق منذ هزيمة تنظيم «داعش» فى 2016، استعداداً لمعركة محتملة إن أخفقت الجهود الدبلوماسية فى إعادة المحافظتين إلى سيطرة الوفاق، فالأتراك يأكلون على المائدتين.